ماذا لو تتأجل الانتخابات أكثر من عام؟ لم ينتظر السيد الباجي قائد السبسي وعدد من المقربين منه وبينهم اعضاء في حكومته اكثر من شهر واحد بعد مغادرتهم قصر القصبة في 26 ديسمبر الماضي للإعلان عن مبادرة سياسية تحاول ان تجمع حولها كل القوى والشخصيات التي تعارض "العنف والتطرف" وتعمل على تنظيم الانتخابات القادمة في اجل لا يتعدى 23 اكتوبر القادم.. هذه المبادرة السياسية تتزامن مع مبادرات اخرى بزعامة احمد نجيب الشابي ومية الجريبي وياسين ابراهيم ومحمد الهاشمي الحامدي ومع تحركات بالجملة في الكواليس لتشكيل"جبهات سياسية" و"اقطاب ديمقراطية".. القاسم المشترك بينها جميعا "اعادة تشكيل المشهد السياسي" وتاسيس قوة او قوى انتخابية " مدنية " منافسة للتيارات الاسلامية عامة ولحزب النهضة وحلفائه خاصة.. فهل تكون هذه المبادرات مؤشر انفراج سياسي وامني حقيقي ام خطوة جديدة لجر البلاد نحو" الصدام" و"القطيعة" ومزيد من الصراعات؟ السيد الباجي قائد السبسي أكد لنا خلال اتصال هاتفي فور اصدار بيانه الى الراي العام الذي بدا في شكل تقييم للحكومة الائتلافية المنتخبة التي سلم اليها مقاليد الامر قبل شهر أنه"مستعد لدعم كل جهود"انقاذ البلاد من المخاطر التي يبدو انها محدقة بالبلاد.." وبرر قائد السبسي مبادرته الان مع مجموعة من الوطنيين وانصار الاعتدال والاصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي وقيم الحداثة بانتشار قدر من"الضبابية واختلاط المهام في عمل المجلس الوطني التأسيسي" مما تسبب في تداخل الاوراق وفلتان امني واجتماعي وسياسي و" ازمة ثقة سياسية نسبية" اعتبرانها يمكن أن"تعمق المخاطر التي تهدد الامن والاقتصاد والوضع الاجتماعي عموما".
شخصيات وطنية
إن من اهم ما يلفت النظر في المبادرة الجديدة للسيد الباجي قائد السبسي ان شخصيات وطنية عديدة ساهمت في صياغتها او اطلعت عليها ودعمتها قبل نشرفحواها الى الراي العام.. من بينها السادة رضا بالحاج الوزيرالمعتمد لدى الوزير الاول سابقا والعميد الاسبق للمحامين الازهر القروي الشابي والحقوقي والوزير السابق للتربية الدكتور الطيب البكوش وشخصيات من احزاب سياسية مختلفة مثل السيد بوجمعة الرميلي القيادي في حركة التجديد والحزب الشيوعي سابقا.. وشخصيات ليبيرالية ونقابية مستقلة وحزبية.. ومن المجتمع المدني مثل محسن مرزوق والازهر العكرمي ونور الدين بن نتيشة...
ومن المتوقع ان تدعم المبادرة من قبل مسؤولين سابقين في الدولة وفي الادارة من بين رموز الحزب الدستوري والتجمع السابقين.. الذين يعتبرون انه" لاتقدم لتونس قبل بدء مسار للانصاف والمصالحة الوطنية" يقطع مع منطق المزايدات والتشفي وتصفية الحسابات الذي ساد منذ عام.."
