العنف المدرسي ليس بظاهرة اجتماعية فحسب وإنما أيضا ظاهرة ثقافية، هذا ما تمّ تأكيده أمس بالمجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون «بيت الحكمة» بحضور وزيري الثقافة والتربية أثناء تقديم كتاب «العنف في المدرسة : دراسة السلوكيات المنافية لقواعد الحياة المدرسية» أمّنها فريق عمل تحت اشراف الأستاذ عبد الوهاب محجوب وبمشاركة كل من السادة صلاح الدين بن فرج وأحمد المانسي، والمختار المطوي وأميرة العروي وهدى هلالي وسمية بن خليفة (مختصون في علم الإجتماع وعلم نفس التربية وفي الإعلام والتوجيه) وبرعاية المركز الوطني للتجديد البيداغوجي والبحوث التربوية. وقد أكد الأستاذ مهدي مبروك وزير الثقافة بالمناسبة أنه أضحى «من الصعب بعد الثورة التحكم في السلوكات الإجتماعية لكل الأطراف الفاعلة في القطاع التربوي» مؤكدا على «أهمية دور العائلة في التقليص من حدة الظاهرة في ظلّ تسجيل ارتفاع كبير من حالات العنف داخل المؤسسات التربوية وخارجها» مبينة «أهمية الدراسات الميدانية في تحليل المعطيات وفهم مختلف الظواهر والسلوكات الإجتماعية باعتبار أن المؤسسة التربوية حقل مفتوح على المجتمع ومجال لفتح أبواب ومنافذ حول جملة الفرضيات التفسيرية».
شأن اجتماعي
كما بيّن الأستاذ كمال الصيد مدير المركز الوطني للتجديد البيداغوجي والبحوث التربوية أنّ «ظاهرة العنف المدرسي تعد شأنا اجتماعيا يهتمّ به السياسي والقانوني والإعلامي وكل مكونات المجتمع التونسي لإستفحالها وتطورها لتحصد نتائج جدّ خطيرة أصبح من الصعب التحكم فيها». وقد قدّم صلاح الدين بن فرج، أستاذ في علم الإجتماع، كتاب «العنف في المدرسة» على أنه دراسة ارتكزت أساسا على ثلاث محاور أساسية انطلقت بجملة من التحقيقات الميدانية استهدفت كافة الأطراف التربوية، إلى جانب دراسة تقارير الإحالة على مجالس التربية المتعلقة بحالات العنف واستغلالها في الدراسة إلى جانب المقابلات الجماعية الخاصة بالأولياء ووضع ملامح خطة استراتيجية لمواجهة السلوكات المنافية لقواعد الحياة المدرسية. وتجدر الإشارة إلى أنّ العينة التي شملها البحث تُعدّ ب 5096 تلميذا وتلميذة ينتمي نصفهم (52.8%) إلى التاسعة أساسي ومعدل أعمارهم 15 سنة والنصف الثاني إلى الثانية ثانوي ومعدل أعمارهم 17 سنة. كما شملت العينة 174 مدرسا ومدرسة و116 مؤطرا إلى جانب 68 مديرا ومديرة بالإضافة إلى ضبط 48 مجموعة أولياء المستهدفين بالمحادثة الجماعية موزعة بالتساوي بحسب متغيّري الجنس والجهة.
المحيط الثقافي والرياضي
وقد أشارت النتائج الإحصائية لهذه الدراسة لوجود «ترابط بين توفر مؤسسات ثقافية أو رياضية بالمحيط الذي يعيش به التلميذ وتقييمه لتواتر السلوكات المنافية لقواعد الحياة المدرسية» وبالتالي صرّح «نصف عدد التلاميذ بوجود مؤسسات ثقافية في محيطهم كذلك حوالي 50 بالمائة منهم يقرون بانتمائهم إلى جمعيات رياضية» إلا أنّ أكثر من 72 بالمائة منهم لا يمارسون أي نشاط ثقافي أو رياضي. وأقرّ أكثر من 33 بالمائة من التلاميذ المستجوبين أنه لا وجود للمؤسسات الثقافية والرياضية في محيطهم، في حين أكّد أكثر من 26 بالمائة وجود إما مؤسسات ثقافية أو رياضية غير أن 37.5 بالمائة منهم أقروا بوجود مؤسسات ثقافية ورياضية. والملاحظ، حسب ما ورد بالدراسة، أن عددا هاما من تلاميذ العينة لا يمارس أي نشاط ثقافي أو رياضي رغم أهمية ذلك في تحقيق التوازن البدني والنفسي المساعد على التكيف الدراسي، فبعلاقتهم بممارسة العنف صرّح أكثر من 58 بالمائة بأنهم كانوا ضحايا للعنف بمختلف أشكاله وخاصة منه العنف اللفظي، كما صرّح 3.3 بالمائة منهم بأنهم تعرضوا للعنف الجنسي واشتكى 11.5 بالمائة من الإهمال من قبل أوليائهم وهي أوضاع عاشوها كشكل من أشكال العنف، إضافة إلى معايشتهم العنف كضحايا فإن أكثر من الربع منهم كانوا شهودا على ممارسة العنف بين أعضاء من أسرهم.
التلميذ والعنف
وفي المقابل اعترف أكثر من 7 بالمائة من تلاميذ العينة بأنهم غالبا ما يلتجئون للعنف لحلّ المشاكل مقابل أكثر من 51 بالمائة صرحوا بأنهم يمارسونه أحيانا و42.2 بالمائة إطلاقا. وقد حلل المشرفون على الدراسة هذه الإحصائيات بربطها بمدى توفر المؤسسات الثقافية والرياضية بمحيط التلاميذ حيث أقرّ الذين يعيشون بمحيط تتوفر فيه مؤسسات ثقافية ورياضية، أكثر من غيرهم بتواتر السلوكات المنافية لقواعد الحياة المدرسية وفي نفس السياق لاحظ فريق العمل اختلافا في «تقييم مدى تواتر هذه السلوكات بين التلاميذ المنخرطين بهذه المؤسسات والتلاميذ الآخرين حيث أن المنخرطين في تلك الأنشطة هم أكثر إقرارا بتواتر السلوكات العنيفة». كما أشارت النتائج الإحصائية إلى وجود ترابط بين توفر مؤسسات ثقافية أو رياضية بالمحيط الذي يعيش به التلميذ وتقييمه لخطورة السلوكات إذ يقر التلاميذ الذين لا تتوفر بمحيطهم مؤسسات ثقافية أو رياضية أقل من غيرهم بخطورة السلوكات العنيفة وخاصة المتعلقة بتعكير صفو القسم.