التهم الموجّهة لبرهان بسيّس ومراد الزغيدي    الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان تعتبر أن عملية تنفيذ بطاقة جلب بمقر دار المحامى سابقة خطيرة    رجة أرضية بقوة 3.1 درجة على سلم ريشتر بمنطقة جنوب شرق سيدي علي بن عون    أخصائي نفسي يحذّر من التفكير المفرط    سليانة: عطب في مضخة بالبئر العميقة "القرية 2 " بكسرى يتسبب في تسجيل إضطراب في توزيع الماء الصالح للشرب    شركة "ستاغ" تشرع في تركيز العدّادات الذكية "سمارت قريد" في غضون شهر جوان القادم    المشهد العام للتزويد بالخضر والغلال سيتسم بتواصل المنحى التنازلي للأسعار خلال شهر ماي - المرصد الوطني للتزويد والاسعار    افتتاح نقطة بيع من المنتج إلى المستهلك وسط العاصمة لعرض منتوجات فلاحية بأسعار الجملة وسط إقبال كبير من المواطنين    قادة الجيش يتهمون نتنياهو بتعريض حياة الإسرائيليين والجنود للخطر وهاليفي يؤكد إن حرب غزة بلا فائدة    مؤشر جديد على تحسن العلاقات.. رئيس الوزراء اليوناني يتوجه إلى أنقرة في زيارة ودّية    البطولة العربية لالعاب القوى (اقل من 20 سنة): تونس تنهي مشاركتها ب7 ميداليات منها 3 ذهبيات    رسمي.. فوزي البنزرتي مدربا للنادي الإفريقي    وفاة 3 أشخاص وإصابة اثنين آخرين في حادث مرور خطير بتلابت من معتمدية فريانة    المحكمة الابتدائية بسوسة 1 تصدر بطاقات إيداع بالسجن في حق اكثر من 60 مهاجر غير شرعي من جنسيات افريقيا جنوب الصحراء    مدنين: نشيد الارض احميني ولا تؤذيني تظاهرة بيئية تحسيسية جمعت بين متعة الفرجة وبلاغة الرسالة    سيدي بوزيد: تظاهرات متنوعة في إطار الدورة 32 من الأيام الوطنية للمطالعة والمعلومات    مصر تهدد الاحتلال بإنهاء اتفاقيات كامب ديفيد    زهير الذوادي يقرر الاعتزال    نقابة الصحفيين تتضامن مع قطاع المحاماة..    صفاقس تتحول من 15 الى 19 ماي الى مدار دولي اقتصادي وغذائي بمناسبة الدورة 14 لصالون الفلاحة والصناعات الغذائية    في الصّميم ... جمهور الإفريقي من عالم آخر والعلمي رفض دخول التاريخ    أخبار الأولمبي الباجي: تركيز على النجاعة الهجومية    ر م ع الصوناد: بعض محطات تحلية مياه دخلت حيز الاستغلال    امين عام التيار الشعبي يلتقي وفدا عن حركة فتح الفلسطينية    سبيطلة.. الاطاحة بِمُرَوّجَيْ مخدرات    بقلم مرشد السماوي: تعزيز أمن وحماية المنشآت السياحية قبل ذروة الموسم الإستثنائي أمر ضروري ومؤكد    جندوبة الشمالية.. قرية عين القصير تتنفس نظافة    سيدي بوزيد.. اختتام الدورة الثالثة لمهرجان الابداعات التلمذية والتراث بالوسط المدرسي    المالوف التونسي في قلب باريس    الناصر الشكيلي (أو«غيرو» إتحاد قليبية) كوّنتُ أجيالا من اللاّعبين والفريق ضحية سوء التسيير    نتائج استطلاع رأي أمريكي صادمة للاحتلال    إصدار القرار المتعلّق بضبط تطبيق إعداد شهائد خصم الضريبة من المورد عبر المنصة الإلكترونية    حضور جماهيري غفير لعروض الفروسية و الرّماية و المشاركين يطالبون بحلحلة عديد الاشكاليات [فيديو]    انشيلوتي.. مبابي خارج حساباتي ولن أرد على رئيس فرنسا    اليوم: إرتفاع في درجات الحرارة    حوادث: 07 حالات وفاة و اصابة 391 شخصا خلال يوم فقط..    