مائة مليون شخص في العالم العربي يعانون من الامية ونصف هؤلاء من النساء ليس في الامر ادنى مبالغة ولا تزييف ولا قفز على الحقائق والنسبة الاعلى سجلت بين الفئة العمرية من الخامسة عشرة الى الخامسة والاربعين وهي بذلك الاعلى في العالم. رقم كارثي ما في ذلك شك لا مجال لتجاهله او التقليل من شانه وكما ان الامراض والاوبئة المستعصية والفساد والارهاب والجريمة المنظمة تستنزف الشعوب وتهدد امنها واستقرارها فان للامية ايضا انعكاساتها واثارها في تعميق الفجوات بين طبقات المجتمع وتهميشها بل وفي دفعها الى توخي الخيارات الاسوا في معالجة قضاياها الاجتماعية اليومية والبحث عن الحلول لمواجهة البطالة والتطرف والقضاء على الفقر واقتناص فرص الهجرة غير المشروعة.فالامية تبقى عدوا للانسان حيثما كان وهذا ما ادركته وكافحته اغلب الشعوب المتقدمة... ثلث الشعوب العربية التي تناهز في عددها 335 مليونا اميون بمعنى ان واحدا بين كل ثلاثة عرب يجهل ابجديات الكتابة والقراءة تلك هي الحقيقة وهي حقيقة من شانها ان تصيب الكثيرين بالصدمة والذهول وقد جاءت الارقام التي كشفتها بالامس المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم بحسب دليل التنمية البشرية الصادر عن الاممالمتحدة لتطلق صرخة فزع مدوية وتكشف ما يمكن ان تخفيه ظاهرة الامية في طياتها من قضايا اجتماعية واقتصادية وسياسية وامنية مترابطة. لم يحمل احياء الذكرى السنوية لمحو الامية هذه المرة معه ما يمكن ان يدعو للفخر والاعتزاز او ما يمكن ان يدعو للاحتفال فقد جاءت التقارير لتعكس واقعا لا يخلو من المرارة حيث اتضح انه وعوض ان تتراجع ظاهرة الامية لتزول تدريجيا فقد ظلت تتفاقم ولعل مقارنة بسيطة من شانها ان تكشف حجم الارتفاع المسجل قبل سنتين عندما قدر عدد الاميين في عالمنا العربي بنحو سبعين مليونا وان اكثر من عشرة ملايين طفل في العالم العربي محرومون من الدراسة... والمقارنة لا تتوقف عند هذا الحد فاذا كان عدد سكان العالم العربي يناهز او يفوق عدد سكان امريكا فان 17 في المائة فقط من سكان منطقة الشرق الاوسط يستعملون الانترنات مقابل اكثر من سبعين في المائة في امريكا الشمالية وهذا على سبيل الذكر لا الحصر.. اسباب كثيرة من شانها ان تقف وراء انتشار ظاهرة الامية في العالم العربي وهي اسباب قد تبدو اقتصادية في ظاهرها ولكنها في باطنها ابعد واخطر من ذلك واذا كانت هذه الاسباب مختلفة من بلد عربي الى اخر فان نتائجها في نهاية المطاف واحدة.. طبعا لا مجال للتعميم في التعامل مع احدى اخطر قضايا التنمية في العالم العربي فاذا كانت تونس من البلدان العربية التي نجحت منذ فجر الاستقلال في كسب رهان التعليم وبالتالي في التحكم في ظاهرة الامية في القرى والارياف فان دولا اخرى لا تزال وبرغم عائداتها النفطية الكثيرة غير قادرة على مواجهة احدى اعقد القضايا في الساحة العربية او مواجهة عقليات الكهوف التي لا تزال تتعامل مع حق المراة في العلم والمعرفة والصحة الانجابية على طريقة العصور الغابرة... قد تكون الجامعة العربية ادركت مبكرا وتحديدا منذ مطلع الستينات ان الامية داء ينخر جسد المجتمعات ويعيق نموها ورقيها وقد تكون وضعت الاصبع على الداء منذ اقرت استراتيجية محو الامية في البلاد العربية منذ 1976 وانشات الصندوق العربي لمحو الامية وتعليم االكبار منذ 1980 ولكن الاكيد وبعد انقضاء كل هذه السنوات ان تلك الاستراتيجية تشكو من خلل فاضح وافلاس مادي ومعنوي وانها تفتقر لرؤية واضحة وتحتاج الى مراجعة عاجلة وشاملة لاعادة تحديد الاهداف والاولويات والامكانيات المتاحة وطرق مكافحة الامية ونشر اسباب العلم والمعرفة حتى تتوفر فرصة التعليم للجميع دون استثناءات او اقصاءات فضلا عن قطع الطريق امام كل المحاولات لاستغلال مثل هذه الظاهرة والسعي الى تكبيل الفكر والعقل وزرع بذور التطرف والتشدد. ولاشك ان اعتماد الجامعة ميزانية لا تتجاوز تسعة عشر مليون دولار لمكافحة الامية لا يمكن ان يحقق الكثير في هذا الشان ولا يمكن ان يعكس ارادة قوية في الخلاص من قيود الامية... ولكن في المقابل فقد تعد هذه المبادرة بنشر مثل هذا التقرير وعدم اللجوء الى التعتيم بشانه وتجاهل محتوياته كما حدث ويحدث مع صدور مختلف تقارير الاممالمتحدة حول التنمية في العالم العربي خطوة اولى في الاتجاه الصحيح والقبول ببعض الحقائق الخطيرة التي تعيق نمو العالم العربي وتشده الى الخلف والبدء بطرح الاسئلة الصحيحة حول اسباب تنامي هذه الظاهرة وكيفية تجاوزها لا سيما واننا على مشارف اوروبا التي لا تتجاوز فيها نسبة الامية ثلاثا بالمائة.