عندما أصدرت منذ أشهر قليلة احدى المحاكم العسكرية المنتصبة للنظر في ملف قضية شهداء وجرحى الثورة حكما بالسجن في حق عوني أمن متهمين بقنص أحد الشبان وقتله.. حملت بعض «الأطراف» على القضاء العسكري واصفة أحكامه بأنها «شعبوية» و«غير عادلة» لا لشيء إلا لأن ملف قضية مقتل هذا الشهيد الشاب يفيد أنه قتل برصاصة واحدة استقرت في جسده ولا يعقل بالتالي إدانة شخصين (عونين) والحكم عليهما معا بالسجن في نفس القضية اعتبارا لاستحالة أن تكون الرصاصة الوحيدة التي أصابته في مقتل قد انطلقت من سلاحين ناريين في نفس الوقت... ما أذكره أن رد القضاء العسكري يومها على هذه «الشبهة» كان معقولا حتى لا أقول مقنعا فقد جاء فيه أنه اعتمادا على شهادات مصرح بها من طرف شهود عيان أجمعوا فيها على اتهام العونين باطلاق النار في نفس الوقت على الضحية.. وبعد أن بينت الأبحاث المخبرية والفنية أن الرصاصة التي قتلت الشهيد هي من نفس عيار الرصاص الذي يشحن سلاح المتهمين.. ونظرا لتعذر واستحالة تحديد الجاني منهما جاء الحكم بإدانتهما معا... تذكرت هذه «الحادثة» وأنا استمع بالأمس لبعض التعليقات المنتقدة لقرار السلطات العسكرية بإطلاق سراح المدعو قيس بن علي ابن شقيق المخلوع الذي ظل موقوفا لدى مصالحها الأمنية لعدة أيام بتهمة اصدار صكوك بدون رصيد.. «الطريف» هنا أن منتقدي القضاء العسكري هذه المرة على خلفية قرار اطلاق سراح المدعو قيس بن علي بدوا وكأنهم يطالبونه بأن يكون «شعبويا» في أحكامه وقراراته.. فهم يؤاخذونه على عدم مراعاة «مشاعر الشعب التونسي».. باعتبار أن قرار اطلاق سراح شخص يمت بقرابة للمجرم بن علي ويحمل لقبه يمثل في رأيهم استفزازا لعموم التونسيين!!! طبعا، حتى في هذه «القضية» كان للمؤسسة العسكرية ردها المنطقي.. فقد ذكر مصدر عسكري مسؤول أن اطلاق سراح المتهم قيس بن علي تم بالتنسيق مع المصالح الأمنية بعد ثبوت عدم تورطه في التهم المنسوبة اليه.. وأن ايقافه لدى المصالح العسكرية وليس لدى أية جهة أخرى كان بصفة استثنائية نتيجة انعدام الأمن بالمؤسسات السجنية.. على أن ما يثير القلق هنا بل والريبة هو ليس أن تكون أحكام وقرارات القضاء العسكري محل تقييم أو حتى انتقاد من طرف بعض «الأطراف».. فالأحكام القضائية في المطلق تبقى قابلة في ذاتها للنقد والنقض.. ولكن الخوف كل الخوف من أن تكون هذه الانتقادات المتواترة والمتناقضة محاولات استباقية للنيل من سمعة القضاء العسكري وارباكه و«الضغط» عليه.. «النيل من سمعته» كجزء من عملية «تصفية حسابات» قذرة مع المؤسسة العسكرية برمتها لأنها وقفت في «الوقت القاتل» من عمر الثورة مع الشعب الثائر وانحازت للوطن ولدماء الشهداء.. و«ارباكه» (القضاء العسكري) لأنه هو من سينتصب لمحاكمة رؤوس الفساد السياسي والأمني في نظام المجرم بن علي.. طبعا،، هذه مجرد «استنتاجات» أما ما هو حقيقي وقطعي فيتمثل في أنه أضحى منذ ما بعد 14 جانفي 2011 للجيش الوطني الشجاع بمختلف وحداته ومصالحه وأجهزته مكانة خاصة في قلوب التونسيين.. بل وجميل لن ينسوه له أبدا.. وأنهم سيبقون ينتظرون منه أن يضطلع أيضا بدوره الوطني والتاريخي الآخر المتمتثل في الدفاع عن الثورة وحماية الخيار الديمقراطي للشعب التونسي..