عبّر مجموعة من الشباب التونسيين المشاركين في منتدي الحوار مع الشباب عن بعد عن مجموعة من مخاوفهم بخصوص تفشي العنف اللفظي والجسدي والبطالة والرشوة والمحسوبية والهجرة السرية. ويقول أحد الشبان المشاركين في المنتدي ويدعي صابر بن إبراهيم متحدثا عن ظاهرة العنف: ''ظاهرة خطيرة بدأت تتفشي هذه الأيام في مجتمعنا خاصة بين صفوف الشباب والأطفال فهم يعتبرونها مظهرا من مظاهر الرجولة والبطولة وتتمثل هذه الظاهرة في العنف بكل مظاهره وأنواعه اللفظي والبدني. وهي ظاهرة دخيلة علي مجتمعنا ولكنها تمكنت من الاستفحال فيه والسيطرة علي عقول الشباب وتصرفاتهم: ومن أهم الأسباب التي ساعدت علي انتشار هذه الظاهرة مخالطة أصدقاء السوء.. فالعائلة لا تراقب أبناءها ولهذا السبب فإنهم يتأثرون بالعادات السيئة التي يغرسها فيهم أصحاب السوء''. ويضيف ''كما انتشر العنف في المدرسة والمعهد.. وتشهد ساحات المعاهد والمدارس هذه الأيام انفلاتا وتسيبا لا مثيل له يعكس غياب الرقابة والدور التربوي. ونسمع الكثير من الكلام البذيء ونشاهد أعمال العنف البدني وغيرها من التصرفات اللاأخلاقية داخل المدارس والمعاهد والجامعات دون التدخل لوضع حد لها''.. ويؤكد علي ضرورة إيجاد حلول لهذه الظاهرة الخطيرة في أسرع وقت ممكن. البطالة وتعد قضية البطالة من القضايا الرئيسية التي أولاها المشاركون في منتدي الحوار مع الشباب اهتماما خاصا، وفي هذا الصدد يمكن التذكير بأن الاستشارة الوطنية حول التشغيل وضعت بدورها موقعا علي شبكة الانترنت ويمكن والمشاركة في منتدي حواري مفتوح وعن بعد حول التشغيل والبطالة. يقول مشارك آخر في منتدي الحوار مع الشباب واختار لنفسه من الأسماء ''تونسي بطّال'' إن الكثير من الشبان يعانون من معضلة البطالة وخاصة حاملي الشهادات العليا الذين لم يتمكنوا من الحصول علي عمل.. وبيّن أن هذه المشكلة متفشية في كافة بلدان العالم بحدة متفاوتة ولم يسلم منها المجتمع التونسي وخاصة الشباب رغم تطور المنظومة التعليمية والتحديث المستمر والمتواصل للمؤسسة الجامعية التونسية. واستشهد بما ورد في تقرير للبنك الدولي نشره يوم 5 مارس 2008 حول البطالة في تونس التي بدأت تسري أكثر فأكثر في صفوف الأشخاص ذوي المستوي التعليمي العالي. وتحدث عن حدة وخطورة المأساة التي يتخبط فيها أصحاب الشهادات العليا وهي البطالة التي تنتظر ألوفا من الطلبة ويطمحون في الحصول علي موطن عمل مستقبلا يضمن لهم العيش الكريم. وأكد علي أن معضلة البطالة هي أكبر وأضخم وأخطر من أن يتم تجاهلها أو تهميشها، خصوصا وأنها السبب المباشر لمخاطر تهدد المجتمع ولا يمكن التغافل عنها، كالانحراف والجريمة، ولجوء الشباب التونسي إلي الهجرة غير الشرعية التي قد تودي بحياة خيرة من الشباب الذين يقضون غرقا أثناء مغامرات اجتياز الحدود خلسة. وتقول سماح: ''بعد هذا التقدم الباهر الذي عرفته البلاد التونسية نلاحظ أن منطقة الشمال الغربي مازال ينقصها الكثير من مواطن العمل. فخلافا لبقية الولايات فإنه لا يوجد بها منطقة صناعية لذلك نشاهد نزوح أبناء الجهة إلي العاصمة التي أصبحت تعاني اكتظاظا رهيبا وهذا ما يجعلنا ننادي باللامركزية''. ويقول مشارك يدعي محمد ''صدقوني يا شباب إن البطالة ليست مشكلة والفقر أيضا بل المشكلة الحقيقية يكمن في عدم تكافؤ فرص العمل.. وإني أتساءل كيف يمكن للبعض الحصول علي عمل ولم يمر بعد علي موعد تخرجه إلا بعض الشهور في حين نجد الآلاف ينتظرون سنوات طويلة. إضافة