لماذا قرّرت حركة «النهضة» التمسّك بالفصل الأول من دستور 1959 وما هي تداعيات هذا القرار على المشهد السياسي وعلى سير عملية إعداد الدستور الجديد؟ تساؤلات رافقت هذا القرار تُجيب عنها أطراف سياسية وقانونية.
وأكدت حركة النهضة عقب اجتماع هيئتها التأسيسية أمس الأول،إنها قررت الإبقاء على الفصل الأول من الدستور القديم، وهو ما يعني حسب بعض المراقبين التخلي عن إدراج الإسلام كمرجع للتشريع في الدستور الجديد.وقال رئيس حركة «النهضة» راشد الغنوشي إن 52 من أعضاء الهيئة التأسيسية التي اجتمعت نهاية الأسبوع المنقضي وافقوا على اعتماد الفصل الأول من دستور 1959 فيما عارض 13 عضوا هذا التوجه.وأضاف الغنوشي أنّ البرنامج الانتخابي للحركة لم يتضمن تطبيق الشريعة وأنّ الحركة ملتزمة بوعودها الانتخابيّة.وقالت الهيئة التأسيسية لحركة النهضة في بيانها الختامي أنها تؤكد التزامها بما جاء في برنامجها الانتخابي بصفة عامة وخاصة من «أن تونس دولة حرة مستقلة، الإسلام دينها والعربية لغتها والجمهورية نظامها وتحقيق اهداف الثورة أولوياتها»، وأن حركة النهضة ذات المرجعية الإسلامية «تنطلق في برامجها من احترام الثوابت الوطنية وفي مقدمتها تعاليم الإسلام ومقاصده وتراثه الحضاري».
وأضاف البيان أنّ الحركة «تعتبر أن صيغة الفصل الأول من دستور 1959 التي تنصّ على أن «تونس دولة حرة، مستقلة، ذات سيادة، الإسلام دينها، والعربية لغتها، والجمهورية نظامها» واضحة ومحل توافق بين كل مكوّنات المجتمع، وهي تحفظ الهوية العربية الإسلامية للدولة التونسية، وتؤكد مدنيّتها وديمقراطيتها في ذات الوقت، حيث انها تنصّ على أن الإسلام هو دين الدولة بما يقتضيه ذلك من دلالات.
ودعت الهيئة أعضاء المجلس الوطني التأسيسي إلى ضرورة مراعاة الدستور الجديد في مفاصله المختلفة لخصائص هوية البلاد وحفظها مذكّرة بأن تحقيق أهداف الثورة في تنمية جهوية عادلة ومقاومة الفقر والبطالة واجتثاث جذور الفساد والاستبداد تتطلب توحيد كل قوى شعبنا وتعبئة طاقته وتظافر جهوده من أجل ذلك».وذكر نجيب الغربي عضو المكتب التنفيذي لحركة النهضة المكلف بالإعلام أن هذا القرار اتخذ بعد نقاشات عميقة ومطولة خلال اجتماع الهيئة التأسيسية للحركة.وبهذا القرار تكون حركة النهضة قد حسمت الجدل الذي تعيشه البلاد منذ أسابيع حول مكانة الشريعة الإسلامية في الدستور الجديد الذي سيعدّه المجلس الوطني التأسيسي، «الشروق» رصدت ردود الفعل السياسية والقانونية على هذا القرار:
أحمد إبراهيم (رئيس حركة التجديد) : قرار ينهي «الانقسامات المفتعلة»
هذا قرار إيجابي يضع حدّا لانقسامات مفتعلة احتلّت صدارة الاحداث في الفترة الأخيرة، وهو قرار يكرس شبه الإجماع الوطني على الفصل الأول وسيسرع في عملية صياغة الدستور ويبعدنا عن الانقسامات.والمطلوب من حركة «النهضة» الملتزمة بالدولة المدنية أن توضح علاقتها بالمجموعات المتطرفة وأن تسعى إلى تدعيم التوافق الوطني والوقوف ضد كلّ المتاهات من عنف وتكفير وأن توضح الخط الفاصل بين الأطراف السياسية التي تجمعها الدولة المدنية وتتجنب المزايدات.والمطلوب أيضا أن تتظافر الجهود لضمان علوية القانون وضمان وضع حدّ للتعدي على المعتقدات وعلى الوحدة الوطنية.
