عاد الكاتب في الجزء الأول من مقاله الى تاريخ الأربعاء 22ماي من سنة 1991 والى الندوة الصحفية التي عقدها وزير الداخلية آنذاك عبدالله القلال لإماطة اللثام عن ملابسات اكتشاف ما سمي بمؤامرة براكة الساحل كما ركز في خاتمة هذا الجزء على تفاعل الصحافة التونسية مع ما جاء في تلك الندوة الصحفية .. في الشطر الثاني من ذات المقال يقول الكاتب : و ربما يكون أخونا الأستاذ صلاح الدين الجورشي الصحفي الوحيد الذي قاطع هذه الندوة الصحفية مضطرا و نأى بنفسه عن شهادة الزور لاكتشافه عدم صدقيتها و التناقضات الصارخة بين الأدلة و الوقائع و ملامح و نبرات الوزير الذي سكت دهرا و نطق سفها في هذه الندوة الصحفية المزيفة . لقد غادر صديقنا القاعة قبل إتمام استعراض الوزير وقائع ما عرف يومها بقضية براكة الساحل وهو ما شكل مفاجأة غير سارة لأصحاب العرس الذين تابعوا خروجه بعيون مسترابة... ثم ما زاد في الطين بلة في تعميق شكوكهم أنه عندما كتب افتتاحيته عن ذلك الحدث وضع كلمة المؤامرة التي وردت على لسان الوزير بين ظفرين ...وقد فسر ذلك بكونه تشكيك في الرواية الرسمية مما أثار غضب السلطة وكل الذين وضعوا تفاصيل تلك المؤامرة...و الأستاذ الجورشي بصفته الحقوقية و كذلك الصحافية لا يتبني أي اتهام يوجهه رجال الأمن ضد أي مواطن أو أي جمع من المواطنين إلى أن يقول القضاء النزيه و المستقل كلمته النهائية.و قد تبين بعد ذلك صدق حدسه و صواب تحليله بأن ملف براكة الساحلس متطابقة مع التهم... و أن المسألة لم تكن سوى خطة وضعها النظام البائد لضرب عصفورين بحجر واحد. لقد كان الهدف الأول من هذه المؤامرة الوهمية هو محاولة توريط المئات من العسكريين في معركة استئصالية موجهة ضد حركة النهضة .أما الهدف الثاني فيخص تنفيذ رغبة من رغبات بن علي الكثيرة ألا وهي تطهير المؤسسة العسكرية من العناصر النظيفة و الوطنية التي عرف الكثير منها بالكفاءة و استقامة السلوك...وهو المعروف بعدائه المكين للكفاءات و للأخلاق و القيم و المبادئ... لقد تم إطلاق قبضة الأمن السياسي آنذاك لكي تعبث بالعديد من الكفاءات العسكرية و النيل من حرماتهم الجسدية و المعنوية وهو ما كان له أسوأ الأثر في نفوس العسكريين حتى بعد إطلاق سراحهم لعدم ثبوت الأدلة...و للتاريخ فقد وردت شهادة صديقنا الجورشي هذه في أول ندوة صحفية نظمتها جمعية إنصاف قدماء العسكريين يوم 28 أفريل من السنة الماضية كممثل للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان وكضيف شرف على الجمعية. كذلك روى لي ذات يوم المرحوم العقيد بشير النفوسي وكان وقتئذ قائدا لسلاح المدرعات أنه تابع عن كثب تلك الندوة الصحفية عبر شاشة التلفزة واكتشف ان أحد الضباط المذكورين في المؤامرة على لسان الوزير مازال يعمل في إحدى الوحدات القتالية ... و هذه شهادة تاريخية أخرى تبرز مد ى الارتجال و التخبط و الاضطراب في تنفيذ هذه المؤامرة و المسرحية سيئة الإخراج. أما الشهادة الصحافية الأخرى المدوية فقد جاءت على لسان صديقنا المناضل و الحقوقي و الخبير لدى الأممالمتحدة أحمد المناعي الذي كان من الأوائل في تناول قضية براكة الساحل بصفة موضوعية في مقال نشر بباريس في صيف 92 (شهر سبتمبر) في نشرية المعارضة التونسية بالمهجر فيريتاي العدد الثاني و كشف فيه مدى زيف النظام و هرطقته وعبثه بمؤسسات الدولة للقضاء على خصومه السياسيين والتضحية بموارده البشرية العسكرية العالية الكفاءة من أجل مكاسب سياسية دنيئة عبر محاكمات عسكرية خسيسة. إن مأساة العسكريين منذ 91 مازالت متواصلة إلى الآن وهي مأساة لا مثيل لها في تاريخ تونس الحديث و تعتبر نقطة سوداء في تاريخ جيشنا الوطني. و من هذا المنطق يكون من غير المفهوم ولا المعقول أن تتواصل المأساة الآن أمام ساحة المجلس الوطني التأسيسي في اعتصام مفتوح على كل الاحتمالات و على كل أبواب التصعيد و النضال الممكنة قانونيا رغم وعود الحكومة المنتخبة و وعود رئيس الجمهورية القاطعة الذي نالنا شرف مقابلته يوم 27 مارس الماضي بقصر الرئاسة بقرطاج و نأمل أن يوفي بها حسب ما وعد في عيد الجيش المقبل يوم 24 جوان 2012 في احتفال مهيب يحضره الضحايا و عائلاتهم و يتم تمكينهم من تعويضات مشرفة مادية و معنوية وان الثورة التونسية لن تحقق أهدافها ما لم يسترجع هؤلاء العسكريون كرامتهم و إن الدولة ملزمة بالتعويض لكل ضحايا الحكم الاستبدادي مدنيين كانوا أم عسكريين... لقد حاولت من موقعي المتواضع أن أبقى وفيا للعسكرية و للجندية و أن يكون قلمي على ذمة ذاكرة التونسيين رغم المحاصرة الخفية و التشويه من بعض الحاقدين و الأفاكين على الأقل في أهم قضية وطنية في تاريخ تونس الحديث عشتها بكل آلامها و آمالها منذ ماي 91 إلى يومنا هذا و الله من وراء القصد.. محسن الكعبي نقيب و أستاذ العلوم العسكرية بالأكاديمية العسكرية سابقا