بعث تفعيل وزير العدل نور الدين البحيري لأحكام القانون عدد 17 لسنة 87 المؤرخ في 10 أفريل 1987 والمتعلق بالتصريح على الشرف لمكاسب أعضاء الحكومة وبعض الأصناف العموميين، الاطمئنان في نفوس بعض التونسيين لكونه يكرّس مبادئ الشفافيّة ويحدّ من انتشار الفساد في حين أنه أثار استنفار البعض الآخر لكونه يعتبر «صوريّا» وذا فاعليّة زائفة. فمن هم الأشخاص الخاضعون لهذا التصريح في الحكومة المؤقتة؟ هل التزموا جميعا بالتصريح على الشرف بممتلكاتهم؟ لماذا لم يقع إلى اليوم الإعلان عن ممتلكات هذه الفئة لعامة الشعب؟ ماهي الأسباب التي دفعت فئة من التونسيين إلى اعتبار هذا القانون صوريّا؟ كلّ هذه التساؤلات طرحتها «الأسبوعي» على القاضيين بدائرة المحاسبات عبد الخالق بوجناح وزهرة خيّاش باعتبار أنّ دائرة المحاسبات هي الجهة المخوّلة قانونا لتلقي هذه التصريحات. حسب القانون عدد 17 لسنة 87 ، فإنه يخضع للتصريح على الشرف بالمكاسب كلّ من أعضاء الحكومة والقضاة والسفراء والولاة ورؤساء المؤسسات الأمّ والمؤسسات الفرعية، ويستوجب على هذه الأطراف القيام بتصريح على الشرف بمكاسبهم وبمكاسب كلّ من أزواجهم وأبنائهم القاصرين. كما يخضع لهذه التصاريح أعضاء الدواوين الوزارية والكتاب العامون للوزارات والمديرون العامون ومديرو الإدارة المركزية والقناصل العامون والقناصل والمعتمدون الأوّلون والكتاب العامّون بالولايات وبالبلديات والمديرون العامون بالإضافة إلى المديرين العامين المساعدين والمديرين بالمؤسسات الأمّ والمؤسسات الفرعية وأعوان إدارة التجارة وأعوان الإدارة الجبائية وكذلك كل عون للدولة أو الجماعات العمومية المحلية أو المؤسسات العمومية الإدارية يقوم بمهام آمر صرف أو محاسب عمومي. وتلتزم هذه الأطراف بتقديم التصريح على الشرف في مدّة شهر منذ توليها المنصب وكلّ خمس سنوات في صورة بقائهم بوظائفهم أو عند انتهاء مهامهم. وفي صورة عدم الالتزام بذلك، قال القاضي بدائرة المحاسبات عبد الخالق بوجناح ل»الأسبوعي»: «في هذه الحالة، يتعرّض المخالف إلى عقوبات كدفع خطية مالية أو الإقالة من الوظيفة». كما أشار إلى أنّ دائرة المحاسبات لا تتولى عمليّة مطالبة الأطراف المعنية بوجوب تقديم التصاريح، «فذلك ليس من مهامنا، ولكن بإمكاننا الاجتهاد وإعلام الوزير المشرف على هيكل معيّن، فله القدرة على إلزامهم بتقديم التصاريح في الآجال»، على حدّ قوله. التأسيسي معفى! وردّا على سؤالنا حول تقديم أعضاء المجلس الوطني التأسيسي للتصاريح على الشرف بالممتلكات، ذكر محدّثنا أنهم غير مطالبين بذلك. وهو ما أكدته زميلته زهرة خيّاش قائلة: «إنّ المناصب التي تكون عرضة للفساد والرشوة هي التي تستوجب تصاريح على المكتسبات، ولكنّ أعضاء التأسيسي لا يتصرّفون في أموال عموميّة ولا يسندون أيّ نوع من التراخيص، فمهمّتهم الأساسيّة هي وضع دستور للبلاد». وأشارت في هذا الصدد إلى بعض الدول الأجنبيّة التي تفرض على نواب الشعب تصريحا على الشرف بالممتلكات. وعن مدى التزام أعضاء الحكومة وبقيّة المعنيّين بتقديم التصاريح على ممتلكاتهم، أكد محدّثانا عدم علمهما بذلك باعتبار أنّ مهمّة دائرة المحاسبات تقتصر على تلقي التصاريح وحفظها. إذ قال القاضي بوجناح: «يقع تقديم التصاريح في ظرف مغلق باسم الرئيس الأول لدائرة المحاسبات الذي يتولى الإمضاء على الوثائق، مما يثبت تسلمه إياها، ثمّ يحفظها في الخزائن». من جهتها، ذكرت القاضية خياش ل«الأسبوعي»: «القانون يحجّر على القضاة بدائرة المحاسبات الاطلاع على محتوى التصاريح على الشرف بالممتلكات باعتبار أنها تتضمّن معطيات شخصيّة، ولا يقع الاطلاع على هذا المحتوى إلا بطلب من القضاء العدلي الذي لا يتحرّك إلا على إثر تقديم شكوى لها علاقة بممتلكات المشكوك فيه، فالمراقبة لا تتمّ بصفة آليّة». حقيقة الثغرات القانونية إن النقطة الأولى التي تجلب الاهتمام في هذا القانون هي أنّ رئيس الدولة وأفراد عائلته بالإضافة إلى رؤساء المجالس البلدية وأعضائها غير ملزمين بتقديم تصاريح على الشرف بالمكتسبات. وهو ما اعتبره القاضي بدائرة المحاسبات عبد الخالق بوجناح «ثغرة قانونية كبيرة»، على حدّ قوله، باعتبار أن رئيس الدولة ذو مكانة في البلاد وله القدرة على فرض سيطرته وقضاء شؤونه في ظلّ تجاوز واضح للقانون، ويبقى بن علي أفضل مثال على ذلك». كما اعتبرت القاضية زهرة خياش أنّ إعفاء الأبناء الرشد من التصريح على الشرف بممتلكاتهم من بين الثغرات القانونية «باعتبار أن القانون يلزم الأبناء القصّر فقط»، كما سبق وذكرنا. ودعت محدّثتنا في هذا الإطار إلى وجوب ضبط قائمة الأشخاص الملزمين بالتصريح على ممتلكاتهم، قائلة: «يجب اعتماد منهجية انتقائيّة، فلا بدّ من إعفاء بعض الأشخاص من القيام بذلك خاصة الذين لا يتصرفون في أموال مرتفعة، فمديرو المعاهد مثلا ملزمون بذلك الإجراء رغم أننا ندرك جميعا مدى ضعف الميزانية المخصصة للمعاهد». وندّد محدّثانا بعدم وجود هيكل يتولى مراقبة الممتلكات خاصّة عند انتهاء مهام الشخص المعني، فلا يمكن لأحد الاطلاع على محتوى التصريح على الشرف باستثناء القاضي العدلي، وهو ما يجرّنا إلى السؤال التالي: لماذا يقع فرض تقديم تصريح على الشرف بالممتلكات ما دامت المراقبة غائبة؟ ولماذا لم تجتهد الحكومة الحالية أو لجان التشريع في إجراء تعديل على القانون المتعلق بالتصريح على الشرف بالممتلكات خاصّة أنّ الثغرات باتت واضحة؟