قدم الملتقى السنوي الأول للمخرجين السينمائيين التونسيين ضمن عروضه الشريط الوثائقي"برفقة أندريه ميكيل" للناصر خمير الذي لم يتخلّ في هذا العمل التسجيلي عن خياراته الأساسية من احتفاء بالتراث العربي الاسلامي فعكس عشقه هذا من خلال شخصية المستشرق الفرنسي اندريه ميكيل. تجولت كاميرا المخرج التونسي في عوالم الترجمة وعلاقتها بتقارب الحضارات من خلال تجربة أندريه ميكيل الذي أقرّ في شهادته بإيمانه باختلاف المعنى الدّقيق في نقل معلومات من ثقافة إلى أخرى لكنه شدد في الآن ذاته على استمتاعه بهذه الوظيفة التي أخذته بعيدا في حضارة العرب وتاريخهم. أندريه ميكيل عشق العربية ومشتقاتها الغنية والثرية من حيث الدّلالات.. شعور أتقن الناصر خمير ايصاله من خلال الصورة السينمائية حيث ركز عدسته على ملامح محدثه في كل سكناته وحركاته فكان أندريه ميكيل متحدثا بارعا وشد انتباه مشاهدي العمل حين غاص في لغتنا وكيفية تأثيرها فيه هو المثقف الغربي الانتماء والحضارة فتساءل بطل وثائقي الناصر خمير عن الترجمة الصحيحة لكلمة الحنين أو لفظ الحلم وكيف أن معانيها العميقة لا تنصفها الترجمة فيما أقر بالحيرة التي تصيبه من بعض التراكيب العربية على غرار عبارة "دخلت الملوك" التي يسبق فيها كلمة جمع مذكر عاقل فعل مفرد مؤنث. أندريه ميكيل لم يكن يتعامل مع اللغة العربية بصفته مترجما فحسب وإنمّا ارتبط معها بعلاقة حب ترجمتها أعماله العديدة المقتبسة عن روائع التراث العربي الاسلامي على غرار كتاب الاعتبار لأسامة بن منقذ - محارب الصليبيين في فلسطين- الذي تحدث عنه المستشرق الفرنسي باحترام عميق وألف ليلة وليلة مع زميله الباحث جمال الدين بن الشيخ وأولى ترجماته"كليلة ودمنة" إلى جانب أشعار العرب حيث عبّر ميكيل عن إعجابه بأشعار الاندلس مبرّرا ذلك لقربها الجغرافي والحضاري من بلاده. فيلم الناصر خمير"برفقة أندريه ميكيل" أضفى على المستشرق الفرنسي بعض الذاتية فأبرز تعامله اليومي مع حفيداته وجولته في صباح باريسي مع أفراد من عائلته... مشاهد عبّرت عن تصالح هذا المثقف مع عالمه وانفتاحه على الاخر العربي والمسلم كما عمد الشريط التسجيلي للسينمائي التونسي إلى اقحام بعض المقاطع الغنائية لعازفة بيانو تعود من خلال صوتها إلى ذكريات وشباب أندريه ميكيل في جامعة دمشق أين تعلم أبجديات العربية وأتقنها فتردد المغنية على إيقاع البيانو أشعار مجنون ليلى وابن زيدون والحمداني وأبو العتاهية ومنها مقطع من قصيده "الموت لا يلعب"... "برفقة أندريه ميكيل" لم يكن مجرد فيلم وثائقي عن سيرة مستشرق أنصف تراثنا بل أزال الغبار عن فترة تاريخية هامة من تاريخنا وعكسه بانجازاته وصراعاته على واقعنا اليوم في علاقته مع الاخر. وتجدر الاشارة إلى أن بعض الجماهير الحاضرة ليلة السبت بقاعة المونديال بالعاصمة خلال عرض"برفقة أندريه ميكيل" كانت تتوقع مشاهدة أحدث أعمال الناصر خمير"شهرزاد" غير أن صاحب "بابا عزيز" راوغ روّاد السينما وقدم فيلمه التسجيلي عن الباحث والمترجم الفرنسي. وفي اتّصال مع كاتب عام جمعية المخرجين التونسيين خالد البرصاوي لمعرفة أسباب هذا التغيير في البرمجة كشف لنا أن الناصر خمير قام بردّة فعل على طريقته إزاء الهيئة لسهوها عن ذكر فيلمه في برنامج الملتقى السنوي الأوّل للمخرجين السينمائيين التونسيين مضيفا أن الهيئة المنظمة رفضت تطوير الخلاف لأن الهدف الاساسي للقاء هو ربط الصلة بين مختلف الأجيال الفاعلة في مجال الفن السابع وأشار خالد البرصاوي في ختام تصريحه إلى أن توزيع جوائز الملتقى ستكون في سهرة السبت القادم بقاعة المونديال في حدود السادسة مساء.