في محاولة منه لكبح جماح الصراع بين الطرفين أي اليمين واليسار خاصة أمام احتدام التجاذبات السياسية وسعيا منه للقضاء على ظاهرة "التكفير" التي أرهقت عديد التونسيين طالب رئيس الجمهورية المؤقت المنصف المرزوقي مؤخرا أعضاء "التأسيسي" بسنّ قانون يجرّم التكفير في البلاد داعيا الى الكفّ عن تكفير الآخرين واستعمال هذا الأسلوب الذي وصفه ب"الخطير" في التعبير عن الاختلافات الفكرية، باعتبار أن "تكفير الآخرين، يمثل تهديدا للسلم بين مواطني البلد الواحد ويبث الفتنة بينهم". ورغم اجتياح ظاهرة التكفير للفضاء العام واستعمالها من قبل أنصار التيار السلفي لردع معارضيهم ومنتقديهم فان الآراء تباينت حول مطلب رئيس الجمهورية المؤقت بين مؤيد ورافض له إذ رأى البعض أتّه يحتاج إلى دراسات فقهية وقانونية واجتماعية بينما يرى البعض الآخر أنّ الحلّ قد لا يكمن في سنّ قانون يجرم التكفير كما طلب رئيس الجمهورية المؤقت؟ "الصباح" تحسّست آراء أساتذة في اختصاصات مختلفة في الفقه الإسلامي وفي القانون.
لا بدّ من نصّ واضح
أمام ما يدعيه البعض من احتكار للحقيقة الدينية دعا الأستاذ والمختصّ في الحضارة الإسلامية محمد شقرون الى تجريم التكفير لأنه لا سبيل الى العيش في دولة مسلمة إلاّ بمنع التكفير وتجريمه حتى لا يفتح الباب أمام هذه الأطراف المتشددة. واعتبر انه من الضروري سنّ قانون واضح في المجلة الجزائية لتجريم التكفير وان لزم الأمر التنصيص عليه كذلك في الدستور الجديد.
ميزة الأنظمة الشمولية
وحول مدى نجاعة سنّ قانون يجرم التكفير وهل من شأن هذا القانون أن يقطع مع الظاهرة التي اجتاحت البلاد ببعديها الديني والسياسي؟ ذهب أستاذ الحضارة الحديثة الصالح مولى إلى أن ظاهرة التكفير هي التي تنشأ في المجتمعات التي يتموقع فيها الدين في منزلة متقدمة وهذه الظاهرة لا تستند إلى نصّ ديني.. وما يجري اليوم في الشارع التونسي هو تضخيم وتخويف من الظاهرة باعتبارها حدثا غير مسبوق. كما اعتبر محدثنا انه لا مبرر لوضع نصّ قانوني يجرّم الظاهرة لان العقل البشري لا يبنى بمراسيم وبرر قوله بان "الظاهرة لا توجد "حصريا "في تونس بل تجدها في كل البلدان التي تحكمها أنظمة شمولية". وعن توريث التكفير وتأويل السلوكيات البسيطة اعتبر المختص في علوم الأصول حمادي ذويب بان المرجعية الوهابية هي التي ورثت التكفير لفهمها الإسلام فهما متشددا.
تشريع للقتل
وشدد في هذه النقطة على ان تكون مسالة تجريم التكفير في يد سلطة دينية مثل المجلس الاعلى للمسلمين الذي يستند الى المواقف الوسطية لان الاشكال في التكفير هو تأويل السلوكيات البسيطة الى التكفير وهو سلاح لفرض رأي او توجه معيّن دون الاستناد الى حجج دينية بل عكس ذلك، وكلّ من يستغل هذا السلاح هو مفرغ من الثقافة الدينية وهنا تكمن خطورة المسالة لانّ من يشرّع للتكفير يشرّع بدوره الى القتل. وفي ظل ما نعيشه اليوم من تجاذبات بلغت حد التكفير واتهام عديد الشخصيات الوطنية والإعلامية بالكفر شدد أستاذ القانون الدستوري قيس سعيد على الابتعاد عن مفهوم التكفير حتى لا يأخذ المقترح المتعلق بسنّ قانون يجرّم التكفير طابعا دينيا. علما ان هذا المقترح كان قد صدر من قبل عن إمام الأزهر في مصر وأثار ردود فعل التيارات الإسلامية وتم التراجع عنه فيما بعد. واقترح سعيد سنّ نصّ قانوني يجرّم الاعتداء على حرية المعتقد بدلا من تجريم التكفير كي لا تأخذ المسألة طابعا دينيا.