الدين والسياسة والمرأة في الثورات العربية من ابرز المسائل التي استأثرت ولا تزال تستأثر بالاهتمام منذ أول موجة من موجات الربيع العربي التي اهتز لوقعها العالم، وهي أيضا من أكثر المسائل اثارة للجدل بين الملاحظين والمتابعين لتطورات الاحداث في دول الربيع العربي وما يمكن أن تؤول إليه من قوانين أ ودساتير يجري الاعداد لها لتنظيم مختلف شؤون حياة الشعوب السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية بعد زوال الانظمة الديكتاتورية... ومن هذا المنطلق كانت الدعوة التي أطلقتها الحقوقية والناشطة الايرانية شيرين عبادي صاحبة جائزة نوبل للسلام لشعوب دول الربيع العربي كي تستوعب دروس الثورة الايرانية وتتجنب اهتزازتها وأخطائها, هي بلا شك دعوة تستوجب التوقف عندها واثارة أكثر من نقطة استفهام حول أبعادها كما حول الاسباب والدوافع التي يمكن أن تدفع بشيرين عبادي إلى الاصرار على اثارتها كلما تعلق الامر بحقوق المرأة والربيع العربي وهي التي عايشت أطوار تجربة الثورة الايرانية التي أطاحت بنظام الشاه في ايران, وشيرين عبادي الناشطة الايرانية التي اختارت المنفى لمواصلة المسيرة النضالية من أجل الحريات المنتكسة في إيران خلصت في تجربتها إلى أن النساء يجب أن يطالبن بحقوقهن خلال الانتفاضات الشعبية التي تجتاح العالم العربي لتفادي الاهمال من جانب الحكومات التي يجري تشكيلها بعد الثورات. وهي تعتبر أنه إذا لم تتمكن النساء من الحصول على المساواة والحق في تقرير مصيرهن فلن تكون هناك ثورة حقيقية ولن تؤدي إلى الديمقراطية.. قد يكون في هذا الموقف الكثير أو القليل من المبالغة ولكن الواقع أنها لا تخلو من حقائق لا مجال لتجاهلها أو التقليل من أهميتها في مجتمعات لا تزال تطغى عليها ذكورية لا يبدو أنها مستعدة للتخلي عن نظرتها الدونية للمرأة باعتبارها كائنا لا يرقى في عقله أو جسمه إلى مكانة الرجل... "خبرتنا في ثورة إيران عام 1979 تؤكد ذلك. رأينا كيف تخلص الشعب من ديكتاتور لكنه بدلا من الديمقراطية حصل على الاستبداد الديني وأقرّ العديد من القوانين الخاصة بتعدد الزوجات وسلطة الرجل في التطليق.. والرجم".. ليست هذه المرة الاولى التي تدخل فيها صاحبة جائزة نوبل للسلام على خط الثورات العربية من منفاها لتقطع مع الاجماع الحاصل في المحافل الايرانية الرسمية التي تصر -لاسباب لم تعد خافية- على وصف الثورات العربية, مع استثناء سوريا, أن ما يحدث من تونس إلى مصر وليبيا والبحرين صحوة اسلامية وامتداد لما حدث في إيران قبل أكثر من ثلاثة عقود... شيرين عبادي التي تستذكر جهود المرأة الايرانية قبل الثورة لا تخفي احساسها بالالم والاحباط ازاء واقع المرأة الايرانية التي تقول أنها طالما وقفت جنبا إلى جنب مع الرجل في إيران واعتقلت وقتلت وسجنت ودفعت الثمن غاليا بالفكر والجسد لتستفيق بعد الثورة على واقع جديد فرض عليها جملة من القوانين التي تنتهك حقوق المرأة وانسانيتها. وقد جاءت دعوة عبادي لشعوب الربيع العربي لتأمّل مصير إيران بعد الثورة ليس من فراغ بل عن قناعة أن الثورة التي انطلقت في 1979 ضدّ فساد الشاه وظلمه حادت عن أهدافها وهو ما يدفعها اليوم للقول أنه من الخطإ الاعتقاد بأن الثورة ليست مجرد اسقاط للدكتاتور فتلك هي الخطوة الاسهل في مسار هدم الدكتاتوريات وبناء الحلم الديموقراطي. عبادي اعتبرت أن "الخطأ الذي لا يغتفر الذي ارتكبه المدافعون عن حقوق المرأة والجماعات السياسية في إيران كان تأجيل المطالبة بمساواة المرأة إلى حين الاطاحة بالشاه.. لكن ما حدث أن قضايا المرأة لم تحل وساءت الامور اكثر بعد سقوط نظام الشاه. والحقيقة أن التحذيرات التي أطلقتها عبادي لا ترتبط بخوف من الاسلام بل بالعكس فهي تصرّ في مختلف تصريحاتها وقراءاتها لواقع المرأة ومستقبلها في دول الربيع العربي على أنه ليس الدين ما يقيد المرأة ولكنها تعاليم وقراءات رجال الدين الذين اقتحموا عالم السياسة هي التي تدفعها للقول بأن ليس كل ما تقوم به الحكومة تحت اسم الاسلام هو إسلامي وتنفي عن هؤلاء امتلاكهم مفاتيح الجنة. الا أن الاهم في كل ذلك أنه ورغم ما تشعر به الناشطة الايرانية من استياء جراء تراجع حقوق الانسان في إيران الثورة فانها تصر على أن الحركة الديمقراطية في إيران قوية جدا رغم تعرضها للقمع وهي على قناعة بأن نجاح المرأة الايرانية في الحصول على نفس حقوق الرجل كفيل بتراجع نفوذ رجل الدين وتلك في اعتقادها البوابة إلى الديمقراطية وبداية تغيير القوانين من رجم أو قطع للأيدي...