خالد الكريشي (حركة الشعب) : إنهاء جدل عقيم والمطلوب مناقشة الفصل الثاني
هذه خطوة إيجابية تأتي في وقتها لتحسم الجدل العقيم الذي دخلنا فيه لأن الثورة لم تقم من أجل دولة إسلامية أو علمانية وما شاهدناه خلال الفترة المنقضية هو انزياح عن أهداف الثورة وانغماس في قضايا إيديولوجية عقيمة خاصة أن التشريع الحالي (القانون المدني وقانون الأحوال الشخصية وقانون الميراث وجل القوانين) مستمدّة من التشريع الإسلامي وهو ما يعني أنه لا حاجة إلى التنصيص على اعتماد الشريعة في الدستور.وقد كان من المفروض فتح نقاش حول الفصل الثاني من الدستور والتنصيص على أن تونس جزء من الأمة العربية تعمل على وحدتها في إطار المصلحة المشتركة ونحن نطالب بفتح نقاش حول هذا الفصل.وهذا القرار سيُكسبنا الكثير من الوقت لإنهاء الجدل والفوضى الإيديولوجية والانكباب على إعداد دستور توافقي وعلى استكمال أهداف الثورة الاقتصادية والاجتماعية الأخرى وضمان الانتقال الديمقراطي السلس.
رضا بلحاج (الأمين العام لحزب التحرير) : خطوة إلى الوراء... والثورة تقتضي التغيير
هذه خطوة لا تنهي الجدل بل تثيره، وهي تؤكّد أنه لا تغيير في تونس وأنّ الدستور سيكون نسخة شبه مطابقة للأصل من الدستور القديم من حيث المنهج والصيغة وفي النهاية ستكون الثورة كذبة كبيرة والذين انتخبهم الناس لإحقاق الحق وتغيير منهج كامل في الحكم لم يكونوا في مستوى تطلعات الشعب، فقد عشنا منهجا علمانيا على امتداد عقود ذقنا منه الويلات، أمّا إذا نزل السقف إلى هذه الدرجة فليتحمّل كلّ مسؤوليته.إن الباقي في صدور الناس هو أعظم وأوعى مما يفعله السياسيون من تحالفات وحسابات والحال أن الأصل في السياسة رعاية شؤون الناس بالأصل الذي يحكمهم أي العقيدة، ولكن ما نراه اليوم أننا لا نزال في منهج علماني وضعي لا يغيّر شيئا، فالثورة تقتضي إجراءات تغييرية فما قامت الصحوة الإسلامية عبر التاريخ من أجله لم يتحقق وبالتالي فإن المشروع الإسلامي لا يزال مفتوحا ونحن نحتفظ بحق الردّ كحزب وكشعب وكأمة من خلال سعينا إلى إقامة دولة الإسلام ودولة الحق التي ستغير المعادلة لا في الداخل فحسب بل في المنطقة والعالم.
الهاشمي الحامدي (تيار العريضة الشعبيّة) : قرار «النهضة» خيانة للتونسيين وللحركة الإسلامية
اعتبر رئيس تيار العريضة الشعبية للحرية والعدالة والتنمية الهاشمي الحامدي أن الموقف الذي اتخذته القيادة الحالية لحركة النهضة والرافض لاعتماد الإسلام مصدرا أساسيا للتشريع في الدستور الجديد «خيانة للتونسيين الذين منحوا أصواتهم لقوائم حركة النهضة في الانتخابات وهو خيانة أيضا لمبادئ الحركة الاسلامية المعاصرة في تونس» حسب تعبيره.ودعا الحامدي نواب حركة النهضة في المجلس التأسيسي الى التحالف مع نواب العريضة الشعبية وتشكيل كتلة نيابية قوية تعبر عن ميول أغلبية التونسيين الذين يريدون دستورا مدنيا ديمقراطيا يكون الاسلام فيه مصدر التشريع الأساسي وذلك على خلفية قرار حركة «النهضة» القاضي باعتماد الفصل الاول من دستور 59 الذي ينص على أن تونس دولة حرة مستقلة ذات سيادة الاسلام دينها والعربية لغتها والجمهورية نظامها.وأضاف الحامدي موجها كلامه لنواب حركة النهضة «أقول لإخواني وأخواتي نواب حركة النهضة في المجلس الوطني التأسيسي إن تأييدكم لموقف قيادتكم المعارض لاعتماد الإسلام مصدرا أساسيا للتشريع في الدستور الجديد يشبه دخول المصلين في الصلاة الجماعة من دون أداء تكبيرة الاحرام».
قيس سعيّد (مختص في القانون الدستوري) : موقف يُرضي الجميع
هذا موقف سياسي يُلزم «النهضة» وهو يرضي الكثير من التونسيين خاصة أن الآثار التي يمكن أن تترتب عن الفصل الأول من دستور 1959 يمكّن من الرجوع إلى أحكام الشريعة الإسلامية كما حصل ذلك في عدّة مناسبات في السابق عند وضع عدد من القوانين أو بمناسبة الموافقة على عدد من المواثيق الدولية، فالأمر إذن يمكن أن يُرضي «النهضة» وغيرها من الأطراف السياسية.أمّا من الناحية القانونية فهذا الفصل يكفي تونس مشقة البحث والنقاش في هذه القضية ويمكّن المجلس التأسيسي من ربح كثير من الوقت.