- حين أطلق شعار «التأسيس» يبدو أن «أصحاب المبادرة» لم يكونوا على دراية كافية ،أو قل لم يكونوا ليتنبأوا بما يشكله ،أو قد يشكله، المد الإخواني- السلفي من خطر على مكتسبات المجتمع المدني التي افتكت بفضل النضالات التي خاضتها الجماهير . و نحن نذهب إلى حد القول إنهم لم يقرؤوا المرحلة (المسار الثوري) قراءة صحيحة. لا ينكر أحد أن الجماهير أطاحت بالديكتاتور وقطعت مع كل المؤسسات «الدستورية» من مجالس( مجلسي النواب والمستشارين- المجلس الدستوري، الخ) وقوانين ومجلات لكنها كانت تتفاءل آنذاك بأن تفرز انتخابات 23أكتوبر 2011 تركيبة نيابية تكون في مستوى الحدث، أي الثورة، وتعمل على تحقيق الأهداف التي ناضلت من أجلها الجماهير والتي يمكن تلخيصها في شعار:» شغل- حرية- كرامة وطنية». لكن حصل ما لم يكن في الحسبان وأمكن لمن لم يسهموا في الثورة، لا من بعيد ولا من قريب, أن يسطروا كأغلبية «أفرزها الصندوق» وأمكن لهم بسط نفوذهم على السلط الثلاث. وما يعنينا بدرجة أولى هنا كتابة الدستور وما توشك أن تفضي إليه السيطرة الكلية للترويكا في ما يتعلق بالمكاسب التي من المفروض تدعيمها وتحديدا ما يتعلق بالحقوق والحريات الأساسية. المد السلفي التجهيلي ما ميز الحياة السياسية والفكرية في الفترة الأخيرة تنامي المد الإخواني السلفي والذي برزت تجلياته في التظاهرات التي نظمتها الجمعيات المتسترة بالدين والتي تحظى بالدعم اللامشروط من قبل السلطة التي تكيل بمكيالين: ضرب «اللائيكيين» والتشهير بهم وتحميلهم غضب الشارع من جهة والتغاضي عن ممارسات السلفيين ومعاضدتهم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة ك»الصمت التواطئي»، من جهة أخرى. أما الأدهى والأمر فهي الحملة المندرجة ضمن «الفتح الإسلامي» للقطر والرامية لأسلمة الشعب التونسي ,وكأنما المجتمع لا يزال في عصر الجاهلية. وما تلك الحملة إلا دليل على تكفير تلك التيارات الموغلة في التطرف والتزمت لكل من يخالفهم الرأي ،وهو أمر على غاية من الخطورة لما يتضمنه من خلفيات من ناحية ولما يراد تحقيقه من وراء «الخطاب التكفيري» الذي «استورد» عددا من «شيوخ التخاريف» لأجل إضفاء الشرعية «الظلامية» عليه، من ناحية أخرى, وكأنما لا تكفي الحملات التجهيلية التي تقوم بها الفضائيات، التي ينشط فيها هؤلاء « الحاقدون على المرأة التونسية» إلى حد الدعوة الصريحة لختان «امرأة المستقبل» من باب « التجميل». يا للعجب!!! فأين مجلة حقوق الطفل؟ وحين تتعرض الطفولة للمظالم هل يمكن أن يرجى خير من مثل هذه التيارات الهدامة المتسترة بالدين والمستعينة ب»السماسرة» و»الدجالين» المتخصصين في « الفتاوي» التي لا تستند لأي منطق عدا ال»تخاريف»؟ حذار مما يطبخ على نار هادئة في علاقة بأداء «الترويكا» نحن ما فتئنا نقول إن عديد المؤشرات لا تنبيء بخير ونحن نسرد بعضها للتذكير. في البداية كان القانون المنظم للسلط والذي أمكن للنهضة بفضله بسط نفوذها التام على دواليب الدولة تمهيدا لإحلال سلطة مطلقة اعتمادا على الشريعة. كما سعت السلطة الحاكمة إلى فرض سيطرة كلية على قطاع الإعلام والاتصال لجعله مجرد بوق دعاية ولسان حال السلطة الناطق بالموقف الرسمي اعتمادا على القاعدة الموروثة من الديكتاتوية والتي عمادها الثنائية التالية : «أنت معي أو علي «. أما الأخطر فهو القادم والذي يطبخ على نار هادئة ويمهد له بشكل مقنن أعني بذلك الدستور الجديد الذي يوشك أن يكون رجعيا إلى أبعد الحدود في ما يتعلق بالمكاسب في مجال الحقوق والحريات وتحديدا تلك المتعلقة بالمرأة. ففي هذه الأيام توضحت الرؤية واتضح جليا أن «النهضة» بمعية «حلفائها التكتيكيون» غدت تتحدث عن « اعتماد الشريعة الإسلامية كمصدر أساسي للدستور». ويستشف من هنا التوجه نحو التخلي عن كل ما هو «وضعي». *ما المقصود من « اعتماد الشريعة الإسلامية كمصدر أساسي للدستور»؟ ككل مرة يتعدد الخطاب الذي يعتمده التحالف «الإخواني-السلفي- الإنتهازي» وبتعدده تتضح أهدافه التضليلية ،من ناحية ،وخاصة التكتيك المعتمد من قبل هذا التحالف والمتمثل في جس نبض الشارع والزج بالقوى الأخرى في دوامة رد الفعل التي فرضت عليهم لافتقارهم لتصور واضح ولاستراتيجية مدروسة لمجابهة هذا المد المتنامي، من ناحية أخرى. ذلك أنه لا يختلف اثنان في كون القوى التقدمية لا زالت تتحسس طريقها ولم تتوصل بعد إلى إيجاد الصيغة المثلى لفضح النوايا الحقيقية لقوى الردة ، والتكتيك الملائم للفعل الحقيقي والآليات الناجعة لتجنيد وتعبئة الجماهير وتحديدا الشباب للحسم مع الرؤى التجهيلية التي تهدف لنسف كل ما تحقق من مكاسب على مدى عشرات السنين. فللتذكير المعركة هي بالأساس معركة حريات وحقوق ،وجوهرها ثقافي معرفي، ولا تقتصر على البعدين السياسي والاقتصادي. وما الدعوات المتتالية لتطبيق الشريعة واعتمادها كأساس للدستور، ومن قبلها الدعوة لتطبيق «الحد» و»هدر دم الملاحدة»، إلا مؤشرات دالة على أن ما يخطط له التحالف «الإخواني-السلفي- الإنتهازي» يتنزل ضمن الثورة المضادة ويضع الجماهير أمام خيارين: إحلال نظام استبدادي «مدني» أم إدخال البلاد في دوامة العنف الطائفي... مكونات المجتمع المدني : قوة ضغط على السلطة أمام فشل الأحزاب في تعبئة الجماهير باعتماد الخطاب المناسب لم تبق غير ورقة مكونات المجتمع المدني الفاعلة ميدانيا والقادرة على توعية الجماهير وتحريك الشارع وقد تكونت منذ فترة تنسيقية ضمت ممثلين عن مختلف المنظمات والجمعيات التقدمية. وفي هذا الإطار حضرت مجموعة هامة من ممثلي الجمعيات الوقفة التضامنية مع نساء ورجال الإعلام، التي انتظمت يوم الخميس 01 مارس 2012، بمقر الإتحاد العام التونسي للشغل، التي دعا لها المجلس الوطني المستقل للإعلام والاتصال ،بالتعاون والتنسيق مع المركزية النقابية. وقد اتفق ممثلو تلك الجمعيات على ضرورة التنسيق المستمر والمتواصل وتشبيك العمل والمرور للفعل الناجع عوض الاقتصار على رد الفعل على «الهجمة الممنهجة التي يتعرض لها الإعلاميون وكل القوى الديمقراطية عموما. أما الجمعيات فهي: الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان حركة كلنا تونس الهيئة الوطنية للمحامين جمعية حماية محيط الشريط الساحلي المجلس الوطني المستقل للإعلام والإتصال جمعية العزة لتنمية الشمال الغربي الرابطة التونسية لقدماء مساجين الرأي النقابة الوطنية للصحافيين النقابة العامة للثقافة والإعلام رابطة المحامين القوميين التنسيقية الوطنية المستقلة للعدالة الإنتقالية جمعية النساء التونسيات للبحث حول التنمية مبادرة المواطنة الإتحاد العام لطلبة تونس جمعية حقوقيون بلا حدود جمعية النساء الديموقراطيات الشبكة التونسية لمقاومة الفساد والرشوة جمعية الكلمة الحرة وتبقى القائمة مفتوحة لجميع مكونات المجتمع المدني التي من المفروض أن تتوحد وتتنظم في شكل جبهة مضادة للمد السلفي . *باحث في الإعلام و الإتصال