الاعلان عن موعد انطلاق الاستخراج الحيني لوثائق السفر    العاصمة: وقفة احتجاجية أمام سفارة فرنسا دعما للقضية الفلسطينية    نشرة متابعة: أمطار غزيرة غدا الثلاثاء    الكاتب العام الجهوي لنقابة التاكسي يروي تفاصيل تعرّض زميلهم الى "براكاج"    "بير عوين".. رواية في أدب الصحراء    بعد النجاح الذي حققه في مطماطة: 3 دورات أخرى منتظرة لمهرجان الموسيقى الإلكترونية Fenix Sound سنة 2024    %9 حصّة السياحة البديلة.. اختراق ناعم للسوق    خطير/ منحرفون يثيرون الرعب ويهشمون سيارات المواطنين.. ما القصة..؟!    وزير الخارجية الأميركي يصل للسعودية اليوم    نقطة ساخنة لاستقبال المهاجرين في تونس ؟ : إيطاليا توضح    كأس الكونفدرالية الافريقية : نهضة بركان المغربي يستمر في استفزازاته واتحاد الجزائر ينسحب    الدوري المصري: "معتز زدام" يرفع عداده .. ويقود فريقه إلى الوصافة    عاجل/ تعزيزات أمنية في حي النور بصفاقس بعد استيلاء مهاجرين أفارقة على أحد المباني..    منوبة: تقدّم ّأشغال بناء المدرسة الإعدادية ببرج التومي بالبطان    مدنين : مواطن يحاول الإستيلاء على مبلغ مالي و السبب ؟    17 قتيلا و295 مصابا في ال 24 ساعة الماضية    سليانة : اصابة 4 ركاب في إصطدام سيارتين    الحماية المدنية: 17 قتيلا و295 مصابا في ال 24 ساعة الماضية    فتح تحقيق في وفاة مسترابة للطبيب المتوفّى بسجن بنزرت..محامي يوضح    قيس الشيخ نجيب ينعي والدته بكلمات مؤثرة    ما حقيقة انتشار "الاسهال" في تونس..؟    تصل إلى 2000 ملّيم: زيادة في أسعار هذه الادوية    تونس : ديون الصيدلية المركزية تبلغ 700 مليار    زلزال بقوة 4.6 درجات يضرب هذه المنطقة..    التونسيون يتساءلون ...هل تصل أَضحية العيد ل'' زوز ملايين'' هذه السنة ؟    أخيرا: الطفل ''أحمد'' يعود إلى منزل والديه    جائزة مهرجان ''مالمو'' للسينما العربية للفيلم المغربي كذب أبيض    بعد مظلمة فرنكفورت العنصرية: سمّامة يحتفي بالروائية الفسطينية عدنية شبلي    كأس الكاف: حمزة المثلوثي يقود الزمالك المصري للدور النهائي    الرابطة الأولى: برنامج مباريات الجولة السادسة لمرحلة التتويج    عاجل/ ستشمل هذه المناطق: تقلبات جوية منتظرة..وهذا موعدها..    يوميا : التونسيون يهدرون 100 مليار سنويا    زيارة ماسك تُعزز آمال طرح سيارات تسلا ذاتية القيادة في الصين    دكتور مختصّ: ربع التونسيين يُعانون من ''السمنة''    معز السوسي: "تونس ضمن القائمة السوداء لصندوق النقد الدولي.."    تونس توقع على اتفاقية اطارية جديدة مع المؤسسة الدولية الإسلامية لتمويل التجارة    خط جديد يربط تونس البحرية بمطار تونس قرطاج    قرار جديد من العاهل السعودي يخص زي الموظفين الحكوميين    ثمن نهائي بطولة مدريد : أنس جابر تلعب اليوم ...مع من و متى ؟    بطولة ايطاليا : رأسية أبراهام تمنح روما التعادل 2-2 مع نابولي    عاجل/ تفكيك شبكة مُختصة في الإتجار بالبشر واصدار 9 بطاقات إيداع بالسجن في حق أعضائها    غوارديولا : سيتي لا يزال أمامه الكثير في سباق اللقب    طقس الاثنين: تقلبات جوية خلال الساعات القادمة    حزب الله يرد على القصف الإسرائيلي ويطلق 35 صاروخا تجاه المستوطنات..