الدينار التونسي يتراجع أمام الأورو إلى مستوى 3.4    وزير التجهيز والإسكان يؤكد على تفعيل الدور الرقابي للتفقدية العامة بالوزارة    الحماية المدنية: 597 تدخلا منها 105 لإطفاء حرائق خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية    المريض هو اللي باش يطلب استرجاع المصاريف من الكنام.. تفاصيل جديدة    أكثر من 100 شهيد في مجازر ارتكبها الاحتلال في قطاع غزة    الرابطة الأولى: تشكيلة الترجي الجرجيسي في مواجهة الإتحاد المنستيري    سبالينكا تنسحب من بطولة الصين المفتوحة للتنس بسبب الإصابة    مقارنة بالسنة الفارطة: زيادة ب 37 مدرسة خاصة في تونس    أسباب غير متوقعة وراء نقص حالات الزواج عند التونسيين    الإحتلال يقصف مستشفى الرنتيسي للأطفال بغزة    عاجل/ الاحتلال الصهيوني يرتكب مجازر جديدة في غزة..وهذه حصيلة الشهداء..    قطاع التربية يحتج اليوم: ساعتان من الغضب داخل المؤسسات وأمام المندوبيات    عاجل: الصوناد تدعو التونسيين للتبليغ عن الإخلالات والإشكاليات    الكورة اليوم ما تفلتهاش... هذا برنامج المقابلات للرابطة الأولى    الدورة 28 من تحديات الشط: حدث رياضي وثقافي استثنائي في قلب الجنوب التونسي    رابطة أبطال اوروبا : يوفنتوس ينتزع التعادل 4-4 من دورتموند في الوقت بدل الضائع    رابطة ابطال اوروبا - مبابي يحرز ركلتي جزاء ليقود عشرة من لاعبي ريال للفوز على مرسيليا    طقس اليوم: سماء قليلة السحب    بنزرت: إصابات خفيفة في انقلاب حافلة عمّال بغزالة    11 جريحا في حادث مرور بين سيارتين.. #خبر_عاجل    القيروان: النيابة العمومية تأذن بتشريح جثة العرّاف ''سحتوت'' بعد وفاته الغامضة    عاجل: طلبة بكالوريا 2025 ادخلوا على تطبيق ''مساري'' لتأكيد التسجيل الجامعي..وهذا رابط التطبيقة    عاجل: تعرف على نسب الفائدة الفعلية والمشطّة لكل نوع من المساعدات    أمل جديد لمرضى القلب.. تشخيص مبكر ينقذ الحياة في دقائق    عاجل: الكشف عن إصابة نجم الأهلي المصري ''بفيروس خطير''... هل انتقلت العدوى إلى باقي اللاعبين؟ نتائج التحاليل تكشف المفاجأة    جريدة الزمن التونسي    جريدة الزمن التونسي    إيران تنفذ حكم إعدام بجاسوس للموساد    فيينا.. مقتل شخصين وإصابة آخرين بإطلاق للنار في مبنى سكني    أسطول الصمود: سفينتا ''قيصر- صمود'' و موّال-ليبيا تغادران في اتجاه القطاع    بعد 140 عاما.. العثور على "سفينة أشباح" غرقت في بحيرة ميشيغان الأمريكية    مهرجان بغداد السينمائي يكرّم السينماء التونسية    رغم تراجع الصادرات... دقلة النور تواصل ريادتها في السوق العالمية    أخبار النادي الإفريقي .. البنزرتي مطالب بالتغيير    مونديال الكرة الطائرة بالفلبين...هزيمة أمام إيران وصراع الخميس مع مصر    مولود ثقافي جديد .. «صالون الطاهر شريعة للثقافة والفنون» ملتقى المثقفين والمبدعين    وزير الصحة يزور مستشفى "سامسونغ" الذكي في سيول    بين قفصة والمتلوي.. اصابة 11 شخصا في حادث مرور    كيف سيكون الطقس هذه الليلة؟    