خصص صالون ناس الديكامرون الذي يديره أسبوعيا بدار الثقافة المغاربية ابن خلدون الكاتب والروائي كمال الرياحي حلقته ليوم الجمعة الماضي للمترجم والأديب التونسي وليد سليمان الذي قام بالترجمة الأولى الى اللغة العربية لرواية "عزيزي صديق المرحوم" للروائي الأكراني الأبرز والعالمي اندريه كوركوف والذي ترجمت أعماله الى 35 لغة. واندريه كوركوف ولد في سان بطرسبورغ بروسيا سنة 1961 وانتقلت عائلته للعيش في عاصمة أكرانيا كييف لينشأ ويترعرع هناك ويتابع دراسته ويتخرج من كلية اللغات بكييف والطريف في حياة هذا الروائي الكبير أنه بدأ الكتابة عندما كان حارسا لسجن في أوديسا أثناء خدمته العسكرية واستهل مسيرته الأدبية بتأليف قصص الأطفال وقد ظهرت أولى انتاجاته الروائية سنة 1991 على نفقته الخاصة قبيل سقوط الاتحاد السوفياتي بأسبوعين. ومن بين أهم رواياته التي عرفت انتشارا عالميا وترجمت الى عديد اللغات نذكر الحرباء أو ملاك الموت الطيب سنة 2000 وقانون الحلزون سنة 2003 وآخر حب للرئيس سنة 2005 ولبان الليل سنة 2009 وهو من أشهر كتاب الرواية في أكرانيا حاليا ويعتبره النقاد صوت البلد الذي خرج من تحت أنقاض الاتحاد السوفياتي السابق وهو الذي ولد وترعرع في كنفه، وكان من الطبيعي والصورة تلك أن يعكس كروكوف هذا الانتقال الدراماتيكي من ماض شيوعي ديكتاتوري خانق الى حاضر انفتح لتوه على الحرية فاضطرب وانفتح بالتالي على الفوضى.. عندما تحررت أكرانيا من القبضة الستالينية تاهت وظلت الطريق في مكان وطريق الحرية، هنا نهض انفلات غريزي تهيمن فيه الشهوة الى كل شيء وبأسرع ما يمكن: المال والثراء والمتعة والانفلات من كل قيد... في تربة كهذه تتفسخ القيم وتنقطع الأواصر وتتعفن الأجواء فتسود الجريمة وتنتشر "المافيات" ويهيمن تجار القتل والسلب والنهب،، ويصبح الانسان لقمة سهلة يمكن مضغها وبالتالي لفظها ببساطة متناهية وهنا يكون القتل المجاني ممارسة عادية لا تلفت البال. و"قضية حياة أو موت" هي الرواية الجديدة لكوركوف وصدرت ترجمتها الانقليزية حال رواياته الأخرى عن دار فينتاج بلندن. بطل هذه الرواية يدعى"توليا" شاب في العقد الثالث من عمره، عاطل عن العمل يسعى لتدبر معيشته بطرق شتى وبأساليب متنوعة وهامشية.. أزمته المالية الخانقة تدفع بزوجته للبحث عن رجل اخر للعيش معه بدلا عنه لتتركه وحيدا في شقته المتكونة من غرفة واحدة، يدب اليأس والاحباط في نفسه فيقرر الموت انتحارا؟ لكنه يعجز ويكتشف أنه أجبن من أن يقوم بالانتحار فيستعين بصديقه لايجاد قاتل يؤدي المهمة بدلا عنه ويمده بصورة شخصية له على أنها صورة الرجل صديق زوجته ويدله الى المكان الذي سيكون فيه لحظة القتل.. لم يبق على موعد القتل سوى يومين ولا بد أن يستمتع بهما. يخوض نص الرواية في محيط سريالي تنتصر فيه العبثية المطلقة واليأس الثقيل في سرد بارد أقرب الى التقارير الصحفية الخاطفة بجمل حيادية قصيرة ومقتضبة تنهض دراما فردية كثيفة لشخص فقد الرغبة في العيش... يتعرف على فتاة ليل في شارع مقفر ويقضي معها ليلة يفترض أن تكون الأخيرة له في هذه الحياة ولكن هذه الفتاة تمنحه حنانا طالما افتقده ودفءا طالما حلم به وتوقظ في نفسه ووجدانه توقا الى العيش والى التشبث بالحياة رغم مرارتها فكيف يمكنه التخلص من الورطة التي أوقع نفسه فيها حيث القاتل في انتظاره؟؟ فيسعى لاستئجار قاتل اخر ليخلصه بالتالي من القاتل الأول وعندما تتم العملية يتعرف بدوره على زوجة القاتل الأول ويسلمها المال الذي كان لزوجها في ذمته... الزوجة لا علم لها بمهنة زوجها لذلك سرعان ما تتوطد العلاقة بينها وبين "توليا" وتتوج بالحب... لتنتصر في النهاية الحياة رغم قساوتها ومرارتها وعنفها على اليأس والاحباط والموت. وتكمن أهمية هذا العمل الروائي في أنه يقدم فكرة عن عوالم اندريه كوركوف المدهشة وأسلوبه المتميز في السرد، وتتميز هذه الطبعة العربية بالمقدمة التي خص بها الكاتب قراءه التونسيين والعرب. وجدير بالذكر أن هذه الرواية قد تم تحويلها الى السينما وقام اندريه كوركوف نفسه بكتابة السيناريو له واخرجه فياتشيسلاف كريشتوفوفيتش وجسد أدوار البطولة ألكسندرا لازارف و تاتنيانا كريفيتسكايا ويفغيني باشين..