لم يتغيّر شيء يذكر يشير الى أن البلاد قد عاشت ثورة فالشباب يعاني التهميش والإقصاء والبطالة. ظاهرة في ازدياد مطرد.. فبين المقاهي والحانات والمراكز العمومية للانترنات يقضي شباب مدينة الكاف من العاطلين عن العمل من حاملي الشهادات الجامعية معظم وقته. وبات الحل الجديد القديم يكمن في النزوح الى العاصمة أو إحدى مدن الساحل أو الزواج بأجنبية قصد الهجرة.... اجمع غالبية الشباب الذين التقتهم الصباح في لقاء مطول في بعض مقاهي المدينة أن الوضعية صعبة فقد أكد الجميع أن المدينة تحتاج ثورة أخرى حتى تقطع مع عقليات النظام البائد فهم يعانون وفقا لما أدلوا به من تعنت المسؤولين وتجاهلهم لقضاياهم. ففي خطاب تراوح بين اليأس والغضب أكدوا أنهم سئموا من هذه الوعود الزائفة ومن اللغة الخشبية للساسة المنشغلين بترتيب بيوتهم الداخلية دون الالتفات الى ابرز احتياجات المواطن البسيط. الهجرة ...ثم الهجرة في قاعة صغيرة الحجم لا يتجاوز عدد الحواسيب العشرة المتواضعة والتي تجاوزها الزمن ، تتطلع أعناق الشباب حالمة الى شاشات الكمبيوتر علّها تظفر بفرصة عمل أو بطريقة تكسب بها ود أجنبية..فالمراكز العمومية للانترنت تكاد تكون الملاذ الوحيد للشباب العاطل عن العمل في مدينة الكاف الأمر الذي يؤكده سليم الدراجي الذي يقضي فيها معظم وقته رغم انه متحصل على عدة شهادات في مجال الإعلامية والاتصالات والإلكترونيك والرسم .. هذا الكم من الشهائد المتحصل عليها في مجالات عديدة لم تسمح له بالظفر بعمل قار يستجيب الى طموحاته. ويعتقد سليم أن المدينة تفتقر من وجهة نظره الى وسائل الترفيه، فما بالك بالمشاريع القادرة على امتصاص البطالة وكل ما يمكن معه تدعيم النسيج الاقتصادي. سارة أولاد احمد مجازة في الاقتصاد ليست أحسن حظا من سليم. وتسعى جاهدة من بضعة اشهر للحصول على عمل بالنسبة لها : لا شيء تحقق في ولاية الكاف منذ ما يناهز السنة والنصف عن ثورة الكرامة عدا الوعود التي لا تجد صداها على ارض الواقع فخريجو الجامعات لا سيما ممن طالت بطالتهم لا يزالون يعانون البطالة مقابل انشغال الساسة بمسائل لا تتجاوز اهتمامات المواطن. وفسرت في هذا الصدد أن ممثلي الأحزاب نادرا ما يزورون المدينة وهو ما يفسر عدد المقرات المقفرة باستثناء حزب حركة النهضة. وفي حالة الضياع هذه الذي يشتكي منها الشباب، يهرع البعض منهم الى ظاهرة التهريب التي باتت الملاذ الوحيد للعاطلين عن العمل. ولم تخف الابتسامة التي ارتسمت على محيى ألفة اليحياوي المرارة داخلها فهي مجازة في اللغات التطبيقية منذ 2006 ورغم أنها تصنف في خانة أصحاب البطالة الطويلة المدى فإنها الى اليوم لم يقع إدماجها في وظيفة علما أن اثنين من أشقاءها من أصحاب الشهادات العليا ولم يندمجا بدورهما في سوق الشغل.. تتردد ألفة باستمرار على المراكز العمومية للانترنات بمعدل ساعتين في اليوم لا لشيء إلا للتسجيل في بعض عروض الشغل ولتمضية الوقت على صفحات المواقع الاجتماعية مشيرة الى أن الشباب في ولاية الكاف يعيش حالة اختناق وبات الحل الوحيد يكمن في الهجرة خاصة أن بعض الدول كليبيا وقطر التي تعتزم انتداب إطارات تونسية. تهميش.. وهروب.. وبعيدا عن العالم الافتراضي تنتشر الحانات بكثرة في مدينة الكاف حتى أن الواحدة تكاد تلتصق بالأخرى والتي تمثل بدورها المتنفس الوحيد للشباب... في إحدى الحانات الشعبية أين تنتشر قوارير الخمر هنا وهناك اتخذت مجموعة من الشباب طاولة في أقصى الزاوية اليمنى... أحد الشباب الملتحي انتابه نوع من الحرج رافضا بشدة التحدث إلينا... مصدق - صديقه يكبره سنا- أنقذ الموقف فهو يعزو سبب الإقبال الكثيف على الحانات الى تفشي البطالة ليجد الشباب نفسه مضطرا طوعا الى المجيء بحثا عن طريقة للنسيان وتجاوز الضغط النفسي. ولم يفوت مصدق الفرصة بالقول بأن الكاف بعد الثورة تعاني التهميش في ظل غياب الإرادة التنموية الحقيقية من قبل المسؤولين. معتبرا أن الكاف لا زالت بصدد البحث عن مستقبل. غير أن أستاذ الجغرافيا ومدير معهد الإنسانيات بالمدينة نورالدين محيضي لا يقاسم الشباب ذات الطرح حيث يعتبرها مغالاة في صفوفهم استنادا الى أن الإشكالية الحقيقية تكمن في بعض العقليات التي تفضل العمل في قطاعات معينة على غرار الوظيفة العمومية في حين أن فرص العمل متوفرة لاسيما في المجال الفلاحي الذي يشهد عزوفا كليا مع أنه لا ينفي أن تفشي البطالة يعود الى غياب فرص عمل حقيقية وجود استثمار يدعم البنية الاقتصادية للولاية ويعزز من قدراتها.