مشاركة تونسية لافتة في الدورة 13 من المهرجان الثقافي الدولي للمالوف بقسنطينة    وفاة العرّاف "سحتوت" بمبيد حشري: النيابة العمومية تتدخّل.. #خبر_عاجل    فيلمان تونسيان ضمن مسابقات مهرجان الجونة السينمائي    وفاة روبرت ريدفورد: رحيل أيقونة السينما الأميركية عن 89 عامًا    عاجل/ تجدّد الغارات الإسرائيلية على اليمن    لأوّل مرة: هند صبري تتحدّث عن والدتها    راغب علامة عن زوجته: لم تحسن اختياري    يوم وطني الخميس 18 سبتمبر الجاري لتقييم موسم الحبوب 2025/2024    من 15 إلى 19 أكتوبر: تنظيم النسخة السادسة من الصالون الدولي للسلامة الإلكترونية    حجز 4،7 أطنان من الفرينة المدعمة لدى إحدى المخابز المصنفة بهذه الجهة..    بنزرت: توجيه واعادة ضخ 35.2 طنا من الخضر والغلال والبقول بسوق الجملة بجرزونة    إلغاء إجراء تمديد عقود CIVP    انطلاق المخطط الوطني للتكوين حول الجلطة الدماغية    "غراء عظمي".. ابتكار جديد لعلاج الكسور في 3 دقائق..    كلمات تحمي ولادك في طريق المدرسة.. دعاء بسيط وأثره كبير    أولا وأخيرا ..أول عرس في حياتي    أبراج باش يضرب معاها الحظ بعد نص سبتمبر 2025... إنت منهم؟    خطبة الجمعة .. مكانة العلم في الإسلام    مع الشروق : الحقد السياسيّ الأعمى ووطنية الدّراويش    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حوار وطني.. وتعديل الحكومة لتوجهاتها
ملف: أمام تفاقم الأزمات..
نشر في الصباح يوم 23 - 01 - 2012

-لا يبدو درب الانتقال الديمقراطي معبّدا أمام حكومة الجبالي.. التي تواجه في كل منعطف موجة احتجاجات تتصاعد وتيرتها وتهدأ حسب مقترحات الحكومة التي بدت «مكبلة» بوعود لا تجد منفذا للوفاء بها..
لعل غياب الدربة السياسية على أغلب أعضاء الحكومة الذين مازالوا لم «ينزعوا» بعد جبّتهم الحزبية ويتصرّفوا كرجالات دولة تضمّ كل التونسيين باختلاف مرجعياتهم الفكرية والإيديولوجية هي التي أسفرت عن «أزمة» تواصل اتسمت بخطاب متذبذب ونكوص على قرارات تعلن اليوم ويؤجل تنفيذها إلى أجل غير معلوم..
وهذا الارتباك الوزاري أشاع جوّا من عدم الثقة المتبادلة بين مختلف الأطراف السياسية وحتى مكونات المجتمع المدني والأخطر أنه شارف على «توليد» فجوة بين المواطن ومسؤول الدولة.
وبعد «الاجتياح» الاحتجاجي الذي تشهده البلاد -رغم طرح المرزوقي لفكرة هدنة اجتماعية منذ دخوله قصر قرطاج- بات لزاما على كل مكوّنات المجتمع المدني والسياسي التصدّي لهذه العاصفة التي قد تطيح بشرعية القرار السياسي الوطني وهو ما يجب أن لا نسمح به لأن المصلحة الوطنية فوق أيّ اعتبار حتى ولو كان «منطقيا»..
لذلك حاولنا من خلال هذا الملف تشريح الوضع الراهن والبحث عن سبل الخروج من أزمة باتت تلقي بظلالها اقتصاديا واجتماعيا و»نتمنى» أن لا تتجاوز مرحلة البداية..

هدنة المرزوقي «الفوقية» «تذهب» أدراج الرياح...