#خبر_عاجل    السعودية: انحراف طائرة عن المدرج الرئيسي ولا وجود لإصابات    عملية تجميل تنتهي بكارثة.. وتتسبب بإصابة 3 سيدات بالإيدز    كاتب فلسطيني أسير يفوز بجائزة 'بوكر'    البنك التونسي للتضامن يحدث خط تمويل بقيمة 10 مليون دينار لفائدة مربي الماشية [فيديو]    انطلاق فعاليات الدورة السادسة لمهرجان قابس سينما فن    50 % نسبة مساهمة زيت الزيتون بالصادرات الغذائية وهذه مرتبة تونس عالميا    وزير السياحة: عودة للسياحة البحرية وبرمجة 80 رحلة نحو تونس    في اليوم العالمي للفلسفة..مدينة الثقافة تحتضن ندوة بعنوان "نحو تفكرٍ فلسفي عربي جديد"    البطولة الوطنية: النقل التلفزي لمباريات الجولتين الخامسة و السادسة من مرحلة التتويج على قناة الكأس القطرية    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التجمعيّون ومافيا التهريب.. الخطر الأكبر على تونس اليوم
عبد الرحمان الأدغم وزير الحوكمة ومقاومة الفساد ل« الصباح»:
نشر في الصباح يوم 26 - 05 - 2012

منظومة الصفقات العموميّة الفاسدة تكلّف الدولة خسائر بالمليارات من الملّيمات - أنا متعوّد بالإدارة وما أراه صالحا لا أتردّد في القيام به - الجدل حول الأجور داخل المجلس التأسيسي يتحمّل النوّاب مسؤوليّتهم فيه - لم يعد للدّستوريّين من وجود سياسي ومن بقي منهم تجده اليوم على الحياد
تضم الحكومة التونسية كما هو معلوم وزارة مكلفة بالحوكمة ومقاومة الفساد وهي من الوزارات الجديدة والمحدثة بعد الثورة. ويتولّى هذه الوزارة عبد الرحمان الأدغم الذي إن لم يسبق له أن مارس السلطة مباشرة فإنه ليس غريبا عن عالم الساسة والسياسة فهو نجل المرحوم الباهي الأدغم الوزير الأول في حكومة بورقيبة والباهي الأدغم كان من زعماء جيل الاستقلال والمساهمين في الصفوف الأمامية في بناء الدولة الحديثة وكان معروفا عنه التزامه بمفهوم الدولة. ولكن إن ضمّت الحكومة وزارة مكلفة بالحوكمة ومقاومة الفساد وأن يتولى أمر الوزارة وزير يؤكد في كل المناسبات أن أهم ما ورثه عن والده هو أن ما للدولة يعود للدولة وأن الحفاظ على مكتسبات الدولة مقدس فهل يكفي ذلك للاطمئنان على أننا في تونس نسير آليا نحو إرساء الحكم الرشيد؟ ربما يشير وجود وزارة للحوكمة في قراءة أولى إلى أن الحكومة التونسية تحمل هاجس ترشيد الحكم في محاولة للقطع مع تقاليد الممارسة السلطوية والمتسلّطة خلال فترة الحكم الديكتاتوري بالبلاد. لكن ملاحظة الواقع وبعد أشهر على اضطلاع حكومة "الترويكا" المنبثقة عن انتخابات المجلس الوطني التأسيسي ل23 أكتوبر 2011 (حكومة "الترويكا"المتكونة بالأساس من الأحزاب التونسية الثلاثة الفائزة في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي وهي حركة النهضة والتكتل الوطني من أجل العمل والحريات والمؤتمر من أجل الجمهورية) بمهامها تقودنا إلى طرح تساؤلات حول استعدادها الفعلي إلى المرور من مستوى الخطاب إلى مستوى الواقع. لأن قراءة الواقع تجعل الملاحظ للمشهد السياسي في تونس يتساءل عن الإرادة الحقيقية في ترجمة فكرة الحكم الرشيد إلى أمور يلمسها المواطن في حياته اليومية وعن حقيقة اعتبارها أولوية فعلا من أولويات الدولة على الأقل في هذه المرحلة بالذات.