حالة الطقس ليوم الأحد 12 ماي 2024    أولا وأخيرا: نطق بلسان الحذاء    مع الشروق .. زيت يضيء وجه تونس    قيادات فلسطينية وشخصيات تونسية في اجتماع عام تضامني مع الشعب الفلسطيني عشية المنتدى الاجتماعي مغرب-مشرق حول مستقبل فلسطين    6 سنوات سجنا لقابض ببنك عمومي استولى على اكثر من نصف مليون د !!....    حل المكتب الجامعي للسباحة واقالة المدير العام للوكالة الوطنية لمقاومة المنشطات والمندوب الجهوي للشباب والرياضة ببن عروس    الدورة 33 لشهر التراث: تنظيم ندوة علمية بعنوان "تجارب إدارة التراث الثقافي وتثمينه في البلدان العربيّة"    النادي الافريقي - اصابة حادة لتوفيق الشريفي    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    مدير مركز اليقظة الدوائية: سحب لقاح استرازينيكا كان لدواعي تجارية وليس لأسباب صحّية    عاجل/ الاحتفاظ بسائق تاكسي "حوّل وجهة طفل ال12 سنة "..    نحو 6000 عملية في جراحة السمنة يتم اجراؤها سنويا في تونس..    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    أسعارها في المتناول..غدا افتتاح نقطة بيع من المنتج إلى المستهلك بالعاصمة    عاجل : إيلون ماسك يعلق عن العاصفة الكبرى التي تهدد الإنترنت    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    بعيداً عن شربها.. استخدامات مدهشة وذكية للقهوة!    تونس تشدّد على حقّ فلسطين في العضوية الكاملة في منظمة الأمم المتّحدة    الكريديف يعلن عن الفائزات بجائزة زبيدة بشير للكتابات النسائية لسنة 2023    في تونس: الإجراءات اللازمة لإيواء شخص مضطرب عقليّا بالمستشفى    منبر الجمعة .. الفرق بين الفجور والفسق والمعصية    دراسة: المبالغة بتناول الملح يزيد خطر الإصابة بسرطان المعدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حل الإنقاذ الوحيد.. حكومة ائتلافية موسعة وصحافة وطنية
باحث في الاتصال السياسي ل"الصباح"
نشر في الصباح يوم 12 - 02 - 2012

الحرية لا تنبت تلقائيا في فضاء من الفوضى والتصحر الحضاري الدكتور صلاح الدين الوسلاتي، باحث وجامعي في الاتصال السياسي، كان من القلائل ان لم يكن الوحيد، الذي أصدر كتابا في فرنسا سنة 2010 (1) ، تنبأ فيه بانفجار الوضع الاجتماعي في تونس على رأس النظام السياسي ثم أصدر كتابا في تونس بعد الثورة لم يخف فيه تخوفه من صعوبة تطور الأحداث بعد إعلان نتائج انتخابات المجلس التأسيسي، وفعلا فإن ما حدث ويحدث حاليا يؤكد مرة أخرى صدق حدسه.
"الصباح" إلتقته لتستفسر عن "سر" هذا الاستشراف؟ ماهي أسسه؟ وكيف يحلل الوضع الراهن؟ وماهي وصفة الخروج من هذا المأزق؟

حاوره نزار مقني
٪
- إني لا أحبذ كثيرا كلمة تشاؤم أوتفاؤل اللتين لا تعنيان شيئا سوى "زرع الأوهام"، إني أخير كلمة واقعي، والواقعية تبنى على معطيات موضوعية، وحتى أعود إلى الوضع بعد الإنتخابات إلى اليوم، فإن الملاحظ الدقيق يسجل تلكؤا وتململا وترددا وهشاشة في المواقف السياسية منذ سقوط بن علي إلى حد الساعة.