لم يكن للهدنة التي اقترحها المرزوقي في أوّل حوار تلفزي يدلي به بعد توليه منصب رئيس الجمهورية أيّ وقع في تقليص «حجم» الاحتجاجات الشعبية التي تتزايد يوما بعد يوم وتطرح معها جملة من التحديات والكثير من الإشكالات معمّقة بذلك، «الشرخ» في علاقة الحكومة ورئيس الجمهورية بالسواد الأعظم من المواطنين.
ولئن عبّر مقترح رئيس الجمهورية عن نوايا حسنة لتطويق وتيرة الاحتجاجات المتصاعدة يوميا والتي تمهّد لمنزلق اجتماعي واقتصادي خطير قد «يعسّر» مهام السلطة التنفيذية في معالجة الرهانات المطروحة بما يستجيب لتطلّعات الشعب وانتظاراته من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب وخاصة المدن الداخلية التي لحقها ضرر فادح نتيجة عقود التهميش والإقصاء الذي سلّط عليها وجعلها تثور ضدّ الجور والاستبداد.. إلاّ أن الحديث عن هدنة لا يمكن أن يكون في سياق معزول وبقرار فوقي حتى ولو كان هذا القرار رئاسيا فبعد الثورة باتت الجهات المحرومة تعوّل على الساسة الجدد لتفهّم احتياجاتها ووضع البرامج والتصوّرات وخطط التنمية التي تنصفها.
غير أن أتون الغضب الشعبي في الولايات الداخلية خاصّة اشتعل أكثر وبات على شفا الانفجار المدوي الذي سيطيح بكل شيء.
غياب التشريك
ويرى متتبعون للشأن العام أن مقترح المرزوقي ورغم إيجابيته لم يؤت أكله، لأسباب موضوعية متعلقة خاصّة بكون تقرير خارطة طريق استراتيجية للعمل السياسي بأريحية يستوجب تشريك كل الأطراف المتدخّلة في المشهد السياسي والاجتماعي فلا يمكن أن نحسم قرارا بحجم هدنة اجتماعية في خطاب رسمي.. بقدر ما هو قرار يستوجب وضع كل الأطراف الاجتماعية الفاعلة ولعلّ أهمها اتحاد الشغل إلى جانب الجمعيات والمنظمات وحتى الأحزاب السياسية من داخل المجلس التأسيسي ومن خارجه أمام مسؤولياتها التاريخية في الانتقال الديمقراطي السلس والسلمي دون «أعراض» جانبية خاصّة وأننا نجحنا في مرحلتها الصعبة ألا وهي العملية الانتخابية والتي أفضت بالبلاد الى الدخول في مرحلة الشرعية بعد انتخابات شهد لها العالم بالنزاهة والديمقراطية.
ويذكر أن إسبانيا التي عاشت بصفة مشابهة لما نعيشه أي مرحلة الانتقال الديمقراطي نجحت في «توليد» نظام ديمقراطي من رحم نظام مستبدّ بعد محاولات مضنية لوضع قطار الإصلاح على سكته وكانت أبرز آليات الإصلاح هي الهدنة الاجتماعية بحيث التقت كل الأطياف السياسية والاجتماعية حول مشروع مجتمعي يتلخّص في ضرورة إرساء هدنة اجتماعية تكون دافعا لإشاعة مناخ من الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي ييسّر مهمة الإصلاحات المزمع إجراؤها في كل الميادين وهو ما تسنّى القيام به بالنسبة للحكومة في الفترة الانتقالية.
وإذا كنّا نعتبر أن رئيس الجمهورية قد «فوّت» فرصة الهدنة الاجتماعية لأنه تغاضى ربما بدون نية مبيتة عن تشريك الأطراف الاجتماعية والسياسية في بحث سبل تنفيذ هذه الهدنة إلا أننا نعتقد أن الأوان لم يفت بعد لإرساء سلم اجتماعي يستجيب لانتظارات كل التونسيين ويؤسس لمرحلة من المناخ الديمقراطي الحقيقي والأمن الاجتماعي.