نقلنا هذه الملاحظات إلى الوزير المعتمد لدى الوزير الأول المكلف بالحوكمة ومقاومة الفساد عبد الرحمان الأدغم في لقائنا معه بمكتبه بالوزارة حيث توجد مصالح وزارته بمقر الوزارة الأولى. انطلق الحديث بقراءة المؤشرات وخاصة منها ما يتعلق بعمل الحكومة ولا سيّما أسلوبها في معالجة القضايا المطروحة اليوم بالبلاد وسلم أولوياتها دون أن نهمل المسائل الشكلية وخاصة صورة الحكام الجدد ومدى تعبيرها عن الإرادة في الالتزام بالحكم الرشيد فكان الحوار التالي:
حوار: حياة السايب
يفترض في حكومة تخصّص وزارة كاملة للحوكمة ( وزارة الحوكمة ومقاومة الفساد ) أن تبدأ بنفسها وأن تمارس الحكم الرشيد وفق ما نفهمه من مصطلح الحوكمة لكن الحكومة التونسية المنبثقة عن انتخابات 23 أكتوبر 2011 وهي التي تضم ما يقرب من 80 وزيرا وكاتب دولة ومستشار إلخ... من الصعب أن تقنع الملاحظ خاصة إذا ما قرأنا الوضع من الناحية الكمية على الأقل وتحديدا من زاوية الميزانية التي تكلفها على الدولة بأن هناك حرصا من الحكومة على الحكم الرشيد ؟
- إن الحكم الرشيد يفترض في المطلق الاقتصار على عدد معين من الوزارات أي الاكتفاء بما تقتضيه الحاجة والضرورة وما تسمح به إمكانيات البلاد والاستغناء على الوزارات التي قد لا نكون في حاجة إليها لكن لا ننسى أننا في تونس في وضع استثنائي. الحكومة التونسية الحالية هي حكومة ائتلافية مما يعني أنه كان لا بد من حد أدنى من الوفاق بين الأحزاب التي تكونها ( الترويكا) وعدد الوزراء يمكن أن ينقص أو أن يزيد . على كل لا أعتقد شخصيا ومع الوصول إلى حالة الاستقرار في البلاد أن الحكومات القادمة سواء تكونت من نفس الأحزاب أو من غيرها ستحافظ على نفس الكم من الوزراء. وزارات مثل الحوكمة ومقاومة الفساد والإصلاح الإداري قد لا يصبح هناك مبررا لوجودها بعد بضعة سنوات. المهم أن نهيئ الأرضية الملائمة للحكم الرشيد وأن نصلح الإدارة ثم تصبح الأمور شبه آلية ونقتصر على هيئات عليا للحوكمة ومراقبة الإدارة على طريقة ما هو معمول به في البلدان المتقدمة.
