بقلم: كيلاني بن نصر ليس من باب المجاملة أو التقرب للنهضة أن يقع التطرق لنجاحاتها و يأتي هذا بعد سلسلة من الانتقادات الموجهة إليها و التجاذبات حتى أصبح من الصعب على الملاحظ المستقل التمييز بين من هو صادق و ملتزم وبين معارض واع ومن أصبح محترفا في الشغب تحت راية الدفاع عن الحرية وفي ما يلي محاولة لتوضيح هذه المواقف. بمجرد سقوط نظام بن علي فهمت حركة النهضة انه بإمكانها العودة لتأخذ بزمام السلطة في تونس وتقود البلاد طبقا لإستراتجيتها و هو ما حصل فعلا حيث نجحت في إقناع التونسيين ببرنامجها و فازت الأولى عن جدارة في انتخابات المجلس التأسيسي الذي تولد عنه نظام سياسي شبه برلماني اضطلعت فيه الحكومة المؤقتة بجميع الصلاحيات تقريبا وهو أمر عادي و معقول. لقد استغلت النهضة الفترة ما بين سقوط النظام و انتخاب المجلس التأسيسي أحسن استغلال حيث قامت بمجهود واضح على المستويين الداخلي والخارجي لتحضير فترة ما بعد 23 أكتوبر وبدأت الحركة عملها في غمرة من التفاؤل و الخوف من الإخفاق. الرهانات للنهضة برنامج طموح وهو تونسي صرف يتمثل في التركيز على المجتمع لتوحيد ثقافته العربية الإسلامية وتخليصها من التبعية و ذلك ببناء نموذج فيه مواصفات الحداثة و التواصل مع المجتمع الدولي من ناحية تكون قاعدته مرتبطة ارتباطا وثيقا بروح الإسلام و تعاليمه من ناحية أخرى وهي نظرية منطلقها أن الدين الإسلامي كان ولا يزال قادرا على بناء دولة قوية وأن تونس هي مهد حضارات و دول كانت مترامية الأطراف والتاريخ يعيد نفسه ولا يغيب عن قادة النهضة أنهم مهما تفاءلوا واشتد عزمهم فان الدول العظمى الغربية مثلما جنت بتدخلها تحت شعارات مختلفة على دول نامية أخرى سوف لن تكف عن التدخل في الشأن التونسي كما لا يغيب عنهم أيضا أن بعض الدول الإسلامية الصديقة لتلك الدول العظمى حتى وان نجحت فذلك يعود خاصة لامتلاكها لثروات وموارد طاقة هائلة لا تملكها تونس ورغم ذلك تتشبث النهضة بإستراتيجيتها و بتحالفاتها التي لم تعرفها البلاد سابقا و يعتبر هذا رهانا من الوزن الثقيل في تاريخ سياسة تونس الخارجية وعلى الصعيد الوطني لم تكن النهضة راضية عن الحالة التي وجدت عليها الدولة التونسية بعد الثورة وهي تراهن من خلال أعضائها الممثلين للأغلبية في الحكومة المؤقتة على الإصلاح الجذري التصاعدي والطويل النفس للإدارة التونسية في كل المجالات تقريبا رغم الصعوبات منها تهاون عدد كبير من الموظفين غير العابئين بالنهضة وببرامجها وتقاعسهم في عملهم من جهة وعدم قدرة المسؤولين الجدد الموالين للنهضة على تسيير دواليب الدولة رغم صدق عزمهم من جهة أخرى حيث تنقصهم التجربة إضافة إلى حواجز و عراقيل أخرى خارجة عن نطاق النهضة. نجاحات النهضة خلافا للأحزاب الأخرى نجحت النهضة في اقل من سنة في تحضير مشروعها حيث ركزت في البداية على الانتخابات ومهدت للمرحلة الموالية فحافظت الحكومة على علاقات احترام وتقدير مع الجيش و مع اغلب هياكل الأمن كما تصرفت بنجاح مع الوضع الخطير في ليبيا ولم تذعن للضغوطات الخارجية وساهمت ولا تزال تساهم على طريقتها في انعتاق وتحرير الشعوب المضطهدة باعتبارها وليدة الثورة التونسية. وبعد 23 أكتوبر بدأت النهضة تتأكد من