إلي الرشوة.. ''. ويقول آخر ''صحيح أن الدولة تبذل مجهودا في مجال العمل ولكن المجهود الذي يبذله بعض المخلصين لهذا الوطن يذهب سدي عندما نلاحظ ما يرتكب من حيف في حق الشباب من إقصاء وتهميش وعلي سبيل المثال لا الحصر كيف يعقل انتداب متخرجين من الجامعة علي أساس القرابة أو الرشوة في الوقت الذي يطرد من هو جدير بالتدريس'' ويضيف ''لقد آن الأوان للتصدي للتلاعب بمصير الناس ولإعادة الحقوق لأصحابها ولِمَ لا محاسبة المتورطين في الفساد والرشوة والمحسوبية''. وبين المشارك أن هذا الحوار مع الشباب إذا لا ينتهي إلي نتائج ملموسة سيكون حوارا أخرس لا معني له. ويقول آخر متوجها بالكلمة إلي المسؤولين عن هذا الحوار ''الم تعلنوا أن الشباب هو الحل. أري أن هذا الشعار جميل ولكن. فنحن شباب هذه البلاد نعاني التمييز الذي يشعرنا بالقهر .فإن كنتم بالفعل جادين في هذا الحوار وغايتكم نبيلة فاستمعوا إلينا. فلقد وجّهنا آلاف الرسائل المكتوبة إلي المسؤولين بعد أن تعذر علينا مقابلتهم ولكننا إلي اليوم لم نتلق أي رد. ونحن لا نطلب منّة من أحد ولكن نطلب تطبيق القانون. الم تقولوا إن التونسيين سواسية أمام القانون. فنحن لا نطلب غير تطبيق القانون''. المحسوبية ظاهرة أخري تؤرق الكثير من الشباب وخاصة العاطلين عن العمل وهي ''الوساطة والمحسوبية ''.. وفي هذا الصدد تقول ألفة : ''نجد في تونس كل الشباب مثقفا.. كما أن نسبة التعليم في ارتفاع لكن في المقابل نجد نسبة البطالة في ارتفاع أيضا.. ففرص العمل غير كافية لاستيعاب كل الشباب المتخرج.. والأسوأ من ذلك أننا في يومنا هذا لا نسمع إلا العبارات نفسها وهي '' تحب تخدم يلزم عندك معارف وفلوس'' وللأسف هذا ما يحصل.. ومن حق كل واحد منا نحن الشباب أن يحصل علي عمل وفق قدراته ومؤهلاته وليس وفق التدخلات وما يملكه من نقود ولم يعد ذلك مقتصرا علي العمل العمومي بل أصبح يشمل أيضا قطاع العمل الخاص فحتي القروض الموجهة للمشاريع أصبح الحصول عليها أيضا بالرشوة.. للأسف هذا هو سوق العمل في تونس لذلك يجب إحداث فرص عمل أكثر مع ضرورة إيجاد حلول للرشوة والتدخلات''. ويقول مشارك آخر ''كنت أعتقد أنه لا يمكن في تونس أن يكون هناك من يتعامل بالرشوة في قضاء شؤونه وكنت أتحدي زملائي بالعمل وأقول لهم لا يمكن أن يحدث مثل هذا الأمر في دولة القانون والمؤسسات. ولكنني فوجئت للأسف الشديد باستشراء الرشوة بصفة لا تطاق وعلي نطاق واسع''.. وتحدث المشارك عن حادثة عاشها وقد اضطر إلي دفع ألف دينار رشوة لعدد من الموظفين في يوم واحد للحصول علي خدمة. ويضيف ''هذه معاناتي وكذلك معاناة الآخرين الذين ليست لهم وساطات مثلي فيقعون في ما وقعت فيه. تري ما الذي يجعل موظفاً بتونس يطلب الرشوة لتقديم خدمة للزبائن؟ أنا أقول لك: السبب إنه ضعف الرواتب التي يحصل عليها هؤلاء''.. الهجرة السرية كما أثارت مسألة الهجرة السرية بعض الشبان المشاركين في المنتدي وقال أحدهم إن موضوع ''الحرقة''(أي الهجرة السرية) يستحق نقاشا طويلا وبين أن هناك عوامل مشجعة علي هذه العملية منها القرب الجغرافي بين تونس وايطاليا ومحدودية فرص العمل والهجرة والجري وراء الثروة مهما كانت الوسيلة.. وبين أن هذه المشكلة لا تشغل تونس فقط بل هي مشكلة العالم النامي. ويقول مشارك يدعي جربي إن أخطر شيء هو الهجرة السرية ولكنه يري أن الظروف القاهرة خاصة البطالة والعوز والملل والمعاملات السيئة التي يتعرض لها الشاب في المجتمع هي التي تدفعه إلي الهجرة