حبست الصفحات التونسية أنفاسها منذ مساء الأربعاء وهي تتداول آخر تطورات المواجهة المسلحة في «بير علي بن خليفة»، واستمر الناشطون التونسيون يكتبون عن مخاوفهم مما يحدث وعن تضامنهم الكبير مع قوات الأمن والجيش إلى أن انتهت المحنة قبل منتصف نهار أمس بقتل اثنين من المسلحين والقبض على الثالث. في مساء الأربعاء، انقسم ناشطو الموقع إلى قسمين: اليسار ومن معه وهم لا يترددون في اتهام السلفية الجهادية في تونس بالوقوف وراء العملية التي يعتبرونها مقدمة لأعمال أكثر خطرا، والنهضويون وأنصارهم وهم يدعون إلى التريث وعدم التورط في المسارعة باتهام أي طرف في انتظار نهاية التحقيق خصوصا بعد رواج معلومات عديدة تفيد أن العملية وراءها شبكة لتهريب الأسلحة. إلا أن الموقف الموحد الذي قرأناه في أغلب الصفحات التونسية هو الخوف مما يجري، وخصوصا من استمراره، كتب ناشطون كثيرون عن هشاشة الوضع مع الشقيقة ليبيا التي ما تزال محنتها مستمرة، وعن تهريب الأسلحة الحربية إلى تونس. قرأنا أيضا بعض المقالات التي يكتبها ناشطون معروفون باطلاعهم وحيادهم عن احتمال وجود مؤامرة على الثورة التونسية، وعن إمكانية ظهور أجنحة مسلحة في تونس لهز استقرارها. تظهر تعاليق تعبر عن الخوف والحيرة وتدعو الحكومة إلى وضع كل ثقلها لحراسة الحدود وضبطها والشعب إلى اليقظة الكاملة والإبلاغ عن أي شخص مريب. لم تتوفر معلومات تكفي للإجابة عن الأسئلة التي تحير التونسيين على الموقع، وخصوصا حول هوية هؤلاء المسلحين وأهدافهم. وفي ظل الحيرة العامة، والفراغ الإعلامي منذ مساء الأربعاء، حدث انفلات في الصفحات التونسية بنشر أخبار كثيرة لا تتوفر فيها الدقة، وسادت قناعة عامة بأن «السلفية الجهادية» هي التي تقف وراء العملية، وأنها بصدد التسلح استعدادا لإعلان الحرب وهو ما زاد في مشاعر الخوف. كتب ناشط قريب من النهضة في صفحته: «كل من يحمل السلاح في تراب تونس مجرم، كل من يدعو إلى العنف في تراب تونس مجرم، لنقف جميعا لحماية تونس». وفي الصفحات ذات التوجه اليساري أو المعارض، قرأنا تعاليق كثيرة تتهم الحكومة بالتراخي في التعامل مع هذه السلفية، كتبت ناشطة يسارية شابة في صفحتها: «سوف يقولون هذه المرة أيضا هذه فزاعة السلفية، هاكم شفتو الكرتوش، توه ماعادش فزاعة، بل حقيقة». قرأنا أيضا تعاليق من ناشطين محايدين يتحدثون عن تطور ظاهرة السلفية وعن انتشار خطابها في المساجد وفي العديد من الأحياء الشعبية. كتب أحدهم وهو جامعي وحقوقي: «يجب على الدولة أن تفتح عينها جيدا على ما يحدث في العديد من المساجد من تجييش للمشاعر باسم الدين». ومع تقدم الوقت، بدأت الكثير من التفاصيل تظهر، خصوصا بعد قتل اثنين من المسلحين والقبض على الثالث، وتم تداول معلومات منسوبة إلى مصادر من الأمن تفيد أن المجموعة تعد أكثر من عشرة أشخاص وأن المحققين بصدد البحث عنهم. وقتها، لم يعد أحد يرد على صفة «السلفية الجهادية» في ما يتعلق بالحادثة، خصوصا بعد أن راجت معلومات تنتظر التأكيد من أن بعض المورطين فيها ينتمون إلى مجموعة سليمان الشهيرة. ومنذ منتصف النهار، وجد نشطاء اليسار والمجتمع المدني المجال مفتوحا لشن حملة على «السلفية الجهادية» مع مطالبة الحكومة باتخاذ موقف واضح منها، ويبقى الشيء الوحيد الذي اتفق عليه التونسيون بمختلف توجهاتهم السياسية في «محنة بير علي بن خليفة» هو تضامنهم الكبير والعميق مع قوات الأمن الداخلي والجيش، والتي تحظى بتقدير كبير يتجاوز كل التصنيفات السياسية.