مثلت تونس مزارا للعديد من المسؤولين الغربيين والخليجيين منذ أشهر وهو ما دفع بالمتابعين للشأن الوطني ولكيفية إدارة الحكومة للوضع وتعاملها مع الأزمات الداخلية وحتى سياستها الخارجية وموقفها من جملة من القضايا وعلى رأسها الملف السوري إلى التساؤل حول الجهة التي تصنع السياسة في بلدنا خليجية أمريكية كانت أو أوروبية - تحديدا فرنسية-. ولمزيد إلقاء الضوء على هذه المسالة اتصلت «الأسبوعي» بعدد من الخبراء و السياسيين الذين تباينت مواقفهم واختلفت وجهات نظرهم الى حد ما. أكد وزير الشؤون الخارجية رفيق عبد السلام، في رده في شهر مارس على تدخلات أعضاء المجلس الوطني التأسيسي خلال جلسة الحوار مع الحكومة، حرص تونس على عدم الدخول في أية اصطفافات دولية والتزامها بسياسة محايدة ومستقلة تراعي مصالح البلاد. وبين أن تعاطي الحكومة مع الملف السوري ينبع من الإيمان بخدمة القضايا العربية من موقع أخلاقي ومبدئي وكذلك سياسي باعتبار أن الأوضاع التي يمر بها الشعب السوري متشابهة مع ما عاشته تونس. قطر والتوكيل الأمريكي تقول نزيهة رجيبة (أم زياد): «ارتبطت سياستنا التقليدية الخارجية - بكل مستوياتها الاقتصادي والسياسي..- بأوروبا لكن الآن أصبح الانفتاح على العالم العربي خاصة الخليج وهو يعود في تقديري إلى أن الطبقة الحاكمة في تونس لها صلة بقطر وأميرها حمد آل ثاني والقرضاوي ومنهم من كان يشتغل في مراكز البحوث في الدوحة. لقد كانت قطر مهتمة بتوكيل من الولاياتالمتحدةالأمريكية بمتابعة الثورة التونسية مستعينة بقناة الجزيرة، لكن ما يبدو لي غير جلي إلى الآن وجود استثمارات قيمة في الأفق.» وتتابع أم زياد حديثها: «اعتقد أن هناك خلفية سياسية في هذا التمشي القطري-الأمريكي لتوجيه الثورة إلى مسار معين. وما يزيد في تأكيد هذا الرأي هو استقبال الدوحة وواشنطن راشد الغنوشي والباجي قائد السبسي واللذين يملكان ثقلا سياسيا في الساحة باعتبارهما في نظر القطريين والأمريكيين أسياد تونس اللذين سيتحكمان في مصيرها، ولا أجرم أحدا لكن أرى أن يكون التدخل الخارجي بصفة عامة لخدمة الثورة لا لانتزاع إدارة أوباما لتونس من فرنسا بالقوة. فهو تدخل خطير بكل المقاييس.» وتشدد نزيهة رجيبة على أن الانفتاح بإمكانه أن يكون نتيجة هيمنة قطر-امريكية في ظل غياب الجانب الاقتصادي والاستثماري، حيث تقول: «سيكون للبحث عن الهيمنة على تونس نية من هاتين الدولتين (قطر وأمريكا) لجعل بلدنا قطبا سياحيا خليجيا لتعويض لبنان (التي كانت محطة للملذات بأنواعها). أخاف من أن توجهنا الخليجي الذي لم يكن عربيا عموما سيجعلنا نفقد علاقاتنا التقليدية مع الغرب.» واختتمت أم زياد بالتشديد على ضرورة الانفتاح على الغرب في اطار الندية والانفتاح على المحيط العربي الإسلامي في إطار علاقات واضحة. في حاجة إلى علاقات دولية بدوره يرى الوزير السابق حمودة بن سلامة ان موقع تونس التاريخي والجغرافي يفرض عليها ربط علاقات سياسية واقتصادية مع كل الأطراف الأوروبية والعربية حيث قال: «نحن في حاجة إلى ربط علاقات تعاون مع العديد من الدول العربية والغربية دون المس من سيادتنا بطريقة أو بأخرى مع الوثوق بوطنيتنا والتعلق بسيادتنا وسيادة قرارنا فما ضرّ لو كانت هناك علاقات مع هذا البلد او ذاك دون تضارب او تناقض لان لدينا خبرات وكفاءات سياسية قادرة على الدفاع على سيادة البلد. وبخصوص الموقف المتخذ من قبل الحكومة بشان الملف السوري والذي كان بايعاز من قطر لكن اعتقد انه موقف متوازن. فمن يصنع السياسة في تونس هو ذلك الذي لديه مصالح ونظرة استرتيجية وجيو-استراتيجية تخدم مواقفه وموقعه. تعاطف مع الآخرين يقول الاستاذ عبد الجليل التميمي: «اعتقد ان السياسة التونسية مصدرها تونسي وارفض ان يكون للأجنبي دخل في وضعها ودور في صياغة القرار، لكن الطبقة السياسية لديها تعاطف مع البعض وتاخذ بعين الاعتبار المصالح مع الاخرين والتي تعطي المجال للتدخل الخارجي. اعتقد ان على سياسيينا استغلال توجه بعض الدول الكبرى لمساعدة تونس على غرار فرنسا التي نادت مؤخرا بالغاء ديوننا، او قطر ببعدها المالي والاقتصادي والديني حيث تحج لها عدد من القيادات السياسية في بلادنا وعلى تلك القيادات الحد من الزيارات الى الدوحة مع الاخذ بعين الاعتبار المصلحة الوطنية قبل كل شيء، وليس في ذلك اتهام لهم بالانسياق الى الغرب او غيره من الدول.»