ربما لم يكن الرئيس الموريتاني ولد عبد العزيز يدري أنه كان يضع نفسه في موقف لا يحسد عليه وهو يشتكي من كثرة خريجي الآداب في بلده، وربما لم يكن الرئيس الموريتاني يدرك انه سيواجه سيلا من الانتقادات عندما أشار الى ارتفاع عدد خريجي كليات الآداب مقارنة بالاختصاصات العلمية والتقنية في بلد يشكو اقتصاده الكثير من النقائص والخبرات العلمية وغيرها... والأرجح أيضا أن الرئيس الموريتاني لم يكن يدري أنه سيضطر للتراجع عن تصريحاته والاعتذار بهدف استرضاء رجال الفكر والادب في بلد المليون شاعر الذي لا يمكن لأهله القبول بهكذا إهانة في ملكاتهم وقدراتهم الابداعية... قد لا يختلف اثنان في أن البطالة المتفشية في أوساط الشباب وتحديدا في صفوف خريجي الجامعات تبقى التحدي الاكبر لاقتصاديات ومجتمعات الدول العربية التي تسجل ارتفاعا محيرا لهذه الظاهرة التي استنزفت الكثير من الدراسات والبحوث والمخططات ولكنها استعصت حتى الان على مهندسي الاقتصاد و خبراء أسواق العمل في مواجهة الاحصائيات والتقارير السنوية حول البطالة أو آفة العصر. فليس سرا بالمرة أن الشرارة الاولى للربيع العربي التي أطلقها البوعزيزي كانت بسبب «الحقرة» المتولدة عن الفقر والخصاصة والشعور بالحرمان واليأس وهي التي كانت وراء انهيار نظام بن علي وامتداد ذلك بسرعة -أذهلت كل المراقبين- الى مصر وليبيا واليمن لتدفع الى سجن مبارك ومقتل القذافي ورحيل عبد الله صالح وزعزعة نظام الاسد واهتزاز عرش البحرين... والواقع أن الامر لا يتوقف عند هذا الحد فقد كان للازمة الاقتصادية في عدد من الدول الاوروبية دورها في اسقاط ثلاثة رؤساء حكومات في ايطاليا واليونان واسبانيا فيما لا تزال فرص الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في الفوز بولاية رئاسية ثانية على المحك بسبب تداعيات الازمة الاقتصادية ... مشكلة البطالة في العالم ليست حكرا على دول دون غيرها وهي معضلة قائمة في العالم العربي الذي بات يسبق الدول الكبرى في هذا الشأن ويتصدر قائمة الدول الاكثر معاناة في العالم في شيئين على الاقل أما الاول فيتعلق بارتفاع الحوادث المرورية القاتلة وما تجرفه من أرواح على الطرقات، أما الثاني فيرتبط بارتفاع نسق البطالة وتفاقم عدد خريجي الجامعات العاطلين عن العمل... للعام الثالث على التوالي جاء تقرير منظمة العمل الدولية ليطلق صفارات الانذار ويحذر من ارتفاع عدد العاطلين عن العمل من 196 مليونا في العالم الى أكثر من مائتي مليون عاطل بنهاية العام الجاري ويؤكد بالتالي أن سوق العمل -من اليابان الى الصين والهند وأمريكا ومعها دول الاتحاد الاوروبي- لم يتعاف وأن الأزمة الاقتصادية التي يعيش على وقعها العالم ليست مرشحة للتراجع قريبا. على ان الاهم هو أن التقرير الذي توقف طويلا عند سوق العمل في العالم العربي كان اكثر تشاؤما وقتامة في استعراضه للمشهد في سوق العمل في العالم العربي حيث تشير لغة الارقام الى وجود عشرين مليون عاطل عن العمل بنهاية السنة... مرة أخرى تعود اليوم الذكرى العالمية لعيد الطبقة الشغيلة على وقع مزيد الهموم وأخبار الفقر وتراجع القدرة الشرائية وتفشي البطالة، ولاشك أن خروج الملايين اليوم في مختلف العواصم العالمية لإحياء هذه الذكرى لن يكون لمجرد استعراض وزن الطبقة الشغيلة ودورها النضالي في تغيير المجتمعات ولكن أيضا لتذكير السلطات الرسمية بأنها لا يمكن أن تقبل الى ما لا نهاية له بتدهور وتراجع المقدرة الشرائية للعامة والارتفاع المستمر للأسعار وتدني الاجور ولا يمكن أن تتأخر عن الموعد للدفاع عن مكاسب الشغالين ودرء مخاطر السياسات الفاشلة في وقف الفساد والتصدي لكل أنواع الاستغلال للشعوب الكادحة... ذكرى عيد الشغل ومعها ذكرى اليوم العالمي لحرية الاعلام من المناسبات النادرة التي تجمع أغلب شعوب العالم باستثناء الانظمة الشمولية على الاشتراك في إحيائها وهي من المناسبات التي من شأنها أن تحرص الشعوب التي تتوق الى إنسانيتها وكرامتها وحريتها على ألا تنطفئ فيها شمعتها المضيئة أبدا...