تحت شعار «محو الأمية هو للأمراض»، احتفلت الإنسانية يوم 8 سبتمبر الحالي باليوم العالمي لمحو الأمية. وهذا الربط بين القدرة على القراءة والكتابة من جهة والقدرة على مواجهة المرض ليس غريبا ولا جديدا، فالأمية قد اقترنت بالجهل الذي يبتدئ بانعدام القدرة على القراءة والكتابة ولكنه لا ينتهي عند هذا الحد، بل يتحول إلى إعاقة شاملة للمدارك والحواس تحول دون الأمي وإدراك ما يجري من حوله ويعطل طاقة صاحبه عن الفعل... إن الأمية لا تفرض على صاحبها الإقامة الجبرية خارج عصره فقط بل تحط منزلته إلى الدّرك الحيواني الأدنى، في حين تشكل القدرة على القراءة والكتابة أول خطوة يقطعها المرء على درب انعتاقه من قيود الجهل وتفتح أمامه آفاقا للمعرفة وتحقيق الذات... لقد لخص الشعار الذي اختير لهذه السنة والذي يربط بين الأمية والمرض، وبين المعرفة التي يوفرها الانعتاق من الأمية وتحسن المستوى الصحي واقعا تؤكده الأرقام التي وردت في احصاءات منظمة الأممالمتحدة. ويكفي أن نشير في هذا المجال إلى ما أكدته دراسة، أجراها المنتظم الأممي في 32 بلدا، من أن قدرة النساء اللواتي تابعن دراستهن إلى ما بعد التعليم الابتدائي فاقت بنسبة 5 مرات معرفة النساء الأميات في مجال معرفة حقائق مرض السيدا، ومن هنا توفرت لهن قدرة أكبر على الوقاية منه ومواجهته. وإذا كانت نسبة الأمية قد سجلت تراجعا مهما في الوطن العربي، حيث انخفضت إلى النصف خلال العشريتين الماضيتين، فإن هذا التطور لم يكن على نفس الدرجة في كل البلدان العربية حيث يشير تقرير صادر عن البنك الدولي إلى أن لبنان والأردن وتونس ومصر قد أحرزت تقدما يفوق بقية الأقطار الأخرى في مجال تعليم الجنسين بالخصوص. ولكن نقطة الضوء هذه تبقى مهددة، مع الأسف، بهذا الخطر الزاحف المتمثل في الأمية الثقافية التي تروج لها جماعات سلفية تعمل تحت إمرة نظم ومجموعات ضغط توفر التمويلات اللازمة والتجهيزات والأدوات المطلوبة للدعاية (الدعوة) من مطابع وكتب وصحف وإذاعات ومحطات تلفزية فضائيات وموقع الأنترنات وكذلك لل»جهاد» بالوسائل المعروفة لدى الجميع في زمن صولة البترودولار. وقد تمكنت هذه الجماعات من إعادة الملايين إلى الأمية الثقافية مستعملة سلاح التخويف من الآخر (الكافر) وسلاح التخوين والتكفير في وجه من يرفض ترهاتهم، وصادرت حق ملايين المواطنين في التفكير الشخصي والتصرف بتلقائية في حياتهم اليومية حتى أصبح المواطن العادي الواقع تحت تأثيرهم لا يقوى على عمل شيء قبل استفتاء من أوهموه أنهم أهل العلم والمعرفة... وهكذا أصبحنا نتلقى كل يوم سيلا من الفتاوى التي تثير الرغبة في الضحك والبكاء معا، من ذلك فتوى «الشيخ» محمد علي فركوس (الجزائري) المعروف بكنية «أبي عبد المعز» الذي حرم الزلابية و المخارق... ولعل الأطرف من التحليل نفسه هو تبرير هذا التحريم حيث يقول «الشيخ»: كالتالي «عمل بعض الحلوى كالزلابية أو العصيدة أو نحوها من الحلويات التي تخصص للمولود يوم سابعه، من بدع العقيدة، وعمل الحلوى يحتاج إلى دليل شرعي، لأن الطمينة في الغالب عند تقديمها يوضع في وسطها علامة صليب من مادة القرفة ...» ولأسباب مشابهة تدخل مفتي السعودية ليحسم معركة إفتاء حارة حول الاحتفال بأعياد الزواج والميلاد فاوجب تحريمها لأنها تحمل خطيئة «التشبه بغير المسلمين» أما «الشيخ» محمد المغراوي (المغربي) ذي الميول الوهابية فقد صدم الرأي العام المغربي بفتوى جاء فيها «إن المرأة بإمكانها الزواج متى أمكنها تحمل الرجل بكل ما في الكلمة من معنى وفي أي سن كانت، والرسول تزوج عائشة وهي ابنة سبع سنوات ودخل عليها وهي بنت التسع سنوات... قد تظهر الإبنة على عشر أو أحد عشر أو إثنتي عشر... وبنات التسعة لهن القدرة على النكاح ما ليس للكبيرات من بنات العشرينات فما فوق وهذا لا إشكال فيه...» لقد ربط كل المصلحين العرب في أواخر القرن التاسع عشر وخلال القرن العشرين بين الأمية والجهل والفقر والمرض ورأوا أن محاربة الأمية والجهل هو الباب المؤدي إلى تحقيق النهضة القومية و»اللحاق بركب الأمم المتقدمة»... لقد رفع مثل هذه الشعارات أناس كانوا ينظرون بأمل إلى المستقبل... وقد حبرت في هذه المسائل كتب وقيلت أشعار لعل من أشهها قصيدة الشاعر المصري حافظ إبراهيم التي حفظتها أجيال والتي يقول فيها: من لي بتربية البنات فإنها في الشرق علة ذلك الإخفاق أما اليوم فإن «شيوخ» الإفتاء أولاء يعدون مثل هذه الدعوة «تغريبا» ينبغي مقاومته، وأن زواج الطفلة في سن السابعة جائز شرعا لأنه لا ضرورة تدعوا لتعليمها ما دام مكانها الطبيعي هو البيت لا مقاعد الدراسة... ويسير وراءهم ، عن جهل، خلق كثير...