- حاورته: خولة السليتي - تعتبر الحوكمة مصطلحا جديدا كثر تداوله لدى الرأي العام منذ إنشاء وزارة مختصّة في هذا المجال. وتتعلّق الحوكمة الرشيدة بالأنشطة الإداريّة والآليّات المتبعة لضمان حسن سيرها. ولإلقاء الضوء على نشاطات الوزارة، التقت «الأسبوعي» بعبد الرحمان الأدغم الوزير المكلّف بالحوكمة ومقاومة الفساد. *تمّ تعيينكم منذ أكثر من شهر تقريبا على رأس الوزارة، فماذا أنجزتم خلال هذه الفترة؟ أشير بداية إلى أنّ وزارة الحوكمة ومقاومة الفساد لم تكن موجودة سابقا، ما تطلّب وقتا لوضع اللبنة الأولى. وإلى اليوم لم ننتدب الإطار الكافي للعمل داخل الوزارة، نحن نتحاور خلال هذه الفترة مع عديد الأطراف التي بإمكانها مساعدتنا في مسألة الحوكمة ومكافحة الفساد. عدا ذلك، نحن نعمل على دراسة بعض ملفّات الفساد. *أكد العديد من المواطنين ومتتبّعي الشأن الوطني أنّ الفساد لا يزال موجودا إلى اليوم، فهل تلقّيتم ملفّات تتعلّق بقضايا فساد بعد الثورة؟ نعم، لقد تلقّينا ملفّات عديدة تتعلّق بأكبر الشركات في تونس بما في ذلك بعض الشركات المصادرة، فالقضاء على الفساد بصفة كليّة لن يكون أمرا سهلا ويستوجب آليات فعليّة. *ماهي أبرز هذه الشركات، وماهي القطاعات التي تسجّل أكثر نسبة من الفساد؟ لا داعي للخوض في تفاصيل الشركات. ولكن أشير إلى أنّ الصفقات العموميّة هي الأكثر فسادا من ناحية القيمة، فهي تستنزف 20 % من الناتج الداخلي الخام بسبب تفشّي ظاهرة الرشوة وغياب الحوكمة الرشيدة، كما وجدنا فسادا في القطاع الفلاحي بصفة مهولة. وأشير إلى أنّنا نخسر بصفة مستمرّة 2 % من النموّ بسبب الرشوة، ولو لم تكن ظاهرة الرشوة متفشّية لما وصلت نسبة النموّ إلى أقلّ من 0 % خلال الفترة الماضية. *وبم تفسّرون تواصل الفساد بعد الثورة؟ لقد تواصلت ظاهرة الفساد لأنّ الحكومة السابقة لم تحرّك ساكنا إمّا لعدم قدرتها على التحكم في الوضعيّة أو تكريس اهتمامها ومجهوداتها لتنظيم الانتخابات، وهذا إذا كانت النيّة صادقة طبعا. *هل بدأتم بوضع أهمّ الآليات للحدّ من انتشار ظاهرة الفساد؟ نعمل حاليّا على وضع سياسة وطنيّة لمكافحة الفساد من خلال خلق مناخ وقائيّ وثقافيّ للحدّ من انتشار هذه الظاهرة وكذلك من خلال تطوير القوانين. وسنعمل على وضع نصّ قانونيّ يجرّم الرشوة باعتبارها جريمة اقتصاديّة. كما سنتعاون مع بقيّة أطراف الحكومة للحدّ من انتشار الفقر لأنّ الرشوة والفساد ينتشران في مناخ الفقر. *إنّ نجاحكم في أداء مهمّتكم مرتبط بمدى تعاون بقيّة الوزارات معكم. فهل تحاورتم معها؟ نعمل حاليّا على إنشاء هيئة استشاريّة تضمّ كلّ الأطراف من وزارات وهياكل المجتمع المدني ونوّاب المجلس التأسيسي وأحزاب المعارضة وخبراء في الحوكمة لوضع استراتيجيّات ناجعة في هذا المجال، وقد اتصلنا بعدّة وزارات أبدت رغبتها في مساعدتنا. وأشير إلى أنّنا تلقّينا ملفّات فساد من قبل بعض الوزارات، لكن لا يمكننا البتّ فيها. *بما أنّكم لا تستطيعون البتّ فيها، فلماذا تقبلون هذه الملفّات؟ نحن نقبل هذه الملفّات لنقدّمها للطرف المعنيّ الذي له أحقيّة وإمكانيات دراستها. كما أنّ اطّلاعنا على هذه الملفّات يمكّننا من معرفة القطاعات الأكثر فسادا ويساعدنا على وضع الآليات الناجعة لترشيد الحوكمة والتخلصّ من الفساد. وأشير إلى أنّنا نتلقّى، بصفة يوميّة تقريبا، ملفّات فساد من قبل المواطنين وكذلك من قبل أعضاء في أجهزة الرقابة العموميّة. *دعوتم إلى ضرورة إدراج ثقافة النزاهة والحوكمة الرشيدة في المنظومة التربويّة، فهل قدّمتم هذا الاقتراح لوزير التربية؟ نعم لقد اتصلنا بوزير التربية الذي أبدى موافقة مبدئيّة على هذا المقترح باعتبار أنّ عدم الحوكمة يؤدّي إلى الفساد المالي والجريمة الاقتصاديّة. ونحن بصدد دراسة هذا الموضوع، فلا نريد اتّخاذ قرارات متسرّعة. *غياب الحوكمة على مستوى القطاع الماليّ أثر سلبا في نجاعة القطاع البنكي، ألا ترون أنّه من الأفضل البدء بإرساء الحوكمة الرشيدة في القطاع البنكي؟ نعم، هذا صحيح، حتى أنّ أصحاب البنوك طالبوا بذلك ونحن نسعى إلى إنشاء هيكل مختصّ في الأمور البنكيّة والماليّة، لكنّ ذلك يتطلب وقتا وقوانين. *هل تعاونتم مع خبرات أجنبيّة للنجاح في مهمّتكم؟ لقد أبرمنا اتفاقيات مع البنك الدولي الذي قدّم لنا 250 ألف دولار لتكوين المكوّنين في مجال الحوكمة وذلك من خلال تعزيز التربصات المهنيّة بالخارج للاستفادة من التجارب الأجنبيّة. كما أبرمنا اتفاقيّات مع برنامج الأممالمتحدة للتنمية لمساعدتنا على تشخيص وضعيّة الفساد والحوكمة في تونس بالإضافة إلى التعاون مع أكاديميّة برلين للحوكمة التي ستتكفل بتكوين 60 عونا إداريّا ومختصّين. ولدينا مشروع مع كوريا الجنوبيّة للنهوض بمجال الحوكمة الألكترونيّة. *ما مصير المرسوم عدد 120 الذي أصدره الرئيس المؤقت السابق فؤاد المبزع والذي ينصّ على إحداث هيكل قارّ تعهد إليه مهمّة مكافحة الفساد والرشوة؟ سيحلّ هذا الهيكل محلّ اللجنة الوطنيّة لتقصّي الحقائق حول الرشوة والفساد للمرحوم عبد الفتاح عمر. ونظرا إلى انتقاد هذه اللجنة من قبل العديد باعتبارها تتدخل في شؤون القضاء، فكّرنا في إنشاء هيئة جديدة تعمل داخل منظومة قضائيّة أي أنّها تشتغل بصفة موازية مع القضاء. وسنسعى إلى تخصيص مكان داخل الوزارة يجمع الطرفين وذلك لتفادي إتلاف ملفّات الفساد أثناء عمليّة نقلها. لكنّ الحسم في هذه المسألة مرتبط بالمجلس الوطني التأسيسي.