المقارنات مع عدد من البلدان التي تفوقنا في المداخيل وحجم النمو والثروات الباطنية ومع ذلك تعتمد على عدد أقل بكثير من الوزراء تزيد المسألة تعقيدا وإذا ما أضفنا إليها الجدل الذي اندلع مؤخّرا بسبب الزيادات في أجور نواب المجلس الوطني التأسيسي هل يخدم هذا فكرة الحكم الرشيد ثم ألا تعتقد أن مسؤولية الوزارة تصبح أكبر في مثل هذه الظروف؟
- الوضع التونسي لا يخفى على أحد خاصة عندما نضع نصب أعيينا أن تونس قد خرجت للتوّ من حكم ديكتاتوري وضعت الثورة الشعبية حدّا له بعد أن أنهك قوى البلاد وترك خزائنها فارغة وخلّف إرثا ثقيلا من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية وقد تعهدت الحكومة المنتخبة فعلا برفع التحدي أي جبر الضرر وإعادة البلاد على السكة السليمة واعتماد سياسة تقوم على ترشيد النفقات وهي سياسة من المفروض أن تطبقها الحكومة على نفسها قبل أن تحاول بثها بين مختلف مكونات المجتمع. كل هذا صحيح والجدل الذي أثير حول أجور نواب المجلس الوطني التأسيسي يتحمل النواب مسؤوليتهم فيه ولكن ملاحظة الوضع من الخارج شيء وممارسة الحكم من الداخل شيء آخر. لا أعتقد أن الحكومة قد حادت عن تعهداتها وهناك رغبة حقيقية في انتشال البلاد من وضعها الصعب لكن المشاكل التي تكاد لا تنقطع وبؤر الاضطراب التي ما إن عالجت واحدة منها إلا واندلعت أخرى تجعل المشاريع تتعطل. لقد خرجنا للتو من ثورة استفاد منها الجميع وخاصة من حرية التعبير وحرية التحرك لأجل إيصال الأصوات. المشكل أن هناك من يحاول أن ينتفع على طريقته من الثورة التي قام بها الشعب الذي ثار وانتفض ضد النظام البائد. وتراه كلما أخمدت بؤرة إلا ودفع إلى فتح بؤر أخرى. لا ننسى كذلك بطء الإدارة والتعقيدات الإدارية والمنظومة القانونية التي لا تتيسر الأمور ونحن في الحكومة بصدد العمل على تغييرها كي نضمن سرعة التحرك والجدوى.
الحكومة تجتهد وتحقق أشياء ولكنها تصيب وتخطئ لكن هناك من يسعى لتعطيل عملها وعرقلة كل المشاريع حتى وإن كان على حساب البلاد وحتى وإن ساهم في مزيد من الطاقات المهدورة.
خطر التّجمعيّين
هل مازلتم تعتقدون في نجاعة إستراتيجيّة تحميل المسؤوليّة لبعض الأطراف دون تحديد من تعنون بالضّبط وما هي الحجج الدّامغة التي لديكم على ذلك؟
- ما لا يقوله الآخرون أنا أعلنه بصراحة وبدون خشية من أحد لأن واجبي كعضو في حكومة تتحمل مسؤولية تحقيق أهداف الثورة أن أتحدث بشفافية ووضوح.
إن قضيتنا اليوم ليست قضية معارضة فالمعارضة من واجبها أن تعارض وأن تكون قوة اقتراح وأن تنبه وأن تحذر وأن تنتقد وهي إن كان عليها أن تراجع أساليبها فنحن أيضا في الحكومة علينا أن نراجع أنفسنا ونحن بقدر ما نجتهد معرضون للخطأ.
لكن لا شيء أخطر على تونس اليوم من التجمعييّن الذين يريدون العودة من الشبابيك والثقوب بعد أن طردهم الشعب من الباب الكبير. هؤلاء والمافيا السائدة اليوم, مافيا التهريب هم الخطر على تونس. المافيا هي نفسها التي كانت سائدة في زمن بن علي وكان يغمض عينيه أمام ممارساتها لأنه كان يخشاها ولم يكن يهمه أن تمتص دماء الشعب المهم أن تتركه في راحة وأن لا تهدد سلطته. مافيا التهريب والفساد هي ذاتها اليوم وهي تستخدم الضعفاء هؤلاء الذين يبحثون عن شغل وعن أي حل ينقذهم من الوضعية الصعبة. يستغلون ضعفهم ويوظفونهم لأغراضهم, تلك المافيا لا تريد لتونس الخير ولا تريد للوضع أن يستقر. تريد أن تعم الفوضى حتى تواصل التهريب وكل أعمال المقامرة غير آبهة لا بأمن ولا بقوانين ولا بالدولة. تستهزئ بكل شيء وهي عابرة للحدود ولا تنوي أن تتنازل عن امتيازاتها لذلك فإن محاربة هؤلاء يجب أن تكون أولوية قصوى من أوليات الحكومة اليوم.
