بقلم:ذ نورالدين الملاخ 1. الربيع العربي: منذ مطلع سنة 2011، أصبحت أزمات العالم العربي واضحة للخاص والعام في مستوياتها الثلاث:الدولة والنخبة والأمة،بعدما كانت تتداول في كواليس الساسة وصالونات النخب ودهاليز المخابرات من أجل امتصاص غضب الشعوب وكبح إرادات التغيير وإضعاف قوة الحركات التحررية. فالتعليم يشكل بامتياز مجالا تتداخل فيه مظاهر أزمة العالم العربي متعددة الأشكال،حيث أن تجليات أزمة التعليم في العالم العربي بارزة بشكل لا يؤدي إلى الريبة،خاصة وأن شباب الربيع العربي كشف بالصوت والصورة مظاهرها في ميادين التحرير من جهة،وكونه - من جهة أخرى- حامل شهادات وخريج تعليم، لكن بدون شغل... رفعت عالية أصوات في "ساحات التحرير" وكتبت كبيرة حروف على الجدران واللافتات وأيضا على صفحات "العالم الافتراضي" تكشف عورة جسم متعفن،انتشرت فيه أمراض خبيثة،لم يعد ينفع معها مسكن أو مخدر يلهي صاحبه على مصدر الداء بله بحثه عن طرق العلاج. لم يعد التعليم يشكل اليوم حقاً بديهياً من حقوق الإنسان فحسب، وإنما يجب أن يُدرج ضمن الأولويات القصوى لجداول العمل السياسي تمهيداً لتحقيق التنمية الفعلية والحد من الفقر وتحقيق الكرامة والعدالة الاجتماعية،بعيدا عن شعارات زائفة رفعها حاكم عربي منذ عقود يسوق فيها وهما ديموقراطيا تسلط به على أمة وبمباركة نخب تدعم الفساد وتؤصل للاستبداد. ولعل تقارير المراقبين الدوليين وتقنيات رصد المخابرات وإحصاءات البوليس العربي تؤكد أن رواد الساحات وميادين التحرير،أغلبهم شباب عاطل يحمل شهادات علمية،خريج جامعات ومعاهد عليا، ومن ألوان طيف سياسية مختلفة، لكن لها قضية واحدة:حق في التعليم والشغل والحياة الكريمة بعيدا عن الفساد والمفسدين.
2. واقع التعليم في العالم العربي: مما لا شك فيه أن ضعف نظام التعليم أحد الأسباب الجوهرية لضعف العالم العربي اليوم، فالعرب يحتلون مؤخرة الترتيب فيما يخص التعليم مقارنة بمعظم دول العالم، وهذه كارثة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن العرب كانوا يوما رواد الحضارة في العالم. لقد نشر برنامج الأممالمتحدة للتنمية-سنة2004- تقريراً شهيراً أعده باحثون عرب يحدد انخفاض المعايير التعليمية كواحدة من الأسباب الرئيسية للتخلف الذي يعيشه العالم العربي اليوم.. إن عدداً من المهتمين بالملف العربي وتطوراته الأخيرة والمتزامنة في عدد من الأقطار العربية يرون أن من بين أهم الأسباب التي أدت إلى اندلاع أزمة الثقة بين الحاكم العربي وشعبه إلى أزمة التعليم، التي تتجلى ليس فقط في هياكل المؤسسات التعليمية وتدبير الشأن التعليمي...بل وفي انحطاط مستوى التعليم أيضاً. يشكل الشباب الذين تقل أعمارهم عن 20 عاما أكثر من نصف سكان معظم الدول العربية، مما يعكس زيادة ضغوط جديدة وضخمة على عاتق الحكومات العربية لتأمين التعليم لكل الأطفال. إن المعايير التعليمية في تدهور مستمر خاصة إذا تعلق الأمر بتعليم الإناث. وتؤكد معظم البحوث الاجتماعية أن تدني مستوى تعليم الإناث في دول العالم يؤثر على معظم المجالات، وهذا مؤشر آخر للتنمية والتطور.وهناك أيضاً مسألة نوعية التعليم الذي ينبغي تلقينه للأطفال . ميزانية التعليم العربي: يعتبر التعليم أحد مرتكزات الأمن القومي في الدول المتقدمة، فيه يتحدد مستوى الدولة ومكانتها بين دول العالم، لأن التقدم في نظام التعليم يعني التقدم في كل مسارات الحياة، ورغم أن تقارير البنك الدولي واليونسكو تشير أن الدول العربية تنفق على التعليم مبالغ لا تقل -بل ربما تزيد في بعض الأحيان- عن التي تنفقها الولاياتالمتحدة وكندا أو دول أوروبا واليابان إلا أن الغرب ينهض بينما