على الرغم من الإجماع الحاصل على أن الشريعة بما هي لا فقط مجموعة أحكام تفصيلية وإنما أيضا نظام كامل للحياة والإنسان والمجتمع تبدو شأنها في ذلك شأن رحمة الله ذاتها واسعة وعريضة.. فإن زعيم تيار "العريضة" أخونا الدكتور الهاشمي الحامدي وهو يقود هذه الأيام حملة إعلامية شرسة على حركة "النهضة" على خلفية إعلانها التمسك بالفصل الأول من دستور 1959 يبدو وكأنه مصر على أن يجعلها (الشريعة) ضيقة وحرجة.. والحقيقة أننا ما كنّا لننخرط في مناقشة السيد الهاشمي الحامدي حول موقفه من "النهضة" ومن قرارها المعلن بخصوص تمسكها بالفصل الأول من دستور 1959.. فالرجل زعيم تيار سياسي ممثل في المجلس الوطني التأسيسي ومن حقه طبعا ان يعلن عن آرائه ومواقفه وأن يصدع بما يعتقد ولا نقول بما يؤمر ... ولكنّ "أشياء" أخرى خطيرة بدت لنا قائمة ضمنيا في ثنايا خطاب حملته الإعلامية على حركة "النهضة" هي التي جعلتنا ندلي بدلونا في الموضوع... من بين هذه "الأشياء" مثلا محاولته الإيحاء بأنه وبعد أن "خانت حركة النهضة والعبارة له أصوات الناخبين وخانت مبادءها وتاريخها بمعارضتها لاعتماد الشريعة مصدرا أساسيا للتشريع" فإنه لم يعد هناك من زعيم سياسي تونسي وفيّ ووصيّ على "أمانة" تطبيق الإسلام وتحكيم الشريعة في تونس سوى حضرته حفظه الله ... لذلك ها هو يعد الشعب التونسي بأنه وفي صورة فوز حزبه بالأغلبية في الانتخابات الرئاسية والتشريعية المقبلة سيقوم بتنقيح ما أسماه دستور النهضة وشركائها" ليضيف إليه فصل جديد ينص على أن "الإسلام هو مصدر أساسي للتشريع" (انظر جريدة "المغرب" الأربعاء 28 مارس). ربما يقول قائل أن مثل هذه الوعود الشعبوية تمثل نموذجا صارخا للمتاجرة السياسية بالدين.. وأنها تكشف عن "عقل" سياسي بائس وغير مسؤول.. "عقل" لا يتورّع حتى عن المقامرة والمغامرة بقداسة المقدس وبعقيدة الناس في سبيل تحقيق الطموحات والوصول إلى السلطة وتولي الحكم.. على أن الدلالة الأخطر في رأينا في حملة الأخ قائد تيار "العريضة الشعبية" على حركة "النهضة" على خلفية إعلانها التمسّك بالفصل الأول من دستور 1959 أنها حملة تعكس لا فقط جموحه السياسي بل وأيضا جنوحه وسعيه لجرّ الساحة الوطنية نحو المستنقع الأخطر مستنقع التجاذبات والمزايدات الدينية/الدينية هذه المرة ... فإذا كان قرار حركة "النهضة" الشجاع والعقلاني بإعلانها التمسّك بالفصل الأول من دستور 1959 قد جاء لينزع فتيل معركة مفتعلة وعبثية طال أمدها وآن لها أن تنتهي بين فريقين من التونسيين واحد يوصف بأنه محافظ والآخر بأنه حداثي.. أو متدين وعلماني.. وليؤكد أن غالبية القوى الوطنية السياسية بمختلف توجهاتها هي مع خيار الدولة المدنية، دولة القانون والمؤسسات والعدالة والحقوق والحريات.. فإن السيد الحامدي وهو "يستأسد" على حركة "النهضة" سياسيا ويزايد عليها دينيا أمام الرأي العام الوطني إنما يسعى في الواقع حتى وإن لم يكن يقصد إلى دق إسفين أخطر هذه المرة في خاصرة وحدة الشعب التونسي العقائدية وتمزيق نسيجه الاجتماعي... "يبدو أن سي الهاشمي لم يتطور..." هكذا علّق الدكتور رضوان المصمودي رئيس "مركز الإسلام والديمقراطية" على قول الهاشمي الحامدي بأن حركة "النهضة" لم تف بوعودها وأنها لم تعد حركة إسلامية.. وذلك قبل أن يضيف "الحركة الإسلامية تريد التنمية والديمقراطية وخدمة قضايا الشعب وتحقيق أهداف الثورة وليس التمسّك بشعارات بالية".. الخوف يا دكتور مصمودي ليس من أن يكون السيد الهاشمي الحامدي لم يتطوّر .. إنما الخوف من أن يكون قد "تطوّر" فعلا ولكن نحو الأخطر ولا نقول الأسوأ !!