كلامك عن التجمعيّين هل يستثني من يطرحون أنفسهم اليوم على أنهم من الدستوريين الأصليين ومن بينهم مثلا رئيس الوزراء السابق الباجي قائد السبسي؟
- لا أعتقد أن الدستوريين مازالوا موجودين. الدستوريون الحقيقيون فضلوا البقاء على الحياد. أين هو محمود المستيري وأين هو مصطفى الفيلالي وأين هو أحمد بن صالح؟. لم يعد هناك دستوريون حقيقيون وإنما كل ما في الأمر هجمة من التجمعييّن الذين يريدون أو يأملون في العودة إلى زمن ما قبل الثورة مدركين أن خيطا رفيعا يفصل بين الثورة والعودة إلى الديكتاتورية وهي مسألة يجب أن لا تغيب عن الوطنيين التونسيين. هؤلاء الذين قاموا بالثورة وهؤلاء الذين مارسوا حقهم الانتخابي هم فقط من يريدون لتونس أن تتقدم في مشروعها الإصلاحي والانتقال الديمقراطي. أما البقية من فضّلوا الفرجة (يستدرك محدثنا قائلا : ليسوا جميعهم بطبيعة الحال فمن بينهم من كانت تنقصه الجرأة للمشاركة في بناء مرحلة جديدة في تونس على أنقاض النظام البائد ) هم أكثر الناس طمعا في عودة الديكتاتورية مجددا.
أما بخصوص الباجي قائد السبسي الذي أعلن أنه ليس من التجمعيين بل من البورقيبيين فنحن نحترم فيه دوره الذي اضطلع به خلال الأشهر التي ترأس فيها الحكومة في تونس في مرحلة حساسة من تاريخنا ( الحكومة الثالثة بعد الثورة بعد حكومة الغنوشي 1 و2) كما نحيي فيه دوره في عملية الانتقال السلمي للسلطة وتسليم المهام من حكومته إلى حكومة حمادي الجبالي بشكل حضاري.
بين الحكومة.. و الإعلام
هل تعتقد أن احتجاجات طالبي الشغل والغاضبين داخل جهات البلاد بسبب عدم ظهور علامات تؤكد التزام الحكومة بوعودها تجاههم يدخل أيضا في خانة الأجندات السياسية وتحركات المتآمرين على البلاد أو هو ضمن الأمور المفتعلة التي يروجها الإعلاميون وفق ما يتم تسويقه عند بعض أعضاء الحكومة؟
- ليس الأمر كذلك وأنا لا أستطيع كمواطن تونسي إلا أن أساند المحتجين من أجل الشغل والكرامة ومن أجل فرص متساوية في بلادهم ولكن عندما تنقل الصحافة خبرا عن غضب هذه الجهة أو قطع الطريق في جهة أخرى هل يعني هذا أن الشعب التونسي كله غاضب. أنا شخصيا زرت مدنا تونسية والتقيت بالناس وسمعت كلاما آخر. سمعت دعوة لتطبيق القانون ولفرض هيبة الدولة.
لا أسعى لتحميل الإعلام المسؤولية فأنا شخصيا علاقتي طيبة مع الإعلاميين لأنني أتحدث بوضوح وشفافية ولكن الإعلام في تونس يحتاج إلى تأهيل. لا أتهمه بعدم المسؤولية وإنما في كثير من الأحيان يتحدث الإعلاميون من منطلق عدم الدراية. الحكومة بدورها عليها أن تغير من إستراتيجيتها في الإعلام والاتصال. على كل المهم أن نتعلم على الأرض جميعنا حكومة ومجتمع مدني وإعلام إلخ... فنحن في مرحلة انتقالية تتطلب من الجميع التحصّن بكل الوسائل التي من شأنها أن تجعل بلادنا تنجح في رهانها وأن ترسي بنا هذه المرحلة نحو شاطئ الديمقراطية. أعتقد مثلا أن الحكومة لا تتحدث بما يكفي على أننا عابرون وأننا لسنا دائمين بمناصبنا وأن كل ما نقوم به اليوم مهم جدّا لتهيئة الأرضية الملائمة لعمل الحكومات القادمة سواء تكونت من أحزابنا أو من أحزاب أخرى.
