تتداول الأوساط السياسية منذ أمس الأول، «حادثة» انسحاب كتلتي «الديمقراطية» و«العريضة الشعبية» وبعض المستقلين من جلسة المجلس التأسيسي، على خلفية مسألة التوقيت أو ما يعرف ب«كوتا» التدخلات. ولا شك أن هذا الانسحاب مثل لحظة غير مسبوقة في تاريخ العمل البرلماني التونسي بشكل عام، ليس لأنه أفرغ نصف مقاعد المجلس التأسيسي تقريبا، ولكن لأنه جاء ك«تعبيرة» جديدة ل«المعارضة المجلسية» لم يسبق أن حصلت في أي من الجلسات العامة، فهل كانت المعارضة أو «الأقلية» كما يحلو للبعض وصفها محقة في عملية الانسحاب؟ وهل أن توقيت ذلك مناسب؟ وإلى أي مدى يمكن القول أن المعارضة كسبت سياسيا بهذا الانسحاب؟ من حق المعارضة التعبير عن وجهة نظرها بالشكل الذي تريد، ووفقا ل«التكتيك» الذي تختار، لأنها حرة في انتهاج «الخطة» أو الأجندة أو الأسلوب الذي تحبذه في علاقة بالحكومة أو برئاسة المجلس التأسيسي، لكن الذي لا يبدو مفهوما أو مبررا، هو تسرع «الكتلة الديمقراطية» في اتخاذ قرار الانسحاب في مشهد أقرب لمسرحية معدة سلفا، منها لموقف سياسي تتطلبه المرحلة.. فهل أن سياسة «الكرسي الشاغر» أفضل من الحوار مع الحكومة؟ ألم يكن مجديا والمواطنون التونسيون يتابعون الجلسة البقاء ومحاورة الحكومة بمسؤولية وشجاعة، وإزعاجها بالأسئلة والاستفسارات والملاحظات، وربما تحويل جلسة الحوار إلى مساءلة كان يمكن أن تكون حدثا تاريخيا في علاقة المعارضة بالحكومة؟ ثم ماذا كسبت المعارضة من عملية الانسحاب؟ هل غيّرت المعادلات صلب المجلس التأسيسي؟ وهل زحزحت موقف الحكومة؟ وهل سببت لها احراجا من النوع الذي يثيره برلمانيون في ديمقراطيات أخرى، بحيث يحصل ذلك التدافع بين الطرفين في الموقف والخيار تستفيد منه البلاد، وتكسب منه المعارضة أو الحكومة أو الاثنين معا؟ ليس لدينا أي شك في قدرة المعارضة رغم أقليتها العددية على التأثير الايجابي في مجرى الجلسة الحوارية التي انعقدت أمس الأول، وفي التعبير عن جملة من القضايا والاشكاليات بشكل مختلف عن نواب «الترويكا» وربما بكيفية أكثر جرأة، لكن «جماعة الأقلية» اختارت خلاف ذلك.. صحيح أن عملية الانسحاب هذه، خلقت حالة من القطيعة بين الطرفين داخل المجلس، وربما وضعت رئاسة المجلس التأسيسي في «ورطة مؤقتة»، بما أنها «جرتها» إلى الخروج عن صبرها والتعبير عن جزء مما يعتمل في صدرها، وهو ما حرص السيد مصطفى بن جعفر على إخفائه في مناسبات عديدة، قبل أن «ينفجر» أمس الأول، متهما المعارضة ب«المغالطة» و«عدم قول الحقيقة»، واضطر بالتالي لكي يعبّر عن بعض ما يخالجه، في موقف وصفته المعارضة ب«ضيق صدر رئاسة المجلس».. لا نعتقد أن المعارضة تراهن على القطيعة مع رئاسة المجلس أو الحكومة، ولا نخال رئيس المجلس التأسيسي يبحث عن ذلك أو يحرص عليه، بل إن هذه القطيعة لا تبدو في مصلحة أي طرف في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ بلادنا ووضعها الراهن، بل إن ما حصل يوم الخميس، ينبغي أن يوضع بين قوسين، لأنه لن يهدد استمرار المجلس التأسيسي فحسب، إنما سينال سلبيا بالطبع من نجاح عملية الانتقال الديمقراطي برمتها، بل إن التجربة السياسية الجديدة في البلاد، مهددة بالنسف أصلا.. فهل ترضى «المعارضة المجلسية» بذلك؟ وهل تسمح رئاسة «التأسيسي» وعقلاء المجلس بذلك؟ سؤال ستجيب عليه الأيام القادمة..