اعودة "بورقيبة مشروعة لأنه جزء من الفكر الإصلاحي التونسي عودة الدساترة الى الساحة السياسية أعاد الى السطح وبقوة ما يعرف بالبورقيبيين حتى أنه تمّ طرح البورقيبية كقوة سياسية معادلة لحكومة الترويكا.. قادرة على إحداث الموازنة السياسية التي فقدت بعد انتخابات 23 أكتوبر.. فهل يمكن اعتبار البورقيبية إيديولوجيا قائمة بذاتها وفكرا سياسيا له مرجعيته ومبادئه؟ ولماذا عادت البورقيبية من جديد إلى الطرح؟ وهل الواقع الاجتماعي والاقتصادي والثقافي والسياسي للمجتمع التونسي بإمكانه استيعاب طرح فكر سياسي ارتبط بواقع وظرفية مختلفة؟ بورقيبة كانت له خيارات إستراتيجية تحسب له بيّن فيصل الشريف أستاذ مختصّ في تاريخ تونس المعاصر أنه كمؤرخ أضع الحبيب بورقيبة كقائد في الظرف التاريخي الذي جاء فيه فهو شخصية سياسية حاربت المستعمر، وتشبع فكره في تلك الفترة بعديد الأفكار السياسية وخاصة منها اليسارية نظرا لدراسته في فرنسا وقد كرّس شرعيته التاريخية في مقاومة المستعمر لبناء الدولة التونسية ونيله الشرعية السياسية كما تبنى بورقيبة في تلك الفترة فكرا جديدا تجسّم في التحام النخبة السياسية مع القواعد الشعبية ونظرا لأن بورقيبة كان خطيبا جيّدا فقد مثل شخصية فذة خارجة عن التاريخ. وأضاف أنه حتى في فترة الصراع البورقيبي اليوسفي الذي كان أساسا صراع زعامات وليس صراع إيديولوجيات كانت شخصية بورقيبة الزعيم والسياسي هي الطاغية. أما عن إمكانية اعتبار الفكر البورقيبي إديولوجيا سياسية قال الشريف: ما قبل الاستقلال لم يكن لبورقيبة إيديولوجيا سياسية واضحة المعالم كان له هدف أساسي وهو مقاومة المستعمر واستلهم مساره من عديد الزعامات في تلك الفترة على غرار غاندي وكمال أتاتورك.. كما كان وليد عصره بتكوين صادقي يجمع بين الفرنكوفونية والعروبة، وشعبويا قريبا من جميع فئات ومكونات المجتمع.. وبعد 1956 عمل بورقيبة لمدة 15 شهرا على رفع الراية التونسية بدل الراية الملكية حتى إعلان الجمهورية في 25 جويلية وإنهاء الفترة الملكية التي دامت 252 سنة. وهنا نتساءل هل بنى بورقيبة فكرا سياسيا متكامل النسق لبناء ما يسمى بالدولة المدنية؟ وفقا لأستاذ تاريخ تونس المعاصر لا يمكن من خلال رؤية عامة خطية للمسار البورقيبي القول أن هناك فكرا سياسيا متكاملا وإيديولوجيا خاصة بالدولة التونسية.. فالرئيس الحبيب بورقيبة كانت له ثوابت سياسية يمكن لنا اعتبارها كخيارات بورقيبية إستراتيجية تحسب له دون شك وهي: اعتماد العلم والتكنولوجيا لبناء الدولة، الأمر الذي مكن تونس من تحقيق قفزة نوعية. تغليب الديبلوماسية على حساب المواجهة العسكرية والتسلح مع محاولته لإقامة علاقات متوازنة مع جميع الدول.. فلم يغلب دولة على حساب أخرى.. سياسة اجتماعية بخيارات إستراتيجية واضحة تقوم على مجانية التعليم والصحة ودعم الدولة الاجتماعي. استباقية دولية على المستوى التشريعي والقانوني ومن ذلك إقرار مجلة الأحوال الشخصية. وهذا لا يمنع من القول أن بورقيبة كانت له خيارات اقتصادية متذبذبة، اعتمد سياسة التعاضد ثم تراجع عنها.. ولم تكن له دراية كبيرة بالجانب الاقتصادي.. كما سقط في العشر سنوات