التدخّل في كل الوزارات
إذا ما عدنا إلى وزارة الحوكمة ومقاومة الفساد فيما تتمثل صلاحيات الوزارة وما هي الضمانات التي تجعل عملها ذا جدوى بالنسبة للبلاد؟
- نعمل في الوزارة مباشرة مع رئيس الحكومة ومصالح الوزارة تحت إشرافه وهذا يمنحنا سلطة أفقية وعمودية. يمكننا أن نتدخل في أي وزارة وفي أي إدارة عمومية تحت رعاية رئاسة الحكومة. عملنا يقتضي النظر في ملفات الفساد التي يتقدّم بها أصحابها إلينا أو نصل إليها بطرقنا. ( درسنا إلى حد الآن 200 ملف بعضها وجهناه إلى الوزارات والآخر إلى القضاء إلخ.. ). حدث وأن وجهنا رسائل مثلا إلى وزارات نطالب بإحداث تغيير في وظائف معينة بعد أن تبين لنا تورط أصحابها في الفساد بقي بمن تم تغيير هؤلاء فتلك أمور لا تشملنا.
مشروعنا يتمثّل في السعي للوصول إلى وضعية لا يكون فيها الحق امتيازا. فقد وصلنا مع النظام البائد إلى مرحلة صار فيها الحق امتيازا وكي تحصل عليه عليك بدفع المال أو القيام بخدمات أخرى. غياب الحوكمة يؤدي آليا إلى الفساد.
ما أريد أن أقوله للناس هو أننا وبالتوازي مع دراسة الملفات العاجلة والقيام بما هو ضروري كي تتواصل المشاريع من ذلك مثلا مراجعة القوانين بهدف التخفيف من التعقيدات الإدارية نحن في أوج التحضير لإستراتيجيا كاملة للحكم الرشيد. إننا نعمل للمستقبل والمستقبل لا يعني أنه يأتي بعد سنوات. قد يكون الأمر بعد أشهر محدودة.
الاهتمام مسلط مثلا منذ فترة على التحضير لخارطة طريق بالتعاون مع شركائنا سواء من المعارضة أو الجمعيات أو النقابات والأعراف ومختلف الهيئات وكل من له علاقة بالحوكمة لعرضها على التونسيين خلال شهر سبتمبر أو في أكتوبر على أقصى تقدير. إنها عبارة عن ميثاق أو عقد اجتماعي تمضي عليه مختلف الأطراف الفاعلة في المجتمع والمعنية بالحوكمة.
عملنا يتم وفق المبدأ التشاركي مع التونسيين ولكننا نتعاون كذلك مع الهيئات الدولية على غرار صندوق الأمم المتحدة للإنماء والمنظمة العالمية للتنمية.
سنستقبل مثلا في شهر جوان هيئتين من الأمم المتحدة لتقييم ما وصلت إليه تونس في مجال مقاومة الفساد وتطبيق المعاهدات الدولية في المجال. قمنا كذلك بإرساء الهيئة العليا المستقلة لمقاومة الفساد التي نتوقّع أن تتولّى فيما بعد عملها باستقلالية تامة بعد قيام الوزارة بتهيئة الأرضية الملائمة للحوكمة. انضمت تونس إلى الاتفاقية الدولية ضد تبييض الأموال والتهرب الجبائي. لا ننسى أننا خرجنا من فساد كبير مالي وإداري وحتى أخلاقي. وهو أخلاقي من زاوية أن كل شيء أصبح محل متاجرة ومن سرق مال الدولة ومال الشعب لا نتوقع منه أن يلتزم بالأخلاق والقيم أي كان مصدرها.
الحرب معلنة إذن ضد الفساد وضد كل استغلال للوضع للحصول على امتيازات على حساب القانون وعلى حساب المواطنين وهي لن تنتهي إلا بانتهاء أسبابها. أي بإرساء المعايير الجديدة في الحكم والتصرف الإداري. حينئذ يصبح لا مبرر لوجود وزارة للحوكمة.
الجريمة الإقتصادية
أي إجابة تقدمونها للمواطن عندما يسأل ماذا فعلتم بالضبط؟
- من الطبيعي أن يسألنا الناس ماذا فعلتم. ومن الطبيعي كذلك أن نعلمهم أنه لا يمكن مقاومة الفساد إلا بتوفير الأرضية الملائمة لذلك. والأرضية الملائمة تتطلب مراجعة المنظومة القانونية والإدارية والرقابية.
