ليس من الواضح ما إذا كان يتعين على العرب أن يفرحوا أو أن يتألموا لخبر صانع القنابل الشاب السعودي الذي أذهل الاستخبارات الامريكية وأرهق مختلف شبكاتها المختصة في قضايا الارهاب وأصبح المطلوب الاول للقائمة السوداء لآفة الارهاب... نقول هذا الكلام ولاتزال الصورة غير مكتملة بشأن اخبار العسيري وهو الشاب «النابغة» الذي تصدرت صوره الصحف العالمية خلال اليومين الماضيين بعد أن اختار لسبب ما أن يقدم ما لديه من ملكات وخبرات لخدمة تنظيم القاعدة فتحول وهو الذي لم يكمل دراسته الجامعية إلى صانع لما بات يعرف بقنابل الملابس الداخلية. فهل هي فزاعة جديدة من صنع الاستخبارات الامريكية وحلفائها في السعودية لتحويل الانظار عن الحرب المفتوحة في اليمن أم هي محاولة مدروسة لا تخلو من حسابات دقيقة مرتبطة بالسباق إلى البيت الابيض؟ لقد تعودنا في مجتمعاتنا العربية أن نصف كل ما يبدو لنا أمرا غير عادي بأنه أشبه بالقنبلة, فنعتبر هذا الطفل قنبلة في الذكاء, وتلك الفتاة قنبلة في الجمال إلى أن طلعت علينا أخبار العسيري «القنبلة» بأفكاره وابداعاته وقد كان بالامكان أن يكون كذلك لو أنه اتجه في خياراته إلى ما يمكن أن يفيد الشعوب العربية ويعزز احتياجاتها العلمية والامنية... والواقع أن أكثر من سبب من شأنه أن يدعو للتساؤل ما إذا كانت الصدفة وحدها شاءت أن يتزامن اعلان الرئيس الامريكي انطلاق حملته الانتخابية للفوز بولاية رئاسية ثانية مع أكثر من حدث يتجاوز في حدوده وتداعياته الولاياتالمتحدة إلى أكثر من منطقة في العالم. أما الحدث الاول فهو يتعلق بالتأكيد بالاصرار على أن تكون الذكرى الاولى لمقتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن عنوانا لانطلاق الحملة وذلك بالعودة للنبش في أرشيف بن لادن والبحث في مغارة زعيم تنظيم القاعدة التي ترفض أن تجف للتأكيد على أن الحرب المفتوحة على الارهاب في أفغانستان ليست قريبة من نهايتها بل الارجح أن تلك الحرب قد تكون مفتوحة على مناطق أخرى بعد امتداد شبكة القاعدة إلى اليمن وإلى شمال إفريقيا. أما الحدث الثاني وهو الاهم في اعتقادنا فيتعلق باعلان الاستخبارات الامريكية على الاعتكاف على فحص عبوة ناسفة وهي قنبلة بلا معادن تمّ التوصل اليها بعد احباط محاولة لتفجير طائرة أمريكية في نيويورك وأن العملية تمت بفضل عون مزدوج ساعد على اكتشاف المخطط واحباطه وبالتالي تجنيب الولاياتالمتحدة كارثة محتملة مشابهة لكارثة الحادي عشر من سبتمبر. على أن المثير فعلا أنه وفي الوقت الذي تواصل فيه الادارة الامريكية ارسال الاشارات بقرب اكتمال مهمة قواتها في أفغانستان التي طالما وصفت بأنها مقبرة الامبراطوريات فانها في المقابل لا تتوانى عن ارسال اشارات بأن الحرب التي تجاوزت عقدها الاول ليست قريبة من نهايتها. الرئيس أوباما الطامح لولاية جديدة في البيت الابيض لم يتوان عن اعلان تأييده زواج المثليين وهو يتحدث في الاطار ذاته عن العقل العربي الذي خطط للقنبلة الناسفة التي لا يمكن لكل الاجهزة الامنية الكشف عنها في المطارات الامريكية والتي تبقى عصية عن التصوير لعدم احتوائها على معادن. طبعا الامر يتعلق بالاسم الذي بات الاكثر حضورا لدى الاستخبارات الامريكية وهو الشاب السعودي حسن العسيري الذي يشتبه في أنه صانع القنابل التي تستخدمها القاعدة في جزيرة العرب. وبالاعتماد على ما سربته الصحف البريطانية فان الشاب يقف وراء وضع قنبلة في جسد شقيقه في محاولة اغتيال وزير الداخلية السعودي قبل ثلاث سنوات غير أن العملية التي لقي فيها الشاب مصرعه فشلت. ودائما وبالاعتماد على نفس المصادر فان الشاب يقف أيضا وراء صنع القنبلة التي عثر عليها في ملابس الشاب النيجيري عمر الفاروق الذي كان يريد تفجيرها على متن طائرة أمريكية كانت متجهة إلى ميشغان في عيد الميلاد, وهو أيضا صانع العبوتين الناسفتين اللتين عثر عليهما في بريطانيا ودبي في أكتوبر 2010. واليوم فإن الشاب السعودي متهم بصنع قنبلة يمكن وضعها في الملابس الداخلية.. وبالعودة إلى العسيري الملقب بأبي صالح فقد ولد ونشأ في العاصمة السعودية الرياض في 1982 لأسرة عسكرية متدينة ومتوسطة الحال، وقد اختص بدراسة الكيمياء وهو ما يمكن أن يفسر اطلاعه وقدراته العلمية. ولم يكن في طفولته أو في ميولاته ما يوحي بأنه يميل إلى التطرف, اختفى مع شقيقه منذ 2007. ورغم أنه لا يعرف عن شبابه الكثير فيعتقد أنه سجن إثر محاولة تسلل إلى العراق للانضمام إلى الجماعات الاسلامية. قد يكون من السهل تحميل الشاب العسيري وحده المسؤولية فيما تحول اليه وهو الذي لم يخف عن مقربيه بأن الغزو الامريكي للعراق جعله يعتبر الولاياتالمتحدة عدوّه الاول, ولا شك أن في ذلك أسهل الحلول للهروب إلى الامام وغض النظر عن المخاطر التي قد تحيط بالمجتمعات العربية ولا سيما تلك الفئة من الشباب الذي يبحث عن بوصلة يهتدي بها فلا يجد غير التجاهل والصد والتهميش.. انها محنة العقل العربي التائه اليوم بين استعداء كل ما يحيط به وبين تلك الرغبة في اطلاق ما بداخله من طاقات مكبوتة.. أتأمل صورة صانع القنابل ومن سبقوه وفي النفس قناعة أنه كان بالإمكان أن يكون لهؤلاء شأن في مجتمعاتهم لولا جور وظلم وفساد الحكام وتصدع المجتمعات وسقوط الأنظمة التربوية والعلمية وتراجع الأخلاق فيها...