لا ندري إلى متى ستبقى الحكومة مكتوفة الأيدي أمام «إفرازات» ما اصطلح على تسميته ب»الظاهرة السلفية» في تونس وإلى متى ستبقى تعتبر بعض مظاهر تعديها على القوانين وعلى رموز الوطن والجمهورية نوعا من ممارسة... «حرية التعبير» التي أهدتها لنا الثورة. فعندما عرضت قناة نسمة شريط «برسيبوليس» الذي كان قد حصل على كل التراخيص القانونية، وعرض في القاعات وقع تتبعها بدعوى أنها أثارت مشاعر التونسيين واعتدت على المقدسات، فأين تندرج إذن محاولة تمزيق علم البلاد وتنكيسه ليرتفع مكانه علم أسود قاتم يؤشر لانقسام يهدد وحدتنا وهو فعل يمس حتما مشاعر السواد الأعظم من التونسيين، أفلا يمثل هذا العلم رمزا بل رموزا ليس أقلها أنه شارة وحدة البلاد وعبادها وعنصر جامع للتونسيين؟. وأين يندرج اذن تعطيل الدروس في كلية منوبة منذ عدة أشهر وما يمثله من تهديد ب»سنة بيضاء» سيتضرر منها مئات الطلبة؟ إن التعلل بأن الحكومة تفضل بأن تتهم بالتراخي عوض أن تتهم بتوخي العنف، وهو ما ردده سابقا بعض المسؤولين لتبرير الاحجام عن التصدي للانفلاتات المختلفة هو قول غير مقنع ومرفوض. هو غير مقنع، لأنه وقع التصدي بمنتهى الحزم، وبقدر غير يسير من العنف لتظاهرات أقل خطورة على الأمن، فلا يزال حاضرا في الذهن ما جرى أمام وزارة التعليم العالي منذ أكثر من شهر، ثم في مسيرة اتحاد الشغل يوم السبت قبل الماضي وهو ما يتناقض مع مفهوم «التراخي» المشار اليه والذي يغيب توخيه كلما تعلق الأمر بتظاهرات تصل أحيانا إلى استعمال العنف محسوبة على التيار السلفي. وهو مرفوض، لأن دولة القانون والمؤسسات الحقيقية، من معاييرها الأساسية سيادة القانون وعلويته على الجميع. فالمطلوب ليس البتة العنف والتعسّف، بل المطلوب بكل بساطة هو انفاذ القانون وتطبيقه بحذافيره، وعلى الجميع دون استثناء وتحمل السلطة القضائية لمسؤولياتها. إن شرعية الدولة الحالية، من شأنها أن تمنحها المشروعية الكاملة لإعلاء سيف القانون فوق الجميع، وبالتخلص من «شبح بن علي»، فما فعل بن علي وما لم يفعل لا يجب أن يبقى معيارا تتحرك على ضوئه، فالثورة ليست الفوضى، وسياسة المكيالين التي عانينا منها طويلا لم يعد لها مكان اليوم في تونسالجديدة.