إن تطبيق القانون لا يرتبط بسنّ القوانين الناجعة فحسب. إن القوانين يجب أن يقتنع بها المواطن وبجدواها قبل أن نطالبه بالامتثال لها. هل يمكن مثلا أن نضع علامة تمنع المرور في شارع لا يمكن للسيارات أن لا تمر إلا منه. مجلة الأحوال الشخصية التي سنها بورقيبة لم يكن لها أن تنجح لو لم يكن المجتمع التونسي مستعدا للقبول بها.
الأولويّة بالنسبة لنا اليوم لإصلاح منظومة الصفقات العمومية التي تكلف الدولة خسائر تصل إلى حوالي 20 بالمائة من الأرباح. الصفقات العمومية شيء مهول آلاف المليارات من مليمات الدولة تتوجه للصفقات العمومية. قمنا في مرحلة أولى بتبسيط القانون حتى لا تتعطل أعمال التنمية لكن التبسيط لا يكفي لا بد من السرعة وسنصل إلى إرساء منظومة الصفقات عن بعد بتوظيف الإنترنيت . نحن نلتزم في ذلك بمعايير دولية وبالتعاون الوثيق مع البنك الدولي والإتحاد الأوروبي وكوريا الجنوبية.
على مستوى المبادئ الكبرى للحوكمة سنعمل على أن تكون الحوكمة مبدأ دستوريا. نسعى إلى جعل القوانين زجرية أكثر وسندخل الجريمة الاقتصادية ضمن قوانيننا. في أوروبا مثلا صارت الدول تجرّم الشركات التي تستخدم المشتري العمومي في بلدان أخرى. ستتأسس قريبا في تونس أكاديمية الحوكمة التونسية الألمانية. كونا مختصين في الحوكمة ببرلين ونحن اليوم بصدد تكوين المكونين في العاصمة الألمانية. عموما تمكنا بعد وبمساعدة البنك الدولي وصندوق الأمم المتحدة للإنماء من تكوين حوالي 700 مختص في مقاومة الفساد والصفقات العمومية.
هناك مؤشران يدلاّن على أنّه من الصّعب على المواطن أن يطمئنّ اليوم لفكرة الحكم الرّشيد في تونس اليوم: غلاء المعيشة والتّداخل بين الدولة و الحزب الحاكم وتحديدا حزب حركة النهضة؟
- غضب المواطنين بسبب غلاء المعيشة مفهوم جدا. لقد عملنا ما بوسعنا لمراقبة الأسعار. المراقبون تعرضوا للضرب والأمن لوحده لا يمكن أن يضمن مراقبة متواصلة للأسعار. الأمر بيد عصابات المافيا والتهريب التي تستعمل الضعفاء من التونسيين.
بالنسبة للنقد الموجه ضد الحكومة وخاصة ضد حركة النهضة لا نلاحظ دائما أفكارا بناءة بل على العكس هناك تركيز مفرط على الصراع الإيديولوجي. نود لو أن المعارضة ومختلف قوى الضغط في البلاد تتحول إلى قوة اقتراح لأن القضيّة قضية حماية الثورة وحماية البلاد من خطر العودة إلى الديكتاتورية.
بالنسبة للمسؤولين في الدولة معلوم أنه يشترط فيهم أنهم عندما يدخلون الإدارة يتخلون تماما عن تحزّبهم. أستطيع أنا شخصيا أن أتحدّث مع الأصدقاء عن حزب التكتل من أجل العمل والحريات لكن خارج أسوار الإدارة ومبنى الوزارة. يشترط كما معروف كذلك في كل مسؤول في الحكومة أن لا يكون له أي منصب حزبي وهي من الأمور التي تلتزم بها الحكومة الحالية وتحاول أن لا تحيد عنها.
