أجمع عدد من الحقوقيين والناشطين السياسيين على أن قرار الحكومة التونسية تسليم البغدادي المحمودي آخر رئيس وزراء معمر القذافي إلى السلطات الليبية هو تجاوز لصلاحيات رئيس الدولة باعتبار أن التسليم من عدمه مسألة تعود إلى رئيس الجمهورية إضافة إلى أن وزارة العدل ورئاسة الحكومة أخطآ في الالتزام بما لا يحق لهما الالتزام به ووعدا ليبيا بتسليمها المحمودي. هذا القرار أعاد قضية تسليم البغدادي المحمودي إلى سطح الأحداث، لكن الجديد في هذه القضية هو تباين المواقف بخصوص هذه المسألة بين كل من الحكومة التونسية التي قررت التّسليم، كما يدل على ذلك تأكيد الناطق الرسمي باسمها أول أمس عدنان المنصر على انه لن يتمّ تسليم المحمودي إذا لم يوفّر الجانب الليبي ضمانات عادلة لمحاكمته.. تذكير وتحذير في هذا الاتجاه رأى مبروك كورشيد رئيس هيئة الدفاع عن البغدادي المحمودي في اتصال مع الصباح أن موقف المنصف المرزوقي رئيس الجمهورية أعاد الأمور إلى نصابها، لكنه دعا المرزوقي بألا يخون تاريخه الحقوقي مهما كانت الضغوط داخلية أو خارجية ومهما كانت الإغراءات سياسية أو اقتصادية لأن التاريخ سيدوّن شيئا واحدا وهو أن المرزوقي قام بتسليم لاجئ سياسيّ، ولن يكتب شيئا للترويكا. وفق تعبيره. وأضاف قائلا: «على المرزوقي أن يعي جديا أن قبيلة البغدادي المحمودي - النوايل- هي متاخمة للحدود التونسية وتأبى أن يسلم ابنها للقتل وتسليمه يعني دقّ إسفين فتنة بين الأجوار التونسيين والليبيين لذا وجبت مراعاة مصلحة التونسيين بالجنوب». صفقة وحول ما يروّج عن أن التسليم هو صفقة بين الحكومة المؤقتة والسلطات الانتقالية في ليبيا أعرب كورشيد عن خشيته أن يكون الأمر صحيحا معتبرا «أنه إذا ثبت أن صفقة تلوح في الأفق بين الجانبين على حساب حياة إنسان فيا خيبة المسعى في أن تعقد حكومة ما بعد الثورة صفقات على رأس البشر وتعرّض حرمته الجسدية إلى الانتهاك». موقف ثابت ولم يختلف موقف منظمة العفو الدولية عمّا قاله كورشيد حيث أفاد زهير مخلوف كاتب عام المنظمة -فرع تونس- «إن موقف المنظمة واضح وضدّ تسليم البغدادي المحمودي أو غيره دون وجود ضمانات لمحاكمة عادلة وشفافة.» وأكد مخلوف على أن «موقف المنظمة سيظلّ ثابتا في هذا الإطار، وسيصدر موقف رسمي من الأمانة العامة الدولية ومن فرع تونس في هذا الاتجاه». وأشار إلى انه لن يتم قبول تسليم المحمودي إلا إذا توفرت ضمانات لمحاكمة عادلة ولا تنال من حرمته الجسدية والمنظمة ضدّ التسليم لان الوضع في ليبيا غير مستقر أمّا إذا افترضنا أن محكمة الجنايات الدولية طالبت بتسليم المحمودي لليبيا ومحاكمته مع توفر ضمانات تحول دون النيل من حرمته الجسدية وانتهاك حقوقه الأساسية فيمكن تسليمه المشروط بعدم الحكم عليه بالإعدام. وأوضح مخلوف «إن منظمة العفو الدولية مع محاكمة كل مرتكبي الجرائم لكن بضمان حماية الحرمات الجسدية، كما نخشى من هذه المواقف السياسية التي تؤدي في كثير من الأحيان إلى حروب بين الدول». شروط التّسليم أما التنسيقية الوطنية لإلغاء عقوبة الإعدام فقد تمسكت بموقفها التقليدي وهو رفض تسليم البغدادي المحمودي لعدم توفر شروط المحاكمة العادلة. فقد اعتبر حبيب مرسيط رئيس التنسيقية أن المنظمة وضعت شرطا أساسيا لتسليم أيّ متهم سواء كان ذلك في الحقّ العام أو في الحالات الخاصة مثل اللاجئين السياسيين وهو عدم تسليم المتهمين للبلدان التي تشمل قوانينها عقوبة الإعدام وكذلك الدول التي تمارس التعذيب. وأضاف مرسيط: «زيادة على ذلك فإن مؤسسات الدولة في ليبيا لازالت غائبة وفي حالة تشكل والوضع الأمني مازال غير مستقرّ». من جانبها أكدت بلقيس مشري نائبة رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان أن الرابطة رفضت منذ البداية تسليم المحمودي لعدم ضمان توفر محاكمة عادلة وشفافة والجميع يعلم أنه إلى الآن لم تتوفر هذه الشروط ولهذا فالرابطة تواصل رفضها «التسليم». جدير بالذكر أن الرئيس السابق فؤاد المبزع رفض التوقيع على تسليم رئيس الوزراء الليبي السابق إلى السلطات الليبية.. فهل سيوقع المنصف المرزقي على قرار التسليم؟؟ تهديد على صفحات «الفايسبوك» وقوبل قرار الحكومة التونسية بتسليم المحمودي بانتقادات لاذعة على صفحات التواصل الاجتماعي وجاء في بيان تداولته بعض المواقع الاجتماعية والإعلامية الألكترونية تحت عنوان «بيان موجه للحكومة التونسية من أبناء الجماهيرية» بأن «كافة الكتائب وكافة الأحرار في ليبيا ستباشر بالهجوم على كافة مصالحكم وممتلكاتهم والتعرض لجميع التونسيين القادمين لليبيا أو المغادرين لها وستكونون هدفاً للمقاومة المسلحة، وقد أعذر من أنذر والله على ما نقوله شهيد». أحزاب تدين كما اصدر الحزب الجمهوري بيانا يشدد فيه على أن تتم محاكمة رموز الاستبداد في ظروف شفافة وتخضع للمعايير الدولية بعيدا عن روح التشفي والانتقام. وعبّر الحزب عن خشيته من أن تكون عملية تسليم البغدادي المحمودي جزءا من صفقة بين الحكومة المؤقتة والسلطات الانتقالية في ليبيا مذكرا القائمين بالحكم في البلاد أنهم عاشوا لسنوات في حماية القانون الدولي رغم ملاحقتهم من قبل النظام السابق. وجاء في نص البيان مطالبة الحكومة بالتراجع عن قرار التسليم وتحميلها المسؤولية الأخلاقية والسياسية لما قد يتعرض له المتهم من تجاوزات يمكن أن تنال من حرمته الجسدية. جهاد الكلبوسي في بيان صحفي : البغدادي يطالب بمحاكمة عادلة ويؤكد عدم استعداده المثول أمام محكمة ليبية نفى البغدادي المحمودي في بيان أصدره أمس أن يكون قد شارك في ارتكاب جرائم ضدّ الإنسانية أو جرائم حرب أو فساد أو أيّة جرائم أخرى، وقال إنه غير مستعدّ للمثول أمام محكمة ليبية لعدم توفر شروط المحاكمة العادلة.. في ما يلي نص البيان: «كما تعلمون، في الأيام القليلة الماضية كانت هناك حملة كبيرة تمثلت في مقالات صحفية وتقارير إخبارية بثت ادعاءات خطيرة ضدّي. وأودّ أن يسجل أنني أنفي بشكل قاطع جميع مزاعم مشاركتي في ارتكاب جرائم ضدّ الإنسانية أو جرائم حرب أو فساد أو أيّ جرائم أخرى يدّعى أنها ارتكبت في ليبيا أو في مكان آخر. وأودّ أن أعلن على الملإ أنني على استعداد للردّ على كل التهم الموجهة لي في أيّ بلد من بلدان العالم، وفي أيّ نظام قانوني يضمن حماية حقوقي ويكفل لي محاكمة عادلة أمام قضاة مستقلين ويضمن لي حق الدفاع عن نفسي. وأتمنى أن يعلم المجتمع الدولي أنني لست على استعداد للمثول للمحاكمة في ليبيا. إذ لا توجد ولن توجد في القريب في ليبيا محاكمة عادلة حسب أبسط المعايير الدولية. وإن أيّ قرار بتسليمي لليبيا يعني حتما إعدامي مباشرة. حسب رأيي فإن المجلس الانتقالي الليبي لا يملك لا قدرة ولا رغبة صادقة في ضمان محاكمة عادلة لي في ليبيا. وآمل أن تقوم المنظمات والجهات الفاعلة الدولية بالمناداة بتوفير محاكمة عادلة وعلنية يقوم فيها الادّعاء بتقديم أدلته على النحو الواجب على التهم المنسوبة لي، والتي تمّ جمعها من خلال تحقيق شفاف وسليم، والسماح لي بمعارضتها بكل الوسائل لإثبات براءتي. إنني على تمام اليقين من براءتي إذا ما تمّ منحي حق إيصال صوتي والدفاع عن نفسي أمام محكمة عادلة. أذكر كذلك المجتمع الدولي بأن المتهم بريء حتى تثبت إدانته. ويطرح هنا التساؤل لماذا تخشى الأطراف المطالبة بي محاكمة عادلة؟ أناشد كل من يصله صوتي بأن لي الحق في محاكمة عادلة والحق بالمطالبة بها.إن المجتمع الدولي يفقد ميزته الحضارية إذا تخلى عمدا عن العدل الذي هو السمة المميزة للأمم المتحضرة. إنني أطلب الإنصاف ولا نطلب الإفلات من العقاب.