إن ظهور التعددية النقابية في تونس يبدو انه لم يكن عنصر إثراء بل حولت الساحة النقابية في كثير من الاحيان إلى سوق للمضاربة السياسية والنزاعات الحزبية حتى في القطاع الواحد. فمن الواضح أن النقابات لم تعمل على التثقيف العمالي والتكوين النقابي رغم وجود برامج ومختصين في ذلك حتى يصبح العامل قادرا على الفصل بين ماهو نقابي وسياسي. وبالعودة إلى مجريات الأحداث التي عاشتها الساحة الوطنية نهاية الأسبوع المنقضي من خلال إغلاق أحد أكبر المصانع الأجنبية المنتصبة في تونس "مؤسسة ليوني" وما أثاره من تخوفات باحالة حوالي 3 آلاف عامل على البطالة وبالتالي فإن هذا الملف يجب أن يدعو النقابيين إلى ضرورة مراجعة توقيت اضراباتهم وآليات تطبيقها لا سيما بعد دفع اطراف نقابية باتجاه تضخيم كرة الاعتصامات والاضرابات في هذا المجمع طيلة أسابيع. ولعل أكثر الأسئلة إلحاحا في هذا التوقيت بالذات هو هل تحول العمل النقابي إلى معيق للتنمية وموتّر للمناخ الاجتماعي داخل المؤسسات بدعواته المتكررة للاضرابات والاعتصامات؟ واذا ما افترضنا حسن النية وان النقابات لا تقف وراء التصعيد فما هو دور النقابات في المحافظة على مواطن الشغل وتنميتها وتأطير العمال لمنع الإنفلاتات التي تضر بمصالحهم ومصالح الإقنصاد الوطني. إتحاد عمال تونس: لم ندع إلى تنظيم إعتصامات وفي رده على ماتقدم قال الأمين العام لاتحاد عمال تونس إسماعيل السحباني أن العمل النقابي يدعو إلى الدفاع عن المصالح المادية والمعنوية للعمال من خلال اتباع آليات أكدت في كثير من المرات جدواها في التعاطي مع الملفات المطروحة, فلغة الحوار والتفاوض بين المؤسسة والهيكل النقابي دعامة أساسية لضمان إستمرارية العلاقة الشغلية مع مرعاة مصالح الطرفين من جهة ودون التنازل عن الحد الادنى المطلوب. وأضاف السحباني أن الهيكل النقابي يدعم حقوق منظوريه بكل السبل القانونية المتعارف عليها مراعيا ألايتسبب ذلك في إحداث ضرر بالمؤسسة التي يرى فيها العمال والنقابيون مركزا لحياتهم الاجتماعية وان أي إضرار بها من شأنه أن يشكل ضررا حتى لحياتهم الاجتماعية خارج المؤسسة وتهديدا مباشرا لاستقرارهم المادي والمعنوي وهو ما يؤكد وعي العمال بضرورة استمرار مؤسسات الانتاج التي تبقى الضمانة الوحيدة لاستمرار وضعهم المادي والإجتماعي. ونفى السحباني كل التهم التي وجهت لاتحاد عمال تونس ومفادها أن المنظمة الشغيلة كانت وراء الاضرابات والاعتصامات التي شهدتها ليوني ماطر خلال الفترة الاخيرة ودعت بالمستثمر الالماني إلى إغلاق المؤسسة وإحالة 3500 عامل على البطالة.
محاولة تشويه
ورد السحباني " ان هذه التصريحات لا تمت للواقع بصلة خاصة وأن مؤسسة ليوني بمدينة ماطر تعمل بشكل عادي ولم يتوقف سير الانتاج فيها، وان اتحاد عمال تونس لم يدع الى تنظيم اعتصامات في هذه المؤسسة كما تم التروّيج لذلك" متهما اطرافا لم يسمها بمحاولة تشويه سمعة الاتحاد لدى الرأي العام." وذكر المتحدث بما قاله في اخر ندوة صحفية له حول نفس الموضوع بانه " لا يمكن ان يزايد عليه احد خاصة وانه قادر على الدفاع عن مصالح منظوريه ولا يسمح لاحد ان يقيم اعماله باستثناء قواعده" مؤكدا في الاطار نفسه على ضرورة الحوار بين مختلف الشركاء بعيدا عن الاقصاء أو التهميش." ونبه السحباني الى ان اتحاد عمال تونس منظمة نقابية مستقلة عن كل الاحزاب والحكومات وانها لا تتلقى الدروس من اى كان وهي قادرة على الدفاع عن نفسها بكل الأشكال والطرق المتاحة في حال تعطل لغة الحوار والتفاوض.
إتحاد الشغل: لا للمغامرات
ومن جانبه دعا الامين العام المساعد المكلف بالتشريعات بالاتحاد العام التونسي للشغل المولدي الجندوبي إلى ضرورة الوعي بالمرحلة والتفكير بعمق حول المسائل الضرورية للعمال التي يبقى أهمها المحافظة على مراكز الشغل أولا وعدم الدخول في مغامرات من شأنها أن تؤثر على السير العادي للمؤسسات مع مراعاة حقوق العامل. وأكد الجندوبي أن الاضرابات والدعوة إلى الاعتصامات وجب أن تكون من أجل ما ينفع العمال ومؤسساتهم في المقام الاول معتبرا أن هناك من يحرك الاضرابات من باب المزايدة ولتأمين الاعتراف به غير أن هذا الاعتراف لا يكون إلا بالنضال الحقيقي الضامن لحقوق العامل والمؤسسة في آن واحد." وفي الختام فان السؤال المشروع هو التالي: فاذا كان إتحاد الشغل يرى ان ما يحدث هو مغامرة غير محسوبة ولذلك فهو يدعو العمال إلى المحافظة على موارد رزقهم وإذا كان إتحاد عمال تونس يتبرء من الإعتصامات في ليوني، فمن المسؤول إذن ؟؟