الحكم الرشيد يفترض أن نهتمّ باقتصاد الوقت لكن المجلس الوطني التأسيسي لا يبدو عليه أنّه مهتمّ كثيرا بعامل الوقت؟
-المجلس الوطني التأسيسي مسيّس ويصبح مسيّسا جدا كلما كانت التلفزة موجودة. هناك الكثير من الوقت الذي يهدر بلا فائدة. الدليل على ذلك أن عدة مشاريع قوانين يحصل عليها الإجماع داخل اللجان وعندما تعرض على الجلسة العامة من المفروض ان النقاش حولها يتركز على النواحي الشكلية لكننا نفاجئ أمام التلفزة في كل مرة بالعشرات من النواب يطلبون الكلمة ويعيدون النقاش بندا بندا.
ضياع الوقت فعلا مشكلة كبيرة. هل يعقل أن تستغرق مناقشة مشروع القانون التكميلي للمالية شهرا ونصفا. يجب أن نعلم أن مشاريع القوانين التي تناقش داخل اللجان المتخصصة تستوفي النقاش ولا تعرض على الجلسة العامة إلا بعد حصولها على الإجماع داخل هذه اللجان. لماذا تقع إعادة مناقشتها ذلك هو السؤال. أما النتيجة فهي أموال معطلة ومشاريع واقفة.
كيف وجدت الإدارة التونسية وهل تساهم في تيسير تطبيق برامج الحوكمة ومقاومة الفساد؟
-الإدارة التونسية وبقدر ما تضم كفاءات فإن نسبة كبيرة من المشتغلين بها تعودوا على أسلوب معين في العمل. لا يمكن أن نقول أنه ليس هناك تعطيلات ولا تململ ولا تراخ ولا عدم مبالاة ولا إهمال. نصطدم أحيانا بواقع يجعلنا نقف على حجم البيروقراطية وعلى حجم التعطيلات.
نلاحظ في حديثنا معك حماسا لعملك ولعمل الحكومة ككل هل تستمد ذلك من الإرث العائلي وخاصة من والدك الراحل الباهي الأدغم الوزير الأول الأسبق ؟
- ورثت عن والدي فعلا تقديس الدولة ومكتسبات الدولة وورثت عنه مفهوم الدولة لكن أؤكد أننا أغلبنا في الحكومة وعندما نجتمع في المجالس الوزارية لا نتحدث عن إسلام الناس هذا إسلامه زائد و ذلك إسلامه ناقص ولا عن دخل الدين الإسلامي في السياسة. نتكلم كرجال دولة ونتناقش كرجال دولة. أما بالنسبة لي شخصيا فقد خبرت العمل الإداري ( مسؤوليات خاصة بالمستشفيات فمحدثنا طبيب مختص في علاج أمراض السرطان ) وكلما تراءى لي اليوم وفي صلب مهامي بالوزارة ضرورة اتّخاذ القرار أقدم ولا أتأخر.
لم أطالب بمصادرة كتاب زوجة المخلوع بل بمصادرة مداخيله
نفى وزير الحوكمة ومقاومة الفساد عبد الرحمان الأدغم ما قال أنه نسب إليه من أقوال في الصحافة التونسية حول دعوته لمصادرة الكتاب الذي راج أن ليلى بن علي زوجة الرئيس المخلوع تنوي نشره قريبا. وقال الوزير المعتمد لدى رئيس الحكومة أنّه كان قد صرح بأنه لا بد من مصادرة ثمن هذا الكتاب لو روّج في تونس وأن هناك إجراءات قد اتخذت للمطالبة بمصادرة مداخيل هذا الكتاب في الخارج . وشدد على أنه إن كان من حقه كأي مواطن تونسي متضرر من ممارسات المرأة أن يطالب بمصادرة الكتاب أمام المحاكم بعد ما اقترفته في حق البلاد فإنه لم يطالب بمصادرة الكتاب لا باسمه كمواطن ولا باسمه كعضو في الحكومة. وأشار إلى أنه ليس من صلاحيات الحكومات مصادرة الكتب حتّى وإن سبق وعمدت بعض الدّول إلى إعاقة صدور البعض منها إذا اتفق على أنها تضر بالأخلاق والقيم. وبالنسبة له فإنه يعوّل على ذكاء المواطن التونسي حسب وصفه كي يجد الطريقة المثلى للإطلاع على الكتاب وما يحمله من أكاذيب دون أن يضطر للإنفاق عليه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.