لئن سعى رئيس المجلس الانتقالي الليبي مصطفى عبد الجليل إلى التخلّص من الحرج البالغ الذي أوقع فيه موقع «ميديا بارت» الاعلامي الفرنسي منذ أيام صديقه الرئيس الفرنسي الحالي نيكولا ساركوزي عبر إعلانه أول أمس عدم صحة الوثيقة التي استند إليها الموقع المذكور في اتهامه لساركوزي بتلقي تمويل من القذافي لحملته الانتخابية الرئاسية السابقة، "اعترافا" من جانب رأس السلطة الليبية الجديدة له بالجميل لمشاركته الفاعلة في إسقاط نظام العقيد الراحل، فإن ذلك لن يكون كافيا على ما يبدو لإنقاذه من هزيمة تلوح في الأفق أمام منافسه الاشتراكي فرانسوا هولاند في الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية التي ستجرى غدا الأحد في فرنسا. ويعود السبب إلى البغدادي المحمودي أحد أركان نظام القذافي وأحد أهم المطلعين على مطبخه الداخلي والذي لم يتردد في إطلاق «رصاصة الرحمة» على ساركوزي من سجنه في تونس من خلال تأكيده أن الرئيس الفرنسي المنتهية ولايته قد تلقى بالفعل تمويلا من القذافي لحملته الانتخابية السابقة في العام 2007. وفي مؤتمر صحفي عقده أول أمس في تونس العاصمة، نقل بشير الصيد محامي رئيس الوزراء الليبي السابق عن موكله « أن معمر القذافي وبالتالي نظامه والمسؤولين معه قد موّلوا الحملة الانتخابية السّابقة» للرئيس الفرنسي. وأضاف المحمودي بحسب محاميه «نحن كليبيين وكنظام معمر القذافي قد موّلنا وشاركنا في تمويل الحملة الانتخابية لساركوزي بمبلغ مالي هام جدا بحوالي 50 مليون يورو». وتابع «هذه الصفقة فيها وثيقة رسمية من المحفظة الافريقية للاستثمار (صندوق سيادي ليبي يستثمر في إفريقيا من عائدات النفط الليبية) وقّعها موسى كوسا (رئيس الاستخبارات الليبي السابق) بتعليمات من العقيد القذافي». وتساءل البغدادي المحمودي بحسب محاميه «لماذا تغيّر ساركوزي بعد أن عقدنا معه هذه الصفقة.. لماذا هذا الحقد الذي صبّه على ليبيا ولماذا كان أول المبادرين بالهجوم عليها؟». ويسود اعتقاد على نطاق واسع بأن ليبيا في عهد القذافي كانت تدار بشكل مافيوزي، وأنّه مورّط في عديد الصفقات المشبوهة وفي شراء الذمم واستمالة سياسيين عالميين بأموال النفط. وكانت شبهات حامت حول علاقته الوطيدة برئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير. ويذهب البعض إلى حد اتهام القذافي بالضلوع مع دول كبرى في تمويل وتدبير عمليات إرهابية ومؤامرات ضد دول أخرى. وعند مقتله على يد الثوار الذين قبضوا عليه حيا في سرت، ادعى البعض أن ما حدث له هو عملية إعدام منهجية للقضاء على مخزن للأسرار الخطيرة وأن أمرا وصل لمعتقليه من دولة أجنبية عن طريق هاتف مرتبط بالأقمار الصناعية بأنه لا يجب أن يبلغ مدينة مصراتة حيّا. وجاء الموت الغامض والمشبوه لرئيس وزراء القذافي السابق ووزير النفط شكرى غانم ليزيد من إثارة الشكوك على تورّط دول كبرى مع القذافي في نشاطات غير مشروعة. وحسبما يرى العديد من المراقبين، فإن كلام المحمودي في حال ثبوتة بالأدلة يعد في غاية الخطورة، لأنه لن يقضي فقط على آخر آمال ساركوزي في الفوز بفترة رئاسية ثانية، بل قد يعرّضه للمساءلة القضائية ويقضي على حزبه «الاتحاد من أجل حركة شعبية»، ويجعل حزب «الجبهة الوطنية» برئاسة مارين لوبان في مقدّمة المعارضة لحزب هولاند الذي يتوقع أن يفوز بالرئاسة. وكان رئيس المجلس الوطني الانتقالي الليبي مصطفى عبد الجليل قد وصف في سياق محاولته تبرئة ساركوزي الرسالة التي ورد فيها أن حكومة معمر القذافي وافقت على تمويل الحملة الانتخابية لهذا الأخير في انتخابات عام 2007 مزورة، وشدد على ان السلطات الليبية لم تجد بعدما اطلعت على مضمون الرسالة التي نشرت في وسائل الاعلام وقامت بفحصها أية اشارة لها في المحفوظات الليبية كما أن التحية التي بدأت بها غير معتادة بالنسبة الى النظام الحاكم السابق في ليبيا.