عاشت ماطر والمناطق المجاورة أسوأ ثمان وأربعين ساعة في تاريخها الطويل إذ أصبحت شبه جزيرة يحدها وادي جومين الغاضب شمالا ووادي الخليج جنوبا وشرقا الذي تكفلت المياه القادمة من السد الهائج -بعد وصول منسوبه إلى مستويات غير مسبوقة - بجعله قاتلا وقد قامت السيول بتحطيم كل ما اعترضها من أشجار ومباني هشة... ثم دخلت إلى حي الرجاء الذي أصبح نهرا كبيرا ومنع سكانه من الدخول والخروج ثم انتقل السيل إلى منطقة حي الصداقة التي تفادى أبناؤها الأسوأ بإخلاء المساكن المعرضة للطوفان وانتقل بعضهم منذ ظهيرة يوم الخميس إلى منازل الأصدقاء والأقارب لكن من وقع في فخ المياه دفع تجهيزاته المنزلية ثمنا أما متساكنو حي المنتزه الذي واكبنا عملية إجلاء عائلة منه من طرف متطوعين في غياب السلط المختصة بعد أن حاصرهم احد روافد وادي جومين فلم يتمكن اغلبهم من الفرار وبقوا إلى الثامنة مساء أين ظهرت أول شاحنة عسكرية قامت بنقل بعض الحالات الاستعجالية إلى مناطق آمنة. التنقل من منطقة إلى أخرى لم يكن ممكنا إلا بتدخل الجيش الوطني الذي واكبت «الصباح» قيامه بعملية إجلاء للطلبة العالقين في المعهد الأعلى للدراسات التكنولوجية بالجهة.. الطلبة كانوا فوق أسطح البنايات المكونة للمركب الجامعي وبعضهم علق في غرفته فلم يستطع الخروج إلا بمساعدة العاملين في جيش البحر الذين استعملوا زوارق مطاطية وتجشموا صعوبات عديدة لإنقاذ مجموعة هامة من الطلبة والطالبات ثم نقلوهم إلى ما أعلن عنه انه مركز إيواء بالمدرسة التطبيقية «المبيت» في حين انه لم يكن سوى مركز انتظار للحافلات التي وفرتها الشركة الجهوية للنقل ببنزرت وقد سادت عملية إجلائهم إلى مدن تونس ومنزل بورقيبة وبنزرت الفوضى في غياب منظمين خبروا كيفية التعامل مع مثل هذه الحوادث ونسوا أن يقدموا غذاء وحشايا وأغطية لطلبة عاشوا يوما كاملا من الجوع والبرد. وقد خلف غرق الأحياء بمدينة ماطر موجة من الاستياء الشديد من تعامل السلطات السلبي مع استغاثات المواطنين حيث لم يتمكن البعض من الخروج من منزله وزاد الاحتقان بعد وفاة طالب إذ لولا تدخل الجيش الوطني لحدثت احتكاكات بين شبان غاضبين وأعوان الحماية المدنية الذين قدموا متأخرين جدا على متن جرار دون أي معدات طبية.