بقلم: الطاهر اليفرني الزواج في القرآن واجب اجتماعي للمحافظة على النوع الإنساني و سكن نفساني للفرد، و سبيل مودة ورحمة بين الرجال و النساء. قال تعالى: «و من آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها و جعل بينكم مودة و رحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون» -سورة الروم- فهذه الآية تشير إلى انه من دلائل قدرة الله وكرمه انه خلق للرجل زوجة من جنسه ليسكن إليها وهو سكون نفسي ، تعبير عن الاطمئنان و الألفة و الشوق يشعر به كل منهما نحو الآخر، فالزواج وصفه القرآن الكريم بأنه عهد مؤكد وجب الوفاء به إذ قال الله تعالى «و أخذنا منكم ميثاقا غليظا» سورة النساء. فالمقصود بالميثاق الغليظ هو ميثاق الزواج فهو عهد بين الرجل و المرأة يلتزم كل منهما بموجبه بواجبات نحو الآخر بما يحتويه من معاني الحفظ و المودة و الرحمة. ووصف القرآن العلاقة الزوجية بقوله: «هن لباس لكم وانتم لباس لهن» سورة النساء- فهذا التعبير البديع يبين أن المرأة للرجل كاللباس زينة و كمالا و الرجل للمرأة كاللباس يسترها و يجملها، فحاجة كل منهما إلى صاحبه كحاجته إلى الملبس فكل من الزوجين لصاحبه كذلك يصون عرضه و يوفر له راحته و اطمئنانه. و القرآن دعا إلى الزواج في قوله تعالى:»وانكحوا الايامى منكم و الصالحين من عبادكم و إمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله» سورة النور- ولقد أبان النبي صلى الله عليه وسلّم للشباب طريقة تعصمهم من الفواحش متى لم تتوفر لهم القدرة على الزواج فقال يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فانه أغض للبصر و أحصن للفرج و من لم يستطع فعليه بالصوم فانه له وجاء -أي الصوم- وهو قاطع للشهوة الجنسية. فالزواج في الإسلام عقد كغيره من العقود يبرم على أساس التفاهم المتبادل بين الطرفين: الرجل و المرأة شرطه الإيجاب و القبول و حضور شاهدين تسبقه الخطبة، وهي طلب الرجل امرأة معينة للتزوج بها والتقدم إليها و إلى ذويها ببيان حاله و مفاوضتهم في أمر العقد. و يشترط في الرجل الكفاءة في النسب و المال، قادر على المهر و النفقة إذ أوجب الإسلام على الرجل عند الزواج أن يدفع للزوجة مهرا. سماه الله صدقة، قال الله تعالى:»و آتوا النساء صدقاتهن نحلة فان طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا»-سورة النساء- ومعنى ذلك إعطاء النساء مهورهن فان طابت نفوسهن بأن يهبن لكم بعض المهر من غير إكراه لهن أو ضغط عليهن فخذوا ذلك الشيء من المهر حلالا طيبا. ومن الأركان الأساسية لإتمام عقد الزواج الإشهار وهو ما أكد عليه المذهب المالكي باعتباره من شروط صحة الزواج و ثبوت العقد فالإشهار يتحقق مثلما جرت العادة في إبرام عقود الزواج في حفل علني ولو كان متواضعا يستدعى فيه أقارب الزوجين و معارفهما بما يبعد كل شبهة على حقيقته. فالزواج في الفقه الإسلامي و في عديد القوانين العربية المقارنة يصنف ضمن العقود الرضائية فلا توجب توثيقه و لا تخضعه لشكليات معينة إذ تكتفي لاعتباره منعقدا انعقاد صحيحا أن يلتقي الإيجاب والقبول بمجلس العقد بمحضر شاهدين دون إجراء آخر خلافا لما هو عليه حال الزواج في التشريع الوطني الذي يصنفه ضمن العقود الشكلية الرسمية. نص الفصل الثالث من مجلة الأحوال الشخصية أن الزواج لا يثبت إلا بحجة رسمية. و اقتضى الفصل 31 من القانون عدد 3 لسنة 1957 المؤرخ في 1 أوت 1957 المتعلق بتنظيم الحالة المدنية أن عقد الزواج يبرم بالبلاد التونسية لدى عدلين أو إمام ضابط الحالة المدنية بحضور شاهدين من أهل الثقة. والحجة الرسمية ليست وسيلة إثبات للزواج فقط بل هي كذلك شرط ضروري لصحته. و الشاهدان يجب إن يكونا من أهل الثقة على آن يشهدا أن الزوجين في حل من كل رابطة زوجية تحول دون إبرام زواجهما و لا شيء يمنع أن يكونا من أقرباء الزوجين باعتبارهما الأكثر إلماما و معرفة بالزوجين و بحالتهما الشخصية و بمدى توفر الشروط التي يقتضيها الزواج و من احتمال وجود مانع من الموانع كالرضاعة و النسب و المصاهرة و ارتباط المترشحين أو احدهما بزواج سابق. و سواء أبرم الزواج لدى ضابط الحالة المدنية أو لدى عدلي إشهاد يحرص الزوجان على إشهار زواجهما علنا في حفل تقام له المراسم ليتحقق به الإشهار وليكتمل العقد أركانه يتوجب على الزوج بذل مهر لزوجته وهو كل ما كان مباحا ومقوما بمال يتم دفعه عادة قبل الدخول بها و إذا ما اجل الزوج دفع المهر ورفضت الزوجة إتمام الدخول فان ذلك لا يعد خطا في جانبها موجب للتعويض أو ضررا مؤسسا لطلب الطلاق من الزوج على معنى الفقرة الثانية من الفصل 31 من مجلة الأحوال الشخصية. و تظل الزوجة على حقها في المطالبة بمهرها بعد الدخول بها بموافقتها باعتباره دينا تعمر به ذمة الزوج و لكنه لا يترتب عنه بطلان الزواج و لا يكون سببا موجبا للطلاق بصريح أحكام الفصل 13 من مجلة الأحوال الشخصية. فالزواج متى استوفى أركانه يظل صحيحا غير انه في غياب إحدى أركانه يعرضه للبطلان كما في صورة عدم وجود عقد على غرار الزواج العرفي الذي هو في نظر القانون الوضعي باطل لعدم إبرام الزواج بصورة رسمية ولمخالفته الصيغة القانونية التي أوجبها المشرع صلب الفصل 31 من القانون عدد 3 لسنة 1957 المؤرخ في 1 أوت 1957. يتبع ٪ رئيس دائرة جنائية سابقا بمحكمة الاستئناف بتونس