القاهرة :يضعف غياب الشعارات الاسلامية عن الثورة التونسية المؤيدة للديمقراطية حجة الكثير من الحكام العرب المستبدين الذين يقولون انهم يحولون دون وصول الاسلاميين الاصوليين للحكم.وأمضى الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي معظم فترة حكمه التي امتدت 23 عاما في سحق الجماعات الاسلامية المعارضة التي كانت مناهضة للنظام العلماني الصرف الذي طبقته حكومته. بعد هجمات 11 سبتمبر ايلول 2001 أصبح من الداعمين المتحمسين "للحرب على الارهاب" التي شنتها واشنطن. لكن الادلة التي ظهرت على مدى الاسبوع المنصرم تشير الى أن الشعارات التي ترددت قبل سقوطه لم تطالب بتطبيق الشريعة الاسلامية بل باجراء انتخابات نزيهة وحرية التعبير. وقالت امل بوبكر المتخصصة في شؤون شمال افريقيا بكلية العلوم الاجتماعية (اي. اتش.اي.اس.اس) في باريس "الدرس مما يحدث في تونس هو أن (الزعماء العرب) لن يستطيعوا ان يختبئوا اكثر من هذا وراء حجة تهديد الاسلاميين." ولم يتضح بعد ما اذا كان الاسلاميون التونسيون الضعفاء سيستطيعون كسب تأييد شعبي كبير في حالة عدم حظر نشاطهم والسماح لهم بخوض انتخابات حرة. وحتى الان تركزت الشكاوى من الحكومة المؤقتة التي تشكلت بعد فرار بن علي الى السعودية على انها تضم وجوها كثيرة من النظام القديم وليس غياب الاسلاميين. وقال المحلل السياسي المصري نبيل عبد الفتاح ان الاسلاميين لم يستطيعوا أن يحملوا هموم ورغبات الاغلبية العظمى من الشعب التونسي خاصة الطبقة المتوسطة التي اختارت الحرية والعدل. ويسبب هذا احراجا فيما يبدو للحكومات الغربية التي قضت عشرات السنين في تبرير دعمها لبن علي وغيره من حكام العالم العربي العلمانيين الاقوياء من خلال الاشارة الى أن البديل ثورة اسلامية على الطراز الايراني. واستخدمت حكومات مثل سوريا ومصر والجزائر خطر الاسلاميين لتبرير السياسات الامنية الصارمة وتطبيق قوانين الطواريء التي قوضت الحريات المدنية وأتاحت صلاحيات واسعة للتفتيش والاعتقال والسجن دون محاكمة. ولطالما قال المدافعون عن الحريات المدنية ان تهديد الاسلاميين حجة واهية للتخلص ليس فقط من الاسلاميين بل من جميع التحديات لسيطرة النخب الحاكمة. وقال هيو روبرتس خبير شؤون شمال افريقيا "رأينا هذا في مصر حيث يجعل النظام من المستحيل على قوى المعارضة السياسية العلمانية تحقيق اي شيء ليخبر الغرب اما الاسلاميون او نحن." ويقول محللون ان الحكام العرب ربما يردون بتهدئة الخطاب المناهض للاسلاميين والتحول الى التحذير من خطر الفوضي الاجتماعية من جراء ارتفاع نسب البطالة. والاسلام السياسي يبدو ضعيفا في تونس وهي دولة ثرية نسبيا تملك نظام تعليم قويا وتربطها علاقات وطيدة بفرنسا العلمانية مقارنة بجيرانها العرب. وكان زعماء حركة النهضة وهي حركة اسلامية معتدلة في تونس قد عبروا عن استعدادهم للتعاون مع الحكومة المؤقتة وليس الاطاحة بالمؤسسات العلمانية بالبلاد. وحظرت السلطات التونسية حركة النهضة في اوائل التسعينات بعد اتهامها بتدبير مؤامرة عنيفة لاسقاط الحكم العلماني. وتمت محاكمة المئات من أنصار النهضة في تونس في التسعينات في حين فر اخرون الى اوروبا. وتنفى الحركة التي قال زعيمها الذي يعيش في المنفى راشد الغنوشي انه يعتزم العودة الى تونس السعي الى اللجوء للعنف. ويعتبر بعض المحللين أن فكرها يتفق مع فكر حزب العدالة والتنمية المعتدل ذي الجذور الاسلامية الذي تولى الحكم في تركيا في عام 2002 . وفي محاولة لاستغلال الاضطرابات في تونس دعا تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الاسلامي ومقره الجزائر الشبان التونسيين الى الانضمام للتدريب مع مقاتليه في الجزائر. لكن محللين يقولون ان الجماعة لا تتمتع بتأييد يذكر حتى في الجزائر. وقال كميل الطويل المحلل المتخصص في شؤون تنظيم القاعدة انه في حين أن أعدادا صغيرة من الشبان التونسيين الصغار الغاضبين ربما يشعرون باغراء في نهاية المطاف فان من الواضح أن المتظاهرين مواطنين عاديين يحتجون على الاستبداد وان جاذبية القاعدة لن يكون لها أثر. وعزز الصراع بين اسرائيل والفلسطينيين وغزو الولاياتالمتحدة للعراق وأفغانستان الرسالة التي يروج لها المتشددون الاسلاميون في أنحاء المنطقة وهي أن الغرب يشن حربا على المسلمين. وحتى في تونس باتت المساجد ساحة للاحتجاج السياسي وتبنى بعض الشبان التونسيين لغة التمرد التي تستلهمها من الجماعات السلفية وحركة الاخوان المسلمين المصرية. وقال مايكل ويليس من جامعة اوكسفورد "حدث نمو في تونس لما يمكن تسميتها مظاهر التقوى الشعبية." واضاف "لكن الكثير من التونسيين يعتبرون هذا احتجاجا على النظام لان بن علي كان معارضا للحجاب." وقالت بوبكر "المعارضة الاسلامية ليست مثلما كانت منذ 20 عاما. الكثير من الشبان لا يعرفون من يكون راشد الغنوشي." وفي أجزاء أخرى من العالم العربي بات الاسلاميون المعتدلون جزءا من الساحة السياسية ويروجون جميعا لقيم الحرية والديمقراطية في العلن على الاقل. وقال الشيخ حمزة منصور رئيس حزب جبهة العمل الاسلامي في الاردن لرويترز "نأمل أن تتوج انتفاضة (تونس) الشعبية بنظام ديمقراطي تعددي يضمن للجميع حقوقهم." وقال حزب العدالة والتنمية المغربي معلقا على الاحداث في تونس ان تحقيق الاستقرار والرخاء مرتبط باحترام الخيار الديمقراطي وارادة الشعب. ورحبت حركة الاخوان المسلمين المصرية بالاطاحة بالرئيس بن علي في تونس وقالت ان مصر تعاني من الكثير من المشاكل التي تعاني منها تونس. وترفض الجماعة التي هي اكبر قوة معارضة في البلاد ويرى بعض المحللين أنها قادرة على حشد الاف المؤيدين مواجهة الحكومة في الشوارع. (رويترز)