من التناقضات الخطيرة التي نشرتها دراسة هيئة الإحصاء التابعة للاتحاد الاوروبي أمس أن اعداد طالبي اللجوء الى دول الاتحاد من دول «الربيع العربي» شهدت ارتفاعا ملحوظا في العام الماضي الامر الذي من شأنه ان يثير أكثر من نقطة استفهام ويدفع الحكومات الجديدة التي برزت بعد الثورات العربية الى تأمل الواقع ونزع تلك النظارات التي تجعلهم لا يرون الا ما يريدون رؤيته ومن الزاوية التي تحقق لديهم الاحساس بالرضا وتولد لديهم القناعة بأنهم على الطريق الصحيح حتى وان كان الامر ليس كذلك.. فليس سرا ان نجاح الثورات العربية التي اسقطت حتى الآن أربعا من الطغاة في العالم العربي من تونس الى مصر وليبيا واليمن وربما غيرها أيضا قد غيرت تلك النظرة الدونية للمواطن العربي الى ذاته واحساسه بالاحتقار الذي لازمه طويلا، بل وجعلته اليوم فخورا أكثر من أي وقت مضى بهويته وانتمائه وثقافته ودينه ووطنه. تونسي وأفخر، مصري وافخر، ليبي وافخر، عربي وأفخر كلمات كانت ولا تزال شعار أبناء شعوب الربيع العربي في الداخل والخارج وهم يشعرون بأنهم استعادوا كرامتهم المهدورة وأن انسانيتهم المصادرة ردت اليهم وهي حقيقة لا مجال لتجاهلها أو التقليل من شأنها. على ان الواقع وبعد أكثر من عام على الثورات العربية وعندما نكتشف أن طلبات اللجوء الى دول الاتحاد الاوروبي تتضاعف يوما بعد يوم وأن الشباب في مقدمة الراغبين في الهجرة وذلك برغم التحذيرات والدعوات المتكررة للزعماء الاوروبيين بضرورة تشديد اجراءات الدخول الى دولهم فقد بات لزاما علينا العودة الى واقعنا وعدم القبول بأن يمر الامر دون أن يثير لدينا أكثر من نقطة استفهام ويدفع بنا الى تأمل الواقع واستباق الاحداث وبحثا فيها حتى لا يكون ذلك متبعا لسوء الفهم بين دول الربيع العربي وبين الخارج وحتى لا يتم تحويل هذه الارقام والاحصائيات لتحميل الربيع العربي ما لا يحتمل وطمس تلك الصورة النيرة للثورات الشعبية التي وقف لها العالم اجلالا واحتراما. وحتى لا نسقط في متاهات تداعيات تلك الاحصائيات فقد يكون لزاما علينا التوقف عند أهم ما جاء فيها لا سيما وأن لغة الارقام تشير الى أن طلبات اللجوء التي تقدم بها تونسيون تضاعفت 12 مرة من 540 طلبا عام 2010 الى 6330 في 2011، اما الطلبات التي تقدم بها ليبيون فقد تضاعفت اكثر من اربع مرات من 710 الى 2885 في الفترة ذاتها. وفي المقابل فان طلبات اللجوء التي تقدم بها سوريون يواجهون الأمرين في بلادهم فقد ارتفعت بنسبة 50 في المائة. والامر لا يتوقف عند دول الربيع العربي فإفريقيا أيضا لها نصيبها من المعاناة حيث تضاعفت طلبات اللجوء من نيجيريا من 6750 الى 11470، كما ارتفعت اعداد طالبي اللجوء من ساحل العاج من 1495 الى 5320 الامر الذي جعل الرئيس الفرنسي وفي أكثر من مناسبة يهدد بسحب بلاده من اتفاقية شينغن. بينما هددت المانيا والنمسا باعادة العمل بالاجراءات الحدودية ما لم تتخذ اليونان اجراءات مشددة لضبط عدد طالبي اللجوء القادمين بحرا من تركيا. وفي كل الاحوال فقد تختلف الاسباب والدوافع التي يمكن ان تدفع اللاجئين الى هجرة الاوطان والبحث عن ملجإ لها يمكن أن يتوفر لها فيه أسباب العيش الكريم والحرية المنشودة.. لقد كنا نتوقع بعد الثورات العربية أن تتوقف مآسي سفن الموت المحملة بمئات بل بآلاف الشباب اللاهث وراء أحلامه التي غرق بمقتضاها الكثيرون وهم يحاولون الوصول الى الضفة الشمالية للمتوسط تماما كما كنا نتوقع أن تتجه كل القوى التي وقفت صفا واحدا ضدّ الديكتاتورية من أجل تحقيق أحلام الشعوب العربية في الحرية والعدالة والرفاهية ولكن يبدو أن ثمار الثورات العربية مكتوب لها أن تتأجل الى أن تتحقق صحوة العقول والقلوب من أوهام وأطماع السلطة الزائفة وتتجه الى الاستثمار في البشر المعدن الوحيد الذي بدونه لا يمكن لأي ثورة أن تستمر وتزهر...