رضا بوزريبة
حوار وطني يقوده نشطاء المجتمع المدني..
يبقى العمل النقابي أحد أبرز أعمدة التوازن الاجتماعي والعصب الرئيسي في العملية الديمقراطية إلى جانب دوره الحيوي في تأطير الشارع وترشيد مطالبه..
يبقى للنقابات العمالية دور مفصلي في تهدئة الأوضاع وفي تأطير الشارع ومطالبه التي تكون أحيانا مجحفة..
«الأسبوعي» توجّهت بسؤال لرضا بوزريبة «يبقى للنقابات العمالية دور مفصلي في تهدئة الأوضاع وفي تأطير الشارع ومطالبه التي تكون أحيانا مجحفة.. واليوم بات للاتحاد العام التونسي للشغل -كحاضن للعمل النقابي في تونس- دوره الأصعب في تهدئة الأوضاع وامتصاص الاحتقان الشعبي..
لكن رغم ذلك أعتقد أنه ونتيجة لتردّي الوضع العام الذي نعيش تفاصيله يوميا بات لزاما على مكونات المجتمع المدني ذات العلاقة المباشرة بالوضع العام كوسائل الإعلام والنقابات العمالية ورابطة حقوق الانسان، التحرّك في اتجاه تهدئة الأوضاع وتفهّم المطالب وتهدئة الخواطر.. وأنا مع فتح حوار وطني بمشاركة مكونات المجتمع المدني والمنظمات والجمعيات الموثوق فيها مع المواطنين من كافة الجهات وخاصّة التي عانت التهميش والإقصاء طويلا في لقاء مطوّل تنقله وسائل الإعلام ونتيح الفرصة للمواطنين لتبليغ أصواتهم بكل حرية وبعيدا عن الساسة وكواليس السياسة فنحن إلى اليوم لم نصغ جيّدا إلى النبض الحقيقي للشارع.. للمواطنين العاديين الذين شجبوا تصرّفات الساسة لأنها تبدو بعيدة عن مطالبهم اليومية واحتياجاتهم الحقيقية..
بعيدا عن الوعود
ويضيف محدثنا:« هذا الحوار الوطني لا بدّ أن يكون في كنف الشفافية التامة وبعيدا على الوعود الانتخابية السياسوية، وهو كذلك يتطلّب جرأة وشجاعة سياسية للاعتراف بالأخطاء والنقائص وتناول مسألة الاعتصام بكل جدية ومسؤولية وتفهّمها لإعادة أواصر الثقة التي فقدت بين المسؤول السياسي والمواطن.. يجب أن نكثف من اتصالنا بالناس ونذهب إليهم ونحاول معا إيجاد الحلول الآجلة والعاجلة ولا نكتفي بمراوحة مكاننا لأن الوضع قابل للتأزّم أكثر..
كما يجب على الحكومة أن تحرص على التخلّص من مراهقتها السياسية في ما تقترحه وأن تراعي «النفسية» العامة للبلاد فما معنى أن تبرم 9 اتفاقيات شراكة مع قطر مركّزة في أغلبها على الشريط الساحلي؟
نحن لا نريد تعكير الأمور لكن نطلب -ومراعاة للمصلحة العليا للبلاد- أن تستقرئ الحكومة نتيجة أيّ قرار قبل الإقدام عليه.

وعادت الشعارات السياسية لترفع من جديد..
إبان الثورة وحين بلغ الحراك الشعبي أشدّه كانت الشعارات السياسية «تتويجا» لاحتجاجات شعبية بدأت بمطالب اجتماعية واقتصادية وانتهت إلى المطالبة بتغيير النظام السياسي القمعي والمستبدّ..
رغم تواصل الاحتجاجات الشعبية التي ترفع شعارات مطلبية فإن الشعارات السياسية المساندة أو المناوئة بدا بريقها في الخفوت، والبلاد تتجه نحو الاستقرار السياسي الذي اكتمل بإجراء انتخابات المجلس التأسيسي..
