وعود كثيرة بالاستثمار في بلادنا في شتى المجالات كانت متأتية من العديد من الجهات أبرزها خليجية، لكن في ظل بقائها وعودا -وحتى ما وقع توقيعه من اتفاقيات لم يثرِ جدول أعمال المشاريع (متى ينطلق، ومدة بعثه على الأرض..) - لا تزال بدورها حبرا على ورق في نظر شعب ضاقت بجزء من فئاته الحال. وفي ظل هذا الوضع تساءل كثيرون حول لجوء الدولة إلى رجال الأعمال المحليين، بمن فيهم ال460 الممنوعون من السفر، ليكونوا طوق النجاة لاقتصاد يعيش ظروفا صعبة دون نسيان محاسبة المذنب منهم. فأيّة مشاريع أنجزت على الأرض إلى حدّ الآن، وهل من صيغة لحل مشكل رجال الأعمال الممنوعين من السفر للنهوض بالاقتصاد الوطني؟ تعدّ نسبة الاستثمار الخارجي قرابة 20 % (أي ما يعادل خلق 320 ألف موطن عمل) من المساهمة في التنمية الاقتصادية، لتكون النسبة الأكبر للنهوض بالاقتصاد من مشمولات المستثمرين المحليين. أما عن أبرز الجنسيات المستثمرة في بلادنا فهي فرنسية وإيطالية وألمانية وبلجيكية. الاستثمارات والمجلة الموحدّة ينقسم الاستثمار الخارجي إلى الاتفاقيات مع الهيئات والمؤسسات الوطنية (كالاتفاقيات مع الوزارت أو الشركات الوطنية..) والاستثمارات الأجنبية المباشرة الخاضعة للمجلة الموحدة لتشجيع الاستثمارات (قانون عدد 120 المؤرخ في 27 ديسمبر 1993) والتي تعامل المستثمر الأجنبي كالمحلي، خاصة على مستوى الامتيازات، والتي تكون بدورها على مستوى المشاريع وليس على أساس الجنسية. وعملا بما نصّت عليه المجلة فقد سجلت تونس في الثلاثية الأولى من سنة 2012 بخصوص الاستثمارات الأجنية المنجزة على الأرض ودخولها حيّز العمل حوالي 24 مشروعا جديدا، مكنت من خلق 1792 موطن عمل (أي بنسبة 15.8 % من مجموع مواطن العمل التي تمّ خلقها خلال نفس الفترة من سنة 2011). اِرتفاع في الثلاثية الأولى أكدت مصادر بوكالة النهوض بالاستثمار ل»الأسبوعي» انه وفي غضون الأشهر الثلاثة الأولى من السنة الحالية بلغت قيمة الاستثمار الخارجي 440.6 مليون دينار تونسي مقابل 338.5 مليون دينار تونسي من نفس الفترة في سنة 2011، في حين سجل انخفاضا في حدود 7.4 % مقارنة بحجم الاستثمارات في سنة 2010 والتي بلغت حوالي 475.6 مليون دينار تونسي. وما يمكن ملاحظته من خلال هذه الأرقام والنسب هو تطور الاستثمارات الخارجية في 2012 حيث بلغت 28.3 % مقارنة ب2011 وبانخفاض في حدود أقل من 9.7 % في السنة قبل الماضية أي في 2010. إن تحليل تدفق الاستثمارات الخارجية حسب المجالات الاقتصادية يكشف تركيزا على قطاع الطاقة التي بلغت قيمة الاستثمارات به 250 مليون دينار تونسي والصناعات التحويلية التي بدورها قد بلغت حوالي 93.8 مليون دينار تونسي. عموما فإن المشاريع المتواجدة على الأرض والتي بدأت فعليا في العمل فهي في مجال الصناعات الميكانيكية والكهربائية والخدمات والصناعات التحويلية. تأثير سلبي لقد شهدت بعض المشاريع تذبذبا في نسق عملها خلال شهر مارس المنقضي بسبب العديد من الاعتصامات من هنا وهناك والتي أثرت سلبا على المستثمر الذي كان بين خيارين إما تأخير انطلاق المشروع أو إلغائه تماما. كما أن الاعتصامات التي شلت بعض المرافق الحيوية كالموانئ أو بعض الإدارات ذات الصلة قد أثرت بدورها بشكل سيّئ للغاية على التصدير والاستيراد، تحديدا على التزامات الشركات بمواعيد شحن واستقبال سلعها، وهو ما كلفها مصاريف إضافية. لقد أثنى هذا الوضع المستثمر الأجنبي الذي بعث مشروعا خلال هذه الفترة. وفي حال تواصل الاعتصامات وغلق الشوارع الهامة والمرافق الحيوية سيكون المستثمر الأجنبي أمام خيار واحد وهو الرحيل إلى بلد آخر وهو ما لا يريده كل تونسي خاصة في هذا الظرف الصعب الذي تمرّ به البلاد. أما عن الحل فقد طرح البعض صيغا للتفاهم مع رجال الأعمال المحليين الممنوعين من السفر على غرار ما ذهب إليه أستاذ القانون الدستوري قيس سعيد من خلال تعهد أو «تبني» كل رجل أعمال ثبت تورطه لمعتمدية من المناطق المحرومة عبر بعث مشاريع. تساؤل بدوره شدّد الخبير المالي الأستاذ فيصل دربال على ضرورة التعويل على رجل الأعمال المحلي للنهوض بالاقتصاد الوطني حيث أكد أن المستثمر الأجنبي المرتبط بشركات كبرى ومركز بحوث ودراسات عالمية لا يستطيع نسيان حرفائه الكبار (على مستوى المعاملات) ليأتي إلى تونس التي أمامها أشهر لصياغة الدستور، فالرؤية بالنسبة إليه غير واضحة ومشهد مناخ الأعمال لا يزال ضبابيا بها. ويتابع محدثنا: «ما الجدوى من منع رجل الأعمال المحلي من السفر فالأولى تركه يعمل لكن مع ضرورة محاسبته إن ثبتت إدانته وذلك عبر مصادرة أملاكه وأمواله في حال قرر السفر دون رجعة مع إمكانية إصدار بطاقة جلب دولية بحقه». كثرت الأرقام وتزايدت الوعود ببعث مشاريع استثمارية ضخمة لكن بقيت أغلبها حبرا على ورق وتلفظا باللسان لا غير، في المقابل ازدادت طلبات العاطلين عن العمل والذي لا يزال عددهم في ارتفاع يوما بعد آخر.