الخطوة الأولى الفاشلة بدأها الوزير الأول السابق محمد الغنوشي باعتماد الفصل 56 عوض الفصل 57 ثم تعيين وزرائه وولاته وعجزه عن صد الإشاعات والعنف والمطلبية.. منذ ذلك الوقت فقدت الدولة هيبتها إلى اليوم، والسلطة الحالية تحاول إعادتها بصعوبة فائقة، لكن هي نفسها لم تقطع مع الأخطاء الإستراتيجية، والضبابية مما حال دونها ودون فرض النظام.
٪
- قبل الوصول إلى الوصفة، يجب تحديد الحالة العامة التي تعيش فيها البلاد، وحسب رأي فإنه، من دون اعتبار العاملين الأمني والقضائي فإننا نستطيع ضبط الحالة الآنية للبلاد في نتيجة أساسية ل4 عوامل وهي:
*سياسيا: النهضة التي فازت بالانتخابات، بدت من البداية أنانية أكثر من اللزوم مما أثار حفيظة الأحزاب الأخرى، وحتى التونسيين من غير النهضاويين، فهي بدت واثقة من نفسها أكثر من اللزوم، ولا يمكن تغيير المجتمع التونسي بسرعة كبيرة ب 18 في المائة من الأصوات (أصوات النهضة) الجملية والممكنة أوحوالي 42 في المائة من المقترعين في الانتخابات الأخيرة، ولا يمكن ذلك حتى بمجموع مائة بالمائة من الأصوات.
فلا يمكن تغيير عقلية مسيطرة بالضغط على زر، بل يلزمهاعلى الأقل أجيال وحتى قرن كامل من الزمن، خاصة أن المجتمع التونسي تأصلت فيه الوسطية والمحافظة، فالتونسي يرفض التغيير الجذري السريع، لأن الإعتدال متأصل فيه، وتبين ذلك من خلال النسبة الكبيرة من التونسيين الذين عبروا عن تخوفهم وحتى رفضهم للانخراط في هذا التغيير إلى حد قد يهدد باجهاض المشاركة في المشروع السياسي الجديد لبناء البلاد.
وهذا الشعور انتشر في جو من البؤس وعدم الأمان، في ظل سلطة تعيش فترة من عدم الثقة
*اقتصاديا: وضع تدهور بسرعة فائقة، إلى حد كارثي (اعتصامات اضرابات تدمير للمنشآت العامة مؤسسات أغلقت أوبصدد الإغلاق انخفاض في الانتاج والتصدير) وفي المقابل غياب مشاريع، ومخطط وطني وجهوي للانقاذ، وغياب تنقل المسؤولين إلى داخل البلاد لطمأنة الشعب مباشرة...
كما ينبغي ملاحظة ضعف استراتيجية النهضة الإتصالية ( تجاه تركيا، إيران، قطر، وبعد عن الغرب) مما خلق جوا من عدم الوضوح وغياب الرؤية التي كان من المفروض أن يعلن عنها منذ البداية.
يضاف إلى ذلك رد الفعل السلبي الهيكلي والفردي للمعارضة.
*العامل البسيكولوجي: فئة كبيرة من الشعب غلب عليها عدم التحضر والأنانية، وهي تريد أن تحقق مطالبها آنيا، حتى وان كانت البلاد في حالة اشتعال. إنه شعور غريب.
إن الشعور الحضاري لا يمكن ادراكه بصفة آنية أوأن نشتريه بقروض أوهبات أواعتمادات، وليس بوعود كذلك، إنه عمل طويل المدى ليتحقق، وكان من المفترض أن ينطلق سنة 1956.
عندما يفقد التونسي ادراكه، يصعب فيما بعد عقلنته واقناعه و"ترويضه"، ومما زاد الطين بلة، نوعية خطاب السياسيين، والمقترحات والوعود التي طرحوها والوضع الراهن الهش.
