بعد «هدنة» نسبية، بدت معها ومن خلالها القارة الافريقية، وكأنها قد قطعت مع أسلوب الانقلابات العسكرية كطريقة للوصول للحكم.. بل وبعد أن بدأت بعض البلدان الافريقية تعرف بالفعل تجارب ديمقراطية واعدة بشّرت ببداية عهد افريقي جديد، قوامه التداول الديمقراطي والسلمي على السلطة (السينغال المغرب تونس)، يبدو أن الحنين الى زمن الانقلابات والسطو العسكري على الحكم لايزال قائما في نفوس بعض العسكريين في هذا البلد الافريقي أو ذاك.. فها هي الأخبار القادمة من غينيا بيساو، تشير الى أن عسكريين في هذا البلد الافريقي، قد بدأوا منذ يوم الخميس الماضي في تنفيذ محاولة انقلابية، وذلك بعد أقل من شهر من انقلاب مالي بتاريخ 22 مارس 2012!!! الانقلابيون في غينيا بيساو عمدوا كعادة كل طغمة عسكرية تسطو على الحكم الى السيطرة على أهم المباني الحيوية والحكومية (الاذاعة والتلفزيون ومقر رئيس الوزراء والقصر الرئاسي..)، فضلا عن اعتقال عدد من الشخصيات السياسية والأمنية البارزة، بدءا برئيس الوزراء كارلوس غوميز جينيور، وصولا الى قائد الشرطة القضائية، مرورا بوزير الداخلية فرناندو غوميز.. ولأن شر البلية ما يضحك كما تقول العرب فإن بين انقلابيْ مالي وغينيا بيساو المتزامنين، أوجه شبه تبدو بالفعل طريفة ومضحكة.. فمثلما لم يصبر العسكريون في مالي على الرئيس الشرعي للبلاد، وأطاحوا به قبل أيام قليلة فقط من انتهاء ولايته الدستورية، ها أن انقلابيي غينيا بيساو يستبقون بدورهم الأحداث ويعتقلون رئيس الوزراء السابق غوميز جينيور، المرشح الأبرز للفوز بمنصب رئيس البلاد في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، التي كان مقررا أن تجرى بتاريخ 29 أفريل الجاري.. علما أن غوميز كان قد اقترب من الحصول على الأغلبية المطلقة من الأصوات، في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية التي جرت خلال شهر مارس الماضي.. على أن أهم دلالة يستبطنها انقلابا مالي وغينيا بيساو، وخاصة توقيتهما (الانقلابان وقعا عشية الموعد الانتخابي الجديد)، تتمثل في أن منفذيها من العسكر لا تحركهم فقط رغبة مرضية وجشع في الوصول الى الحكم، وإنما أيضا عداء متأصل للعملية الانتخابية والخيار الديمقراطي المدني ذاته.. وإلا ماذا يعني هذان الانقلابان الاستباقيان المضحكان، اللذان قطع من خلالهما العسكر في كل من مالي وغينيا بيساو، وفي اللحظات الأخيرة، الطريق على الممارسة الديمقراطية والخيار الشعبي الحر؟! أمر آخر مضحك وطريف أيضا، كشف عنه انقلاب غينيا بيساو، ويتمثل في أن وقوعه صادف نفس اليوم الذي كانت فيه المجموعة الاقتصادية لدول غرب افريقيا تعقد اجتماعا لها بالعاصمة الإيفوارية أبيدجان خصصته لبحث الأزمة في مالي؟!! وزير خارجية كوت ديفوار دانيال كابلان دونكان الذي ترأس الاجتماع، قال لوسائل الاعلام أن منظمة المجموعة الاقتصادية لدول غرب افريقيا «تدين رسميا وبحزم محاولة الانقلاب في غينيا بيساو»، وذلك قبل أن يضيف: «وكما تعاملنا بحزم مع قضية مالي بعد انقلاب 22 مارس، سنتعامل أيضا بحزم مع ملف غينيا بيساو». نأمل ذلك.. وفي انتظاره لا يسعنا إلا أن نقول: كل انقلاب وأنتم بخير سيدي الوزير!!!