ورغم أن الوقفات الاحتجاجية لم «تسيّس» وحافظت على طابعها الاجتماعي والاقتصادي غير أن الشعارات السياسية عادت بقوّة منذ حوالي أسبوعين وتحديدا منذ الوقفة التي قام بها الصحفيون في القصبة احتجاجا على التعيينات الحاصلة في قطاع الإعلام.. حيث اعتبر مؤيدو النهضة أن وقفة الصحفيين هي ضدّ النهضة أساسا لذلك رفعت شعاراتهم «المندّدة بالإعلام البنفسجي».. وتتطوّرت المسألة أكثر بعد قرار وزير الداخلية علي العريض حيث توجه جمع كبير من أنصار النهضة في حركة مساندة لقرارات الوزير القاضية بالتطهير وقطع دابر الفساد من وزارة طالما أثارت رعب التونسيين.
وقد قوبلت شعارات المساندة تلك بشعارات سياسية مناوئة حاملة لنفس يساري.. وقد كان شارع الحبيب بورقيبة يوم إحياء الذكرى الأولى للثورة التونسية مسرحا لشعارات سياسية يومها بامتياز بحيث وصلت ذروة هذه الشعارات إلى المطالبة بإسقاط الحكومة وهو شعار نعتبره لا ينمّ عن مسؤولية ووقع تبنيه عن جهل أو نكاية في طرف سياسي معيّن لأنّنا مهما كان عمق اختلافاتنا وتباعد وجهات نظرنا فإن الهدف الذي يجب أن يجمعنا دائما هو المصلحة العليا التي لا تؤمّن خارج إطار الشرعية التي نعيشها اليوم.. فمن يؤثث المشهد السياسي الحالي هي أطراف سياسية حظيت بثقة الشعب ولها وحدها شرعية العمل في كل المجالات الحيوية.. لذلك حذار من فقدان الشرعية ومن الفوضى فالعواقب قد تكون أسوأ مما نتصوّر.

د. سالم لبيض :«حكومة استجابت للغرور السياسي لأحزابها..»
الحفاظ على الشرعية مسؤولية الجميع..
تختلف قراءات المشهد السياسي الحالي حسب وجهات النظر المتباينة.. وحسب زاوية النظر لكل طرف.. من جهتنا حاولنا الاستئناس في قراءة المشهد الحالي برأي الدكتور سالم لبيض المختص في علم الاجتماع السياسي والذي أكد أنه رغم شبه «الاخفاق الحكومي» الذي نعيشه فلا بد أن نتمسك بالشرعية.
وحول اشكالات الراهن يقول الدكتور سالم بيض: «يبدو أن مرحلة الانتقال أبت إلا أن تفرض نفسها في وعي بعض النخب السياسية والإعلامية رغم ما وفّره الصندوق من شرعية!.. والانتقال دائما ما كان موسوما بسمة الوقتية وهذا في حد ذاته نوع من الاستنقاص من الشرعية والأرضية الخصبة للاضطراب وعدم الاستقرار..
مما جعل الكثير من التنظيمات السياسية والاجتماعية تؤجّج من حيث هي تدري أو لا تدري حركة احتجاجية في بعض الجهات يمكن أن تشكل ارتدادات طبيعية للثورة طالما هي مقتصرة على الفعل الاحتجاجي دون سواه ولكنها عندما تتحوّل إلى تعطيل منظم للنشاط الاقتصادي وللحياة العامة يمكن أن تؤسس إلى عجز لمؤسسات الدولة ولوظيفتها السيادية ودورها في حماية الوحدة والسلم الاجتماعي.. إذ أن خروج مثل تلك الأفعال الاحتجاجية عن السيطرة الحكومية والأمنية والدور المواجهي لحكماء المناطق سيؤدي إلى بروز تشكيلات ما تحت الدولة مثل سلطة الجهة والقبيلة والعشيرة».