*العامل الإعلامي: هذا المشهد الفوضوي، من يقوم بتنشيطه؟ ويعطيه إيقاعه؟ إنها وسائل الإعلام وباسم حرية التعبير (أمر شرعي) فالإعلاميون يبثون الهواجس والخوف في المجتمع بكل تلقائية، طوال اليوم لاثارة فزع المواطنين، أحيانا من دون قصد، أوبصفة شعورية، باعطاء الكلمة للجميع للانتقاد وتحطيم مشاريع البناء، مما يتسبب في حالة من عدم الإستقرار السياسي والإقتصادي والنفسي لدى الشعب، باسم ماذا؟ باسم عكس ما يحصل يوميا في الميدان ، بكل نزاهة، غير عابئين بمسؤوليتهم الأخلاقية والحرفية والمصلحة العامة والظرف الهش في ذلك.
إن الحرية المطلقة لا تنمو في فضاء من الفوضى و"التصحر" الحضاري، وحتى إن بلغت الحرية أكثر من الحد، فإنها لا تنقلب فقط إلى الضد بل تصل إلى حد القتل.
حذار إذن، حان الوقت لمراجعة النفس، لأن الأمر يتعلق بمستقبل البلاد، فالنجاح والفشل يعنيان جميع التونسيين، إننا في سفينة واحدة، وفي أعماق البحار، ولا ينبغي أن ننتظر النجدة من أحد، كلهم سيتابعون المشهد عبر الأقمار الصناعية، لدراسة "الحالة التونسية" والخروج بنتيجة وعدة إستنتاجات، وكأن تونس مخبر تجارب.
٪
- السياسيون، والنخبة، والأنتليجانسيا، ورجال الإعلام، والشعب، كلهم يريدون أن يلعبوا دور الديمقراطي الكامل، والإنتقال في رمش البصر من الديكتاتورية المطلقة إلى الحرية المطلقة، غير عابئين بأن الكلمتين تترجمان بأسهل منهما: الإحترام المتبادل وخاصة المصلحة الوطنية، وهو ما يفترض مقوما آخر وهو الشعور بالتحضر، لكن المشكل: "فاقد الشيء لا يعطيه. والبداية من الصفر( أو يكاد) صعبة ومعقدة."
إن ما يقلقني هو أنه منذ 14 جانفي لم أرى خطوة واحدة مرت بها البلاد كانت على أساس صلب، منذ الحملة الإنتخابية حتى الإنتخابات والبداية كانت منذ الفصل 56، متبوعا بالتجاوزات المسجلة خلال الحملة الإنتخابية، لقد سجلت حالة من التلمس والتذبذب في الأداء السياسي، فكل ما تم منذ 14 جانفي يرتبط أساسا بتذبذب الأداء الجماعي السياسي من كافة الأطياف، فكل مرحلة سياسية في تونس تبعها مخاض عسير وقاس، وقد حان الوقت للانطلاق في البناء، وأن جيلنا صنع الثورة، وإن أحفادنا هم الذين سيتمتعون بمزايا الديمقراطية، لا بد أن نعرف وأن يدرك الجميع أن ثمار الثورة لن يقطفها جيلنا نحن وإنما ستعود على ما هو أهم وأزلي الوجود: الوطن.
٪
- دعني أعود إلى الهدنة التي طلبها الرئيس المرزوقي، إنه المنطق بعينه وليس نبوغا أو ذكاءا سياسيا خارقا، هذه الهدنة هي أمر لا مفر منه لدفع عجلة الإنتاجية في البلاد، التي تصاب في كل يوم وكل ساعة بشلل مستمر.
فرئيس الجمهورية مطالب بقوة الملاحظة، وبعد النظر لإيجاد حلول عملية للخروج من المأزق، هذا الدور إضطلع به الرئيس المرزوقي على صعيد الاتصال السياسي، لكن من المفروض أن يكون هذا الدور متبوعا بمقترحات تطبيقية ملموسة من شأنها أن تدفع الجميع إلى نبذ المصلحة الشخصية أوالحزبية، والإنخراط في مجهود إنقاذ مصير البلاد.
