اشكال وأنواع مختلفة من الاحتجاجات شهدتها بلادنا منذ اندلاع الثورة انطلاقا من الانتحار حرقا، الدخول في اضراب جوع، تخييط الافواه، التهديد بالتعري وصولا الى ارقى انواع الاحتجاج التي صارت مؤخرا بإحدى مدن الشمال الغربي وتتمثل في تنظيم حفل فني الأسبوعي» تطرقت للموضوع وبحثت في مختلف جوانبه والحلول الممكنة للحد من هذه الاشكال التي باتت تهدد صحة الانسان على غرار تخييط الافواه. الانطلاقة كانت مع المعتصمين المتواجدين أمام مقر المجلس التأسيسي حيث بين محمد السنوسي جريح ثورة قام بتخييط فمه كطريقة للاحتجاج على عدم تلبية مطالبه، لعلّ أولها الكشف عن الحقيقة. وقد أكد أيضا أنه مثل بقية الجرحى ملّ الوعود الزائفة من الحكومة ، وقد أكد محدثنا أنه في صورة ما اذا لم توف الحكومة بما وعدت به فانهم سيقومون بالتصعيد في اشكال الاحتجاج مؤكدا ان الامر سيكون بالمسّ من الذات بشكل جديد وبشع. من جهتها بينت هالة العويشي التي تعرضت الى اطلاق ناري اثناء الثورة اصابها على مستوى جبينها وقد استقرت بعض الشظايا من الرصاصة في راسها الى اليوم وصارت بعد هذه الاصابة عاجزة عن القيام بأي عمل لكثرة حالات الاغماء والآلام الحادة بالرأس .حيث أكدت لنا هالة أنها مستعدّة لفعل أي شيء في سبيل الحصول على طلباتها خصوصا بعدما خسرت وظيفتها لذا فان أي طريقة ستجدها نافعة للوصول لتحقيق مطلبها لن تتوانى عن توخيها وتطبيقها. أما عبد الرؤوف الخميري فقد أكد أنه لا رغبة للحكومة في فتح ملف الجرحى بالذات متسائلا عن أية جهة يخدم ذلك، داعيا نواب المجلس التأسيسي الذي يملك الشرعية المطلقة بالإسراع الى تلبية المطالب الشرعية والقانونية للجرحى والا فسوف يتفاجؤون بما سيقدمون على فعله من طريقة جديدة وبشعة. الاحتجاج ينبع من يأس عميق وعن العوامل النفسية المؤثرة في تصرف الفرد ورود أفعاله أشار الدكتور عطيل بينوس المختص النفساني أن الاحتجاجات بمختلف أشكالها لها عامل مشترك وهو العنف الذي يعتبر موجودا لدى العديد، ويبين أيضا الدكتور أن العنف المسلّط طوال سنوات جعلهم لا يستطيعون فعل أي شيء بسبب الخوف تجاه السلطة. وما أن سقط ذلك النظام المستبد الا وبدأت تطفو مظاهر العنف التي تعددت أشكالها والذي بالإمكان أن يتصاعد في ظل انعدام الحوار ووجود أشخاص يحاورونهم. وعن مدى تأثير هذه الطرق من الاحتجاج على الافراد يقول الدكتور ان العنف الذي بات يتوخاها البعض كطريقة للاحتجاج شهد نوعا من التدرج في مجتمعنا معتبرا اياه كطريقة غير ناجعة وانما مضرّة للفرد وللمجتمع وبالإمكان أن تتفشى وتصبح ظاهرة منتشرة حتى في بعض البلدان الاخرى خصوصا وأنها تنم عن يأس واحباط عميق. وقد اقترح كحل للحد من هذه الظاهرة هو ضرورة تغيير طريقة التعامل مع الفرد عن طريق التحاور معه وايلاءه مكانة وقيمة يستحقها خصوصا في الوقت الراهن الذي لم يعد المواطن فيه يرضى الاهانة او التجاهل. المجتمع بصدد صناعة تاريخه ولمزيد معرفة مدى تأثير مثل هذه الاشكال على المجتمع اتصلنا بفؤاد غربالي مختص في علم الاجتماع الذي بين أن الاحتجاجات المتصاعدة حاليا هي تعبيرات إجتماعية تدل من الناحية السوسيولوجية على أن المجتمع قد إستعاد حيويته ودينامكيته التي حاول النظام السابق عبر السياسات الأمنية لجمها وتجاوزها عبر خطابات دعائية إلا أنه و بعد سقوط النظام إبان ثورة 14 جانفي طفت على السطح عدة تعبيرات احتجاجية مثل الاعتصامات والمظاهرات وقطع الطرقات . وعن العوامل الأساسية التي جعلت مثل هذه الظواهر تطفو بيّن فؤاد غربالي أن هذه الاحتجاجات تستفيد من تراجع السلطة الأمنية التي كانت تقمع المجتمع، كما أن اتساع هامش حرية التعبير وسقوط الخوف يفسر صعود النزعة الاحتجاجية في الفضاء العمومي و إذا ما أردنا أن نفسر أسباب الاحتجاجات المتصاعدة في الآونة الأخيرة فإنها تندرج في إطار مطلبية إجتماعية متصاعدة، ومن جهة أخرى أوضح المختص الاجتماعي أن ما أجّج الامر هو تلكؤ الحكومة الحالية في التعامل بفاعلية مع هذه الاحتجاجات ومع المسألة الإجتماعية وجعلها أحيانا تتخذ منحى عنفيا تعبر عنه المواجهات مع قوات الأمن و إحراق مقرات مؤسسات حكومية ومقرات أحزاب الأمر الذي يؤشر على أن الثقة بين تلك الفئات ومؤسسات الدولة لاتزال مفقودة وهذا أمر خطير وسلبي. تواصل مفقود يهدد عملية الانتقال الديمقراطي وفي رده على سؤال يعنى بالحلول الممكنة للحد من هذه الظواهر قال غربالي أن اللحظة الحالية التي يعيشها المجتمع التونسي تتميز بال»لايقين والخوف والترقب»ودعا في نفس الوقت الفاعلين السياسين لضرورة بناء خطاب وممارسة سياسية تعطي الأمل للمجتمع فالتواصل