مطلبان واضحان
والملفت للنظر ان بيان السيد الباجي قائد السبسي وجه رسائل واضحة " بلهجة لا تخلو من الحزم" للترويكا ولزعاماتها ولقيادات النهضة.. عندما تحدث عن مخاطر "تبدو محدقة بها" وانحرافات في اداء المجلس الوطني التاسيسي والحكومة.. كما لم يكتف البيان بدعوة كل القوى المعادية" للعنف والتطرف" بمساندة المبادرة بل تقدم بمطلبين واضحين الى المجلس الوطني التاسيسي المنتخب والى الحكومة الحالية هما: تنظيم الانتخابات البرلمانية في اجل اقصاه 23 اكتوبر واستصدار القانون الانتخابي الجديد فورا واستكمال الاجراءات الخاصة بالعملية الانتخابية بدءا من الان. لامبالاة؟ والسؤال الكبير الذي يطرح في هذا السياق: ماذا لو لم يتفاعل غالبية اعضاء المجلس الوطني التاسيسي مع هذه المبادرة؟ وماذا لو لم يستصدر المجلس قرارا فوريا ينص بوضوح على تنظيم الانتخابات البرلمانية يوم 23 اكتوبر القادم؟ أي ماذا لو تتاجل الانتخابات لاكثر من عام وبضعة اشهر؟ اليس من الوارد وقتها أن تصبح الحكومة الائتلافية "شرعية " انتخابيا دون ضمان "الشرعية الوفاقية" المطلوبة خلال المرحلة الانتقالية؟ الا يمكن اعادة سيناريو حكومة حماس الفلسطينية التي فازت بالاغلبية لكن خصومها ومنافسيها رفضوا الاعتراف بها ومشاركتها تسيير البلاد خاصة بعد انتهاء" مهلة " الاعتراف بها من قبل حركة فتح وقيادة منظمة التحرير والرئيس محمود عباس؟
مازق جديد.. وقطيعة؟
في هذه الحالة اليس من الوارد ان تتطور الاوضاع نحو" صدام سياسي" معقد جديد بين الترويكا بزعامة حزب النهضة ومنافسيها الجدد بزعامة الباجي قائد السبسي و"الاتئلافات " الجديدة التي قد يتزعمها قادة من حجم الشابي والجريبي والتوزري وياسين ابراهيم وقيادات "الحزب الديمقراطي التقدمي" و"افاق "و" قطب الحداثة " و" التجديد"؟ واذا لم يسد الامن ولم تنجح عملية استصدار الدستور القوانين الانتقالية ومن بينها قانون المالية التكميلي وقانون الانتخابات القادمة الن تكون البلاد مهددة ب" حرب باردة" سياسية واعلامية جديدة تكرس" القطيعة بين حكومة منتخبة"ليس حولها أي قدر من الوفاق والاجماع" ومعارضة ضعيفة شعبيا لكنها مؤثرة في صناع القرار داخل وسائل الاعلام والمجتمع المدني؟ توسيع الحوارالسياسي ؟ قياديون من حزب النهضة والائتلاف الثلاثي يقللون الى حد الان من جدية معارضيهم.. ويعتبرونهم" نخبويين ومعزولين شعبيا".. في المقابل اعلن السادة حمادي الجبالي رئيس الحكومة والوزير المستشار ابو يعرب المرزوقي والناطق الرسمي باسم الحكومة سمير ديلو استعداد حزب النهضة وحكومة الترويكا الى توسيع الحوار السياسي.. مع مختلف القوى والاحزاب والاطراف التي لم تفز في الانتخابات.. اوفازت بنسب ضعيفة من الاصوات.. لكن هل ينجح هذا الحوار في ان يساهم في تحسين الاوضاع الاجتماعية والاقتصادية والامنية لغالبية الشعب ولاكثر من مليوني عامل وموظف وحوالي مليون عاطل عن العمل؟ لعل هذا التحدي هو الاكبر.. لذلك فان مبادرة السيد الباجي قائد السبسي تعهدت ب"تحقيق طموحات التونسيات والتونسيين في الديمقراطية والكرامة والعدالة الاجتماعية".. واوردت ان"روح المسؤولية " كانت وراء اطلاقها ل"إبداء الرأي فيما آلت اليه اوضاع البلاد واقتراح سبل تجاوز المخاطر التي تبدو محدقة بها".. مشهد سياسي جديد؟ وقد يكون من السابق لاوانه الحكم لصالح مبادرتي الباجي قائد السبسي و"الديمقراطي التقدمي افاق" او ضدهما.. كما لايعرف ان كان قادة ال 47 حزبا التي خرجت من رحم الحز ب الدستوري سيقبلون قائد السبسي زعيما"جامعا" لهم ام لا؟ وهل لن تبرز" بدائل" و"احزاب سياسية اكثر جدية في منافستها للنهضة والمؤتمر والتكتل" من داخل نفس المنظومة العروبية والاسلامية؟ وهل ستنجح مبادرات" الاحزاب الوسطية " الاسلامية والقومية العربية بزعامة السلم والنماء والاصلاح والتنمية والمجد والشعب.. في تاسيس" منافس جدي" للنهضة؟ ثم ما مصير التيار الشعبي الذي صوت لقائمات العريضة الشعبية وزعيمها محمد الهاشمي الحامدي؟ وهل تنجح جهوده لتشكيل ائتلاف يضم"قوميين معتدلين" مثل الاتحاد الوحدوي الديمقراطي؟ تساؤلات بالجملة.. قد تحسم الاجابة عنها مستجدات الملفين الاقتصادي والاجتماعي والامني.. والورقة الدولية التي ستتحكم في نسق تدفق السيولة المالية والسياحية على تونس في المرحلة القادمة.. وهي ورقة مرتبطة بعوامل عديدة من ابرزها تطورات قطاع الاعلام ونجاح الديبلوماسية الرسمية والموازية في فك الحصار المفروض على الحكومة الحالية قبل تشكيلها وبعد تنصيبها..