الأخيرة في شخصنة الحكم وسيطرة الحكم الواحد ومسألة الولاء والطاعة. وهو ما سمح له بتأجيل الديمقراطية وتحضير الأرضية لدكتاتورية نظام بن علي، فقد مهد بصورة غير مباشرة للعقلية الأمنية.. والخطأ القاتل كان بتغيير الحبيب بورقيبة في مارس 1975 لفصل من الدستور والتنصيص على الرئاسة مدى الحياة. وأضاف: سياسة تونس ارتبطت بشخصية إيجابية للحبيب بورقيبة شخصية ثاقبة بنظرة مستقبلية يغلب العقل على العاطفة يرمي الى بناء أسس دولة قوية رغم محدودية ثروات البلاد. وفي نفس السياق رأى فيصل الشريف أن طرح البديل من خلال الفكر البورقيبي يطرح إشكال الفصل بين الشخص والفكر في حين أنه يمثل خيارا ذا أبعاد تاريخية قائمة على مبادئ قوة الديبلوماسية والتعليم والصحة ودعم الدولة الاجتماعي.. والتحدّي اليوم وفقا لمحدثنا يُطرح أكثر على منظري هذا الفكر أو التوجه البورقيبي فالنخبة السياسية لم تعد تؤمن بعبادة الشخص كما أن المراهنة على الفكر البورقيبي تستوجب قراءة متأنية وفرزا لما هو صالح تاريخيا في حقبة معينة وما يجب طرحه اليوم كبديل للواقع السياسي التونسي. القزدغلي: «بورقيبة جزء من فكر إصلاحي يمكن تناوله كتراث ثريّ». اِعتبر الحبيب القزدغلي الباحث في تاريخ تونس المعاصر: ز مرورنا بفترة مخاض وبحث عن حلول فقد أصبح كل شيء بعد الثورة محل إعادة نظر.. وطبيعي أن نعاود الحديث عن كل من كان لهم إسهام في بناء تونس.. وبورقيبة هو أحد رجالات الإصلاح التابع لحركة الإصلاح التونسية التي لها امتداد منذ القرن ال19 وتنقسم في الأصل إلى اتجاهين: 1 الإصلاح بالاعتماد على السلف الصالح وهي حركة إصلاحية تتميز باعتزازها بانتمائها العربي الإسلامي. 2 والحل الإصلاحي الذي يتبنى التحديث ويعدّ الحبيب بورقيبة أحد أقطابه. وأضاف القزدغلي في نفس الإطار أن: عودة بورقيبة طبيعية ومشروعة لأنه جزء من الفكر الإصلاحي التونسي وجزء من تونس الحديثة فيما يخص الدولة والتعليم والمرأة والصحة.. في حين لابدّ من تجاوز بورقيبة في مسائل مثل الديمقراطية لأنه لا يمكن أن يكون مرجعا في ذلك فقد كان يعتقد أن الاختلاف قد يكون عائقا أمام بناء الدولة وحداثتها، ويرى أن الديمقراطية تشتت الصفوف، وكان شعاره هو الوحدة الوطنية وبناء الدولة بهياكلها ومؤسساتها. فلا يمكن اعتبار بورقيبة إذن مفكرا سياسيا له إيديولوجيا قائمة بذاتها بقدر ما يمكن تناوله كتراث ثريّ وتيار فكري إصلاحي وعملية بعثه من جديد كأحد الرموز تعدّ تعبيرا على تواجد تيار إصلاحي حداثي يختلف مع أيّة محاولة للعودة بالمجتمع التونسي الى الوراء. ورأى الباحث في تاريخ تونس المعاصر أن المطلوب هو تطوير هذا الفكر الإصلاحي لبورقيبة والاستفادة من عبقرية شخصيته وذلك بتجاوز السلبيات على مستوى الممارسة وليس الفكر والتي يمكن تلخيصها في: الحزب الواحد: فالتحديث يمكن أن يكون في إطار الاختلاف على عكس ما يعتقد بورقيبة من أنه لا يكون إلا في إطار الحزب الواحد. الزعامة وعبادة الفرد والرئاسة مدى الحياة: لا يمكن أن تكون مرجعا لبناء نظام ديمقراطي. ممارسة نظام الحزب الواحد بالعقلية الأمنية رغم أن الدستور التونسي لم يكن فيه تنصيص على ذلك.