حزبان مستفيدان.. ونهضة تتحمّل وزر الأخطاء
ويضيف الدكتور سالم لبيض: «انطلاقا مما تم ذكره سيصبح المواطن بعدها يبحث عن ملاذات أمنية غير ملاذ الدولة وهذا كله نوع من الارتداد إلى ماض يتسم بعدم وجود المواطنة التي كان القطيع والرعية بديلا لها.
ولكن هذا لا يعفي الحكومة الحالية من مسؤولياتها التاريخية باعتبار أنها جاءت بديلا للنظام الذي أسّس لعدم التوازن الجهوي وللفساد بأنواعه، وعلى هذه القاعدة فإن الحكومة المنتخبة والمتحالفة قد ارتكبت خطأ جسيما عندما استجابت للغرور السياسي لأحزابها واستعاضت بذلك عن حكومة «الرأي العام» المشكّلة من أكبر قدر ممكن من الفسيفساء السياسية والشخصيات الوطنية.
وحينها كان بإمكانها أن تقتطع الطريق عن كل قوى التحريض التي لا نلمسها ولكننا نقتسمها، وحتى بالنسبة إلى الحزبين اللذين شاركا في الحكومة مع النهضة يبدو أنهما يستفيدان من مشاركتهما السياسية في السلطة التنفيذية ولكن وزر الأخطاء يعود على النهضة وحدها..».
بديل الإخفاق الحكومي.. الدكتاتورية
وفيما يتعلق بالأداء الحكومي يقول د.سالم لبيض: «لولا الأخطاء التي ترتكبها المعارضة التقليدية لا سيما المعارضة اليسارية الليبرالية منها في المواجهة الإعلامية مع النهضة والتي تبقى على شعبيتها مرتفعة لكانت الآن أسبار الآراء تعطي نتائج عكسية لرؤية الناس لهذا الحزب.. ولكن مع ذلك يجب الاعتراف أن الإخفاق الحكومي وكل الهزات الاحتجاجية المصاحبة له إن أدّت إلى سقوط الحكومة فإن البديل هو دكتاتورية جديدة لا نعلم قوتها المحرّكة لكن مؤشراتها بدأت تتصاعد إذ لا يمكن للقوى المتنفذة تاريخيا في تونس والمتربصة دوليا أن تسمح بأن ينتهي الوضع إلى سقوط دراماتيكي بالنسبة للدولة ولا بالنسبة للسلطة.
وهذا الوضع يضع الجميع أمام مسؤولية الحفاظ على الشرعية التي أفرزها الصندوق وبدل تهرئة الدولة التي تتم الآن تنتهج المعارضات أسلوبا ينتقد السياسات بالأساليب المدنية والحضارية ويكون ذلك إثراء للمسار الديمقراطي الجنيني وليس إجهاضا له».

على خلفية «الانفلات الاحتجاجي»
تفهم.. وتحذير من المزايدات
تتكرّر الدعوات من أعضاء الحكومة ومن الأحزاب الى الكف عن الاعتصامات التي باتت تهدّد استقرار البلاد خاصّة مع تزايد معدلات العجز في الموازنة العامة وتعطيل العجلة الاقتصادية..
وتتجنّب الحكومة استعمال القوة لفضّ الاعتصامات التي وصلت حدّ قطع الطرقات لكن ذلك لا ينفي أن الكثير من التصرّفات المعزولة لبعض المحتجين تمثل خرقا واضحا للقانون وتعديا على حق الأخيرة..
ورغم اتصالاتنا المتكرّرة بالناطق الرسمي للحكومة «عجزنا»
عن معرفة رأيه ورأي الحكومة على ضوء التطوّرات الميدانية الحاصلة..
وهو ما دعانا لتوجيه السؤال حول موقف الحكومة الى وزيرة شؤون المرأة التي جمعنا بها حوار حول الموقف الرسمي للحكومة على خلفية «الانفلات الاحتجاجي» الذي تعيشه البلاد في الآونة الأخيرة..