أن إستراتيجيتها صائبة و على اثر تنصيب الحكومة المؤقتة تبين لقادتها أن رؤيتهم للمشهد السياسي الاجتماعي التونسي واقعية وان عملا شاقا ينتظرهم وأن الثورة وان نفضت الغبار عن التونسيين الذين استبشروا بالحرية فان عددا كبيرا منهم تفاعل معها سلبيا بل و تمرد على القانون وهو ما حدث في كل ثورات العالم. لقد ورثت الحكومة المؤقتة عن بن علي وضعية وتيقنت أنها لا تملك حلا سحريا ولا الوسائل لحل كل المشاكل الاجتماعية في وقت واحد. الحملة ضد النهضة تواجه النهضة غضبا متزايدا من أحزاب المعارضة التي فوجئ البعض منها بنتائج هزيلة في انتخابات المجلس التأسيسي وبقيت عناصر منها تكيد بكل الطرق لإسقاط الحكومة المؤقتة ووصل ببعضهم الأمر إلى حد التآمر لإسقاط حكومة الائتلاف المؤقتة و لا يزال هؤلاء يحاولون تجييش الطبقة المثقفة و بقايا النظام السابق وجيوب الردة من الأغنياء ضد أعضاء الحكومة من النهضة و يبدو أن غضب بعض أحزاب المعارضة تضاعف بعدما تأكدت من أمرين أولهما أن النهضة عازمة على تطبيق برنامج متماسك مختلف تماما مع برامجها وثانيهما أنه لو صادف أن نجحت تلك الأحزاب في الانتخابات فهي لن تكون أكثر كفاءة وقدرة على تحمل مسؤولية الدولة من النهضة. ومن المفروض أن يعطى كل ذي حق حقه كما أن كل حكم على مردود أعضاء الحكومة الانتقالية من النهضة هو سابق لأوانه لكن يمكن تقييمه بالايجابي إذا اعتبرنا أن للنهضة برنامجها وهو معد للمستقبل البعيد وغايته القطع نهائيا مع الماضي وبالتالي إن كل إسراف في التهجم على النهضة والسعي لعرقلتها هو عرقلة للبلاد بأكملها. إن التجني غير المبرر على حركة النهضة من قبل المعارضة و من بعض وسائل الإعلام سيقلص من عمل الحكومة الانتقالية و يلهيها عن بلوغ أهدافها كما سيزيد في تفقير المواطن البسيط و تجدر الإشارة هنا إلى أن رافعي راية الدفاع عن الحرية و عددا كبيرا منهم ممن عملوا مع النظام السابق أو كانوا في المعارضة يعيشون حياة مترفة وربما لا تهمهم حالة التونسي البسيط بقدر ما تروق لهم لعبة السياسة و لو كانت على حساب الدولة ولا احد بمقدوره التنبؤ بما قد يقع مستقبلا في البلاد لكنه من المؤكد و مما لا شك فيه أن سقوط الحكومة المؤقتة قبل نهاية مدتها سيؤدي إلى كارثة في البلاد لان النهضة ستستميت في الدفاع عن برنامجها و لذا فمن واجب العناصر الوطنية داخل المعارضة الترفع و تجاوز الفكر الحزبي الضيق و مساعدة النهضة بالنقد البناء حتى لا يتلاشى مصير البلاد وهي الطريقة المثلى لربح الوقت في الإصلاح لا في تشجيع التظاهر في شارع بورقيبة أو الاعتصام في مداخل المدن و القرى و تأليب المواطن ضد الأمن و من يظن أن عون الأمن في الدول الديمقراطية مسالم ولطيف مع من يخالف القانون فهو إما يجهل الحقيقة أو لا تهمه مصلحة البلاد. هذا و يجوز التفكير الآن في احتمال تغيير الحكومة الحالية إن فشلت لكنه لا يجب السعي إلى ذلك عنوة وعلى حساب المصلحة العليا للبلاد في حين لم تمض مدة طويلة على تنصيبها ويكمن الحل في تركها تتحمل مسؤوليتها وسوف يتضح جليا للشعب دون أن يحرضه احد إذا أصبحت الحكومة حقا عاجزة ويكون الجميع على بينة من الأخطاء المرتكبة و تعيد النهضة السلطة بطريقة حضارية كما تسلمتها،