العرب يتراجعون، وعلى سبيل المقارنة فإن ما تنفقه الولاياتالمتحدة الأميركية على التعليم يصل إلى 5.5% من الناتج القومي الأميركي، في الوقت الذي تصل فيه نسبة الإنفاق على التعليم في الدول العربية إلى 5.8% من الناتج القومي ودولة مثل المغرب تنفق ربع ميزانيتها على التعليم كما تنفق الجزائر 30% من ميزانيتها على التعليم، بينما تنفق مصر على كل 1000 طالب أكثر مما تنفقه الولاياتالمتحدة مما تنفقه الولاياتالمتحدة على نفس العدد، أما السعودية والكويت وباقي دول الخليج فتعد من أكبر دول العلم إنفاقاً على التعليم ومع ذلك فهناك تراجع واضح في نظام التعليم في العالم العربي أدى إلى نسبة عالية من البطالة بين الخريجين من المغرب إلى الخليج. خريجوا التعليم العربي: تقاس جودة التعليم بمعادلة كمية وأخرى نوعية.أما المعادلة الكمية التي تستند على كم "المدخلات والمخرجات"،فهي تضع عتبة تعتبر مؤشرا من مؤشرات نمو الدولة في التنمية البشرية،بذلك نفهم هاجس الحكومات العربية التي تهتم برفع المعدلات- بأي شكل من الأشكال- من أجل الحصول على مرتبة متقدمة في التصنيف الأممي. رغم ذلك، فالواقع العربي يشهد على الفارق الكبير بين عدد المتمدرسين وعدد الخريجين،فالمدرسة المغربية مثلا تجسد هذه الحقيقة؛إذ أن" 40% من التلاميذ لا يكملون دراستهم،إذ غادر مقاعد الدرس أكثر من 380ألف طفل قبل بلوغهم 15 سنة عام 2006." ،بينما في مصر ¼ مليون حامل للدبلوم عاطلين عن العمل، أما مهنة المحاماة فرغم أنها من المهن المميزة وذات الدخل المرموق في الغرب، فإن عدد المحامين العاطلين عن العمل في المغرب يكفي لسداد طلبات هذه المهنة هناك لخمسين عاماً قادمة، أما في الجزائر فإن عدد الإداريين العاطلين فيها عن العمل يكفي لإدارة عشر دول. هجرة الأدمغة العربية: أما مجالات المهارات والتكنولوجيا فإن أصحابها يجدون ملجأهم دائماً في الدول الغربية، التي تقدرهم وتفتح لهم أبوابها، وفي الوقت الذي تحمل فيه.. يُحمِّل الكثيرون الحكومات العربية المسؤولية عن هذا التردي في نظام التعليم، فقد انتشرت المدارس الأجنبية بشكل مخيف في الدول العربية حتى أنها أصبحت الأساس في الدراسة في بعض البلدان مما يعني أن الأجيال القادمة التي تتخرج من هذه المدارس والتي تعتبر أجيال النخبة في المجتمعات العربية، لم تدرس إلا التاريخ الغربي والثقافة الغربية ولا يتحدثون –حتى في بيوتهم- إلا لغةً غير اللغة العربية يضاف إلى هؤلاء مئات الآلاف ممن درسوا ويدرسون الآن في الغرب حيث تشير الإحصاءات أن عدد الطلبة العرب الذين يدرسون في الغرب الآن يصل إلى حوالي 600 ألف طالب. الأمية: في نفس الوقت فإن نسبة الأمية في ازدياد مخيف، إذ يبلغ عدد الأميين في العالم العربي 65 مليون أمي أي ما يعادل 43% من عدد السكان العرب .وهناك أمية أخرى مخيفة هي أمية المثقفين فإذا كانت القراءة دليلاً على الوعي فقد تراجع استخدام ورق الصحف في العالم العربي لكل ألف فرد من 3.3 كيلو جرام في العام 85، ليصبح في العام 95، 2.7 كيلو جرام فقط، في الوقت الذي ارتفع فيه في أوروبا في الفترة نفسها لكل ألف نسمة من 55.7 كيلو جرام إلى 82.2 مع مراعاة الزيادة المطردة لعدد السكان في العالم العربي مقارنة بالغرب... خلاصة إذن فنحن أمام كارثة كبرى ثلاثية الأبعاد:أزمة دولة وأزمة نخبة وأزمة أمة،يشكل التعليم قطب رحاها،يغوص الشباب العربي في طواياها،تحت الضغط والقهر والاستبداد،يعيش في الحرمان والتخلف والضياع... واقع أزمة يحتاج إلى إرادة فعلية للتغيير ونقاش صريح وتحرك على مستوى الفرد والمجتمع لإنقاذ أبنائنا وأجيالنا القادمة وهويتنا وثقافتنا ومستقبلنا من الانهيار. يتبع...