وقد أكدت وزيرة شؤون المرأة «نحن كفريق حكومي نعتقد أن المطلبية تبقى مشروعة.. فالاحتجاج شرعي والمطلبية يمكن أن تنهض وتتقدّم بالبلاد..
لكن ما هو سلبي هو شلّ الحركة الاقتصادية وتنفير المستثمرين ونحن رغم الأخطاء نتجنّب الالتجاء للعنف لأن العنف لا يولّد الاّ العنف ويؤدي الى التنافر بيننا وبين الشعب
نحن دعاة حوار وتوافق رغم أنّنا نشك في كون هناك أيادي خفية تعمل على عرقلة المسار الانتقالي والعبث بمكتسبات الثورة من خلال عملية الركوب على الاحتجاجات واستغلال المطلبية في مناورات سياسية ومزايدات سيكون ضحيتها في الأخير المواطن».

الأستاذ إسكندر الفقي
للحق الاحتجاجي «ضوابطه».. وللتعسف في استعماله «عقوبته»
تصاعدت وتيرة الاحتجاجات ووصلت في بعض المناطق لتصل حدّ التلويح بالعصيان المدني الذي قد تكون له انعكاسات «تعمّق» الأزمة الحالية أكثر من حلّها.. «الأسبوعي» التقت بالأستاذ اسكندر الفقي لتسليط الضوء على موجة الاحتجاجات الحالية التي تجتاح البلاد ومدى مشروعيتها القانونية وتداعياتها على المجتمع وعلى الأفراد..
يقول الأستاذ الفقي «الاعتصام يبقى حقّا مشروع مادام يمارس في نطاق القانون ودون التعسّف في استعمال هذا الحق..
وللاحتجاج أشكال متعدّدة فمنها التعبير عن الرأي بالمجاهرة بمواقف وآراء معينة ورغم أنها قد تخالف سياسة الحكومة أو المواقف الرسمية للقائمين على الدولة غير أنها يجب أن تحترم ويسمح بالتعبير عنها مع مراعاتها للذوق العام دون هتك للأعراض أو ثلب لشخصيات رسمية وهو ما يمثّل جريمة يعاقب عليها القانون..
ويبقى كذلك الإضراب -بنوعيه العادي والعام وبما فيه من اعتصامات- قانونيا اذا كان وفق ضوابط شكلية وموضوعية طبق ما نصّت عليه مجلة الشغل..
أما باقي التصرّفات التي تكون من قبيل قطع الطرقات وتعطيل المصالح الخاصّة للمواطنين أو المصالح العامة للدولة فان عدم السماح به لا يعدّ خرقا لحرية التعبير فحسب بل هو «جريمة» يعاقب عليها القانون حتى لا تنفلت الأمور أكثر وتصبح من قبيل العصيان المدني..
وهو أن يمنع موظّف عمومي أو شبه عمومي من أداء واجبه باستعمال العنف أو بدونه.. وأعتقد أن هناك خلطا كبيرا في ذهن المواطنين بين حرية التعبير وإثارة الفوضى بحيث تتعارض مع هذه الحرية وتتعارض مع حرية الغير وتعطّل مرافق الدولة على إسداء الخدمات المعتادة..
وبالنسبة للعصيان المدني اذا استعمل في صيغته السياسية وفي ظرف معيّن يكون الهدف منه مقاومة الاستبداد ومقاومة جور الحكّام فانه يمكن تفهّمه أمّا العصيان في معناه القانوني وفي وضع البلاد الراهن يصبح تحدّيا للشرعية مع أنّ مساندة الحركات الاحتجاجية هو مبدأ حقوقي لا محيد عنه اذا كان الهدف منه لفت الانتباه الى مطالب اجتماعية واقتصادية بعينها و في اطار قانوني يضمن حق الغير في ممارسة حياته الطبيعية».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.