السرية. وفي المقابل يقول عادل ''بلادك أولي بك''.. وقال إن الشاب لو توفرت له كل الضروريات في بلده فإنه لن يهاجر بطرق غير مشروعة وذكر أن البطالة هي السبب الذي يحث الشاب علي الهجرة السرية. ويبقي السؤال مطروحا هل سيتم الأخذ بعين الاعتبار بكل هذه المشاركات التي تعبر عن مشاغل الشباب التونسي وهمومه؟. الإصلاح السياسي مدخل لمعالجة قضايا الشباب وتجدر الإشارة إلي أنّ مجموعة من المختصين الذين ينتمون إلي مجال الطفولة والشباب وتنمية الموارد البشرية وبالتعاون مع مجموعة من الباحثين الشبان و المختصين في الطب النفسي، تمّ إجراء بحث بعنوان ''الإصلاح السياسي مدخل لمعالجة قضايا الشباب''. وفي هذا الصدد، أكّد هذا البحث أنّه لا يمكن أن نتحدث عن الشباب بمعزل عن السياسة والثقافة.. ويعني المحور الأول من هذه الدراسة التي شاركه فيها كل من حافظ الجندوبي ورامي الصالحي ومالك صغيري وحبيب المستيري بتقييم السياسات الرسمية الموجهة للشباب وفهم خلفياتها وأبعادها ورصد تطورها والوقوف علي محدوديتها. ويتطرق المحور الثاني للتحديات الثقافية التي يواجهها الشباب أثناء تحوله إلي الكهولة في سياق العولمة والتحولات المحلية والدولية وما تنتجه من إكراهات وردود أفعال. في حين يهتم المحور الثالث بتقييم منظومة الحماية الاجتماعية القائمة وقدرتها علي حماية الشباب من التهديدات وتأمين مستقبل أفضل له ويتعرض المحور الرابع لمشاركة الشباب ودوره في ترسيخ المواطنة وتعزيز الانتماء وينتهي النص بمحور يبرز أهم العناصر لبناء سياسة شبابية تتحرك بأفق الانتقال الديمقراطي وتمكن الشباب وتضمن له فرصاً حقيقية للاندماج وتوفر للبلاد استفادة قصوي من الطاقة الإبداعية والتجديدية للشباب. وأكد البحث خاصة أنه لا يمكن اليوم مواجهة المشاكل المطروحة علي البلاد في علاقة بالشباب دون الخوض في السياسة وفي نظام الحكم ومدي حضوره في دوائر صنع القرار وفرصه الحقيقية للتأثير في القرارات الموجهة إليه.فالإصلاح السياسي وما يتطلبه من تطوير لمنظومة المشاركة الكفيلة بتعزيز القدرة الجمعية وتعبئة مختلف الطاقات شرط للقضاء علي الإقصاء والتهميش واللامبالاة في صفوف الشباب ومدخل لتوفير بيئة ترد له الاعتبار وتمكنه من التعبير عن ذاته وضمان انخراطه الحر والناجع في ضبط السياسات الكفيلة برفع التحديات والمشاركة في إنجازها وتقييمها. تحولات وقد ورد في مقدمة هذه الدراسة ''الإصلاح السياسي مدخل لمعالجة قضايا الشباب'' أنّ تونس تعيش حاليا أهم مراحل تحولاتها الديمغرافية المتميزة بفترة طفرة الشباب فمتوسط العمر هو في حدود 29 سنة ونصف وتمثل الفئة العمرية (15 29 سنة) قرابة ثلث السكان والفئة العمرية (15 24)في حدود المليونين وهذا ما يعطي للشباب مكانة هامة في ضبط السياسات التنموية.. وبالإضافة إلي ذلك فإن التحولات الاقتصادية والاجتماعية وخاصة منها مسار تراجع الدولة التدريجي في المجال الاجتماعي والتقدم السريع في المشروع الليبرالي تنعكس سلبيا علي قدرة الدولة في تعبئة الموارد الضرورية لسياسة اجتماعية سخية وفعالة وتتسبب في تدني مستوي الخدمات وضعف منظومة الحماية الاجتماعية وتبدو فئة الشباب الفئة الأكثر عرضة للتهديدات الاجتماعية جراء هذه التحولات. وقد أنتجت التحولات ضغوطا قاسية علي مستوي فرص إدماج الشباب خاصة الفئات الأكثر هشاشة وهو ما يتجلي في ازدياد نسبة البطالة في صفوف حاملي الشهادات العليا وخريجي التعليم العالي وطول فترة الانتظار للحصول علي عمل.