- عندما انتشرت الاعتصامات وعمّ الاحتقان في جل المناطق المحرومة بعد أسابيع من أخذ الحكومة الحالية بزمام الأمور أطل وزير التنمية الجهوية محملا بمشاريع تنموية ودراسات جاهزة لا يمكن الانطلاق في تنفيذها الا بفك هذه الاعتصامات فكان له ذلك. خمدت نار الاحتقان وتراجعت وتيرة الاعتصامات وانعدمت في عديد المناطق لكن بعد أسابيع أخرى وبعد أن تجاوزت الحكومة مدة المائة يوم لاشيء تحقق مقابل اتساع دائرة البطالة والتهميش في الجهات التي كنا نتحدث عنها وهو ما أدّى الى عودة الاحتقان لكن أطل علينا نفس الوزير منذ أيام ليعيد سَرْدَ نفس المعوقات ويضيف عليها أخرى جديدة تتعلق بالادارة كضعف التنسيق وتعدد المتدخلين في وقت تحاول فيه الحكومة وتحديدا شقّ منها اختراق مفاصل الدولة والمجتمع بتعيين المواطنين المتحزّبين من ولاة ومديرين عامين لمؤسّسات رئيسية وفي وقت تم فيه تعيين 40 معتمدا تحت تعتيم اعلامي كبير والدور آت على العمد الذين انطلقت حملة ضدهم منذ فترة وقيل إن أغلبهم تجمعيون.. أي أننا في نهاية الأمر نزعنا ألوانا سابقة وغيرناها بألوان أخرى جديدة زرقاء ناصعة باعتبار أن هذا اللون ضد الحسد. إنها لمفارقات عجيبة في السنة الأولى ديمقراطية والسنة الأولى «تحضيري» في حكم الترويكا فبعد أن انتقدنا حكومة الباجي قائد السبسي التي نفذت 600 ترقية وتسمية خلال ال 15 يوما التي قدمت فيها استقالتها نكتشف ان هناك مساعيَ حثيثة لحكومة غير مفوضة لاتخاذ اجراءات مماثلة تأتي أكثر من صنيع الحكومة السابقة بتسميات وتعيينات تمس من ثوابت الدولة ومركزية الادارة في محاولة التغلغل داخل مفاصلها، فباسم الشرعية ينفذ كل شيء الا المشاريع التنموية التي نحتفظ بها في الدرج لنخرجها في كل مرة لتسويق أحلام اليقظة والتمطيط في بصيص أمل قد لا يتحقق حتى انتهاء الفترة المحددة لهذه الحكومة.. فقد تحتاج هذه المشاريع في الحملة الانتخابية المقبلة باعتبارها من نوعية غلال الأربعة فصول: ميليشيات منتشرة ضد الاعتصامات والمظاهرات وحق التعبير عن الرأي ..تعيينات خفية وأخرى علنية للموالين... دائرة الحيف والفقر تتسع..الاحتقان يشتدّ من يوم الى آخر وضلعا الترويكا يتفرجان ولا يتحملان مسؤوليتهما تجاه ما يحدث حتى أصبحنا نتحدث عن «حكومة النهضة» التي تقرر وتنفذ وحكومة الترويكا التي تمثل ظِلاّ لها ولم يبق الا أن تحمّل المسؤولية في عدم كتابة أي فصل من الدستور لاعتصام كتلة العريضة داخل المجلس التأسيسي التي انقلبت عليها «ترويكا» المجلس.. بطء في الادارة ومديرون ومسؤولون لا يقرّرون ولا يتحرّكون وفق خبرتهم خشية تخوينهم واتهامهم بالفساد.. وتعيينات لمعتمدين وولاة ومسؤولين ومديرين عامين متخرّجين لا يعرفون «كوع» التسيير من «بوعه».. بل لا يعرف أغلبهم الأبواب الرئيسية للإدارات التي ينتمون اليها وفي النهاية نحمّل مسؤولية تعطل المشاريع للإدارة والاعتصامات وذلك لنلفت الأنظار عن التغلغل في الإدارة ونؤلّب عليها الأفواه الجائعة لنبرر هذا التغلغل.. إنها قمة الحرفية وبالتالي لا مجال للحديث عن حكومة مبتدئة حتى لا نناقض أنفسنا.. هي حكومة محترفة... وبعض الفاعلين فيها «يتعلمون الحجامة في رؤوس اليتامى»... فعلا اليتامى هم أبناء تلك الجهات المسحوقة الممحوقة التي عاشوا فيها التهميش مع أجدادهم وآبائهم وليسوا على استعداد لتعيش أجيالهم المقبلة هذا الحيف والبقاء على هامش الحياة.. نحن نسائل هذه الحكومة والأحزاب التي لا يوجد فيها أي شهيد.. فهذه الجهات ضحت بفلذات الأكباد فلا مجال لأن نعيش التسويف من جديد.. حذار فالحمم البركانية لا تحدّد موعدا للانفجار...