الآن وقد هدأت العاصفة التي أثيرت في الأيام القليلة الماضية بشأن مسائل رياضية خرجت عن إطارها الرياضي البحت لتعيد مرة أخرى فتح الملف القديم الجديد ألا وهو ملف الإعلام، يمكن إعادة طرح الموضوع بكل هدوء وموضوعية وشفافية ورصانة أي بنفس الطريقة التي طرحت بها "الصباح " ملفات عديدة بل كانت في أغلب الأحيان سباقة إلى طرحها أو المبادرة بمناقشتها إيمانا منها بأهمية قيام الإعلام بدوره. لقد سال الكثير من الحبر وقيل الكثير في قنوات إذاعية وتلفزية حول مسائل تتعلق بمجالات وحدود اهتمامات الاعلام، بل كان واضحا أن ما اصطلح على تسميته بتيار "الشد إلى الخلف" عاد عبر بوابة الرياضة إلى التنظير مجددا لإعلام لا يرى كل شيء ولايسمع كل شيء ولا يقول ما يتعين قوله.. إعلام عفا عنه الزمن يتنافى كليا مع الإرادة السياسية في تونس التي ما فتئت تدعو أجهزة الإعلام والإعلاميين إلى القيام بدور إيجابي من خلال الجرأة في طرح القضايا وتعدد الآراء وضرورة انفتاح التلفزة الوطنية على قضايا وطنية ومناقشتها بصورة تعددية بعيدا عن الرأي الواحد والنمطية التي كثيرا ما صبغت -ومازالت- من سوء الحظ تصبغ ملفات دورية لا تتوفر فيها المهنية والجودة الضروريتان. وإذا كانت الصحافة المكتوبة وهي التي تشكل جانبا معتبرا من الفضاء الإعلامي التونسي معنية بمواصلة دورها كما يجب فإنها لا بد أن تستفيد من هامش الحرية الذي يكفله الدستور وتقوم بدورها التنويري في سياق المشروع المجتمعي الذي ينجز بتونس وهو أمر لا يجب أن يكون محل أخذ ورد لأنه أمر مفروغ منه وبالتالي فإن من يحاول إسقاط بعض المفاهيم و"التمنيات" على تغطية النشاط الرياضي في الصحف أو القنوات التلفزية والإذاعية لحجب حقائق أو توجيهها إنما يسعى من خلال ذلك إلى الحد من هامش حرية الإعلام بتجاهل كلي لما حققه إعلامنا من تقدم نوعي وكمي معترف به في الداخل والخارج. فإعلام متطور ومواكب للتقدم في جميع المجالات هو أفضل مرآة لتونس الحديثة ولمجتمع يتطور ويتفاعل مع ما يشهده العالم من ثورة رقمية وانتشار المعلومة بسرعة لم يعد يدع مجالا للتأخير في الإعلان عن حدث أو محاولة محاصرته بل إن التعتيم أصبح ينظر إليه كوسيلة بدائية جدا في عالم اليوم لذلك فإن مواصلة وسائل الإعلام المكتوبة لدورها وتشجيع الوسائل المرئية والمسموعة على التعامل مع الأحداث بحرفية وموضوعية يمثل خيارا لا محيد عنه. ولعل ما تمر به الصحافة المكتوبة منذ فترة في معظم بلدان العالم بفعل منافسات الفضائيات والأنترنات ومن صعوبات بفعل الارتفاع الجنوني لأسعار الورق وتكاليف الطباعة واستحواذ القنوات التلفزية والإذاعية على نصيب الأسد من الإشهار يجعل من المفيد النظر بشكل جدي في ما تمر به الصحف من صعوبات تهدد مستقبلها بل إن الرئيس الفرنسي ساركوزي لم يفوت في أول ندوة صحفية له الإشارة إلى أن جانبا من معضلة الصحافة المكتوبة يكمن في توزيعها ويبدو أن لا مناص اليوم في تونس من إعادة فتح ملفات تتعلق بالصحافة المكتوبة مثل أسعار الورق و"تقاسم" الإشهار بين المكتوب والمسموع والمرئي كما يتعين إعادة النظر في توزيع الصحف بعيدا عن "ضغوطات" احتكار التوزيع ضمانا لاستمراريتها وترسيخا لمكانتها في الفضاء الإعلامي. ومن خاصيات المشهد الإعلامي في تونس التعدد في العناوين الصحفية اليومية والأسبوعية وغيرها وأغلبها ينتمي إلى القطاع الخاص لكن هذا المشهد ما زال يفتقر إلى تعدد القنوات التلفزية والإذاعية الخاصة وتحديدا بعد فتح المجال أمام المبادرة الخاصة في هذا المجال. إن الإعلام في تونس لا يشكو أزمة ثقة بل إن ردود الفعل على ما يكتب في الصحف وما تبثه القنوات التلفزية والإذاعية خير دليل على وجود جمهور واسع وعريض ولكن لا بأس من مواصلة تدعيم هذه الثقة بتجويد أداء الإعلام ككل من خلال إعادة الاعتبار للرأي المخالف الذي لا يعني النقد صلبه هداما بالضرورة.. وتطوير اداء التلفزة والإذاعات بتوسيع نطاق اهتماماتها إلى مشاغل المواطن والقطع نهائيا مع مقولات تتخذ من المحرمات والطابوهات وسيلة جذب وتهرب من الواجب المهني. خلاصة القول.. راهنا في تونس على عدم تهميش أي كان في صلب المجتمع وفي الحركة الاقتصادية والإبداع الثقافي لذلك لا يمكن تهميش قضايا مجتمعنا أيا كانت في المشهد الإعلامي.