٪
- الهدنة التي يطالبهم بها بدت للبعض وكأنه يطالبهم بمساعدته على النجاح على حساب مصالحهم السياسية، وقد فهم على أنه مناورة سياسية ساذجة.
لا أعتقد أن الأمر يتطلب خبيرا في العلوم السياسية، لمعرفة أن القوى السياسية المعارضة تتمنى فشل المبادرة السياسية للرئيس المرزوقي والترويكا لتنصب نفسها كمنقذة للبلاد خاصة في الإنتخابات المقبلة.
حتى لا يكون مطلب الرئيس المرزوقي بالهدنة سياسويا، فإن أمامه هو والنهضة والتكتل الآن، خيارا وحيدا وهو اقناع أكبر عدد ممكن من خصومه السياسيين الأساسيين على الأقل، للانخراط في هذا المجهود الذي لا يمكن الحياد عنه في هذه المرحلة الكارثية للبلاد.
فهل يعقل أن يطالب المرزوقي خصومه السياسيين ب"صك على بياض" ويقبلون بالتالي موتهم السياسي؟ فالقاعدة تقول أننا في السياسة لا نعيش ولا نبقى ولا نتقدم إلا بالمشي على جثث الخصوم..
لكن الوضعية التي تعيشها تونس حاليا تفرض علينا أن نبتعد عن هذه القاعدة، فالوضع الإجتماعي والإقتصادي اليوم في البلاد بلغ طريقا مسدودا خطيرا، وإن مسؤولي الترويكا خاصة النهضة مطالبون بالتفكير بوطنية، فهذه اللحظة هي لحظة حاسمة لقبول تنازلات لانقاذ البلاد، نعم إنقاذ البلاد.
ويكمن المخرج الوحيد الآن في تشكيل حكومة إئتلافية للانقاذ مفتوحة على كل الحساسيات السياسية الأساسية على الأقل، وهذه الحساسيات مطالبة بدورها لقبول هذه اليد الممدودة لأنها ستنقذ البلاد.
خلال فترة الحكم هذه التي ستدوم سنة أوسنتين، سيستعيد الشعب الثقة والهدوء والإنتاج والجميع سيندفع للعمل. وكل رموز الأطياف السياسية الأساسية سيصبح معنية مباشرة بمجهود الحكومة في انقاذ البلاد من هذه الأزمة الخطيرة، وتصبح أطرفا فاعلة وغير معرقلة لمجهودات الحكومة والدولة.
وبعد هذه الهدنة، فإن عجلة الإنتاج ستبدأ بالدوران وهو ما سيسمح للبلاد باسترجاع نسقها الإنتاجي الطبيعي، وفي هذه اللحظة يصبح بالإمكان تنظيم الإنتخابات التشريعية والرئاسية.
ولا ينبغي البتة نسيان ضرورة دفع الإعلام للانخراط في هذا المجهود الوطني، فالإعلاميون ليسوا أقل وطنية من السياسيين للانخراط بوجه جديد في هذا المجهود ف :" نحن وطنيون نريد دفع بلادنا إلى الأمام"، وإلا فإن الفشل سيكون جماعيا، للبلاد، للحساسيات السياسية والمعارضة وحتى النهضة كذلك.
وفي إطار نفس التمشي فإنه من الوطنية ومن الذكاء السياسي أن تنفتح النهضة والترويكا عموما على مختلف الحساسيات السياسية في المجلس التأسيسي لكتابة دستور جديد جماعي يضمن "الأبدية"، وإلا فإن الخطر من الإصرار على الخطأ يقود البلاد خلال وبعد الإنتخابات القادمة- إلى الكارثية لا قدر الله.
إن أحد هذين الإختيارين سيحدد مستقبل البلاد، إنها مسؤولية كبيرة ونبيلة، موضوعة على عاتق ضمير كل طرف سياسي (وكل تونسي وطني)، لأن التاريخ لا يرحم.
أرجو أن تكون السلطة بثلاثيتها (الرئاسة والحكومة والمجلس التأسيسي) مقتنعة أشد الإقتناع ومتشبثة بقيادة البلاد طبقا لاستراتيجيات ذات علاقة بالاتصال السياسي، الذي ينبني خاصة على "شخصية" سياسية قوامها تكامل الصورة والخطاب.
٪
- فيما يهم القطاع الإعلامي قبل الثورة فإننا يمكن أن نقسم تلك الفترة إلى فترة بورقيبة وثم فترة بن علي، رغم أن الإعلام في كل من الفترتين هو وجهان لعملة واحدة، لأن العهدين شهدا اقصاءا كبيرا ورقابة وغياب حرية التعبير والحوار الإعلامي السياسي، لكن المقارنة بين بورقيبة وبن علي لا تجوز. بورقيبة كان رجل سياسة ويفهم جيدا جدال الأفكار والتحديات السياسية الإعلامية وحدود الرقابة، لي عديد الشهادات الحية حول ممارسة الرقابة في عهد بورقيبة، لكن رغم ذلك بورقيبة يعتبر ديكتاتورا، خاصة وأنه يعتبر أن الدنيا تبدأ وتنتهي عنده.
أما عن بن علي فهو يعتبر مسؤولا جاهلا على الأقل بالميدان الإعلامي، بالنسبة له فإن هذا الميدان هو أعقد من الرياضيات، والحل بالنسبة إليه هوالسيطرة على العاملين في هذا القطاع، عن طريق التحكم في الانتدابات حسب معايير محددة، ومعاقبة وطرد الصحافيين "الخبثاء"، وهذه المهمة كان يضطلع بها عبد الوهاب عبد الله، وهذا الأخير لم يأت بمعجزة كبيرة، استراتيجيته اعتمدت على تهميش الكفاءات، وتعويضهم ب"صحافيين" لا تتوفر لديهم الحرفية والشخصية.
إلى من لم يعلم بعد، في كل مجتمع من المجتمعات، إذا حصلت تجاوزات مجتمعية، فذلك يعني أن الصحافة لم تقم بدورها، وذلك حصل مع بن علي ويمكن أن يعيد التاريخ نفسه بعد الثورة.
فعلى الصحافة أن تتجنب الإحتواء من أي طرف من الأطراف سياسيا أو إقتصاديا، حتى تمارس دورها النقدي في المجتمع وتكون منارته وسدا ضد التجاوزات. لكن هذه الحرية ينبغي أن تكون متبوعة بالمسؤولية والحرفية، فقد كان صعبا انتقال الصحافيين من رقابة مطلقة إلى حرية مطلقة، ومن الأمثلة التي يمكن أن نذكرها وأساءت لمهنة الصحافي والمجتمع التونسي في خضم الثورة، طريقة تعاملها مع الأحداث دون تثبت من مصداقيتها، فكان أن انتشرت الإشاعة وأضرت بالبلاد، وخصوصا في الإعلام السمعي البصري، فلا يمكن تنظيم حوارات لا تتوفر فيها الأطراف المتناقضة وإلا فإن ذلك لا يعتبر صحافة بل دعاية.
٪
- الحاجة الآن ملحة لبعث جهاز وطني ينظم المهنة لتفادي السلبيات المطروحة، وتكون له سلطة.
أما بالنسبة للإعلام السمعي البصري فإن الحاجة ملحة لبعث جهاز مستقل تشارك فيه المؤسسات الإعلامية، لغاية قيس نسبة المشاهدة والإستماع لوسائل الإعلام، وهو ما سيميز الإنتاج الجيد من الرديء، ويساعد ذلك على تطوير الإنتاجات الناجحة، حسب معدل إنتشارها.
أما بالنسبة للصحافة المكتوبة، فلا بد من نشر الأرقام المتعلقة بالسحب والمبيعات بكل شفافية لمعرفة حجم انتشار كل عنوان من العناوين المكتوبة.
ويبقى في الأخير نجاح الصحفي المهني مرتبطا بالتكوين وتلك قضية أخرى.
(1) Sarkozy le sophiste et les chiens errants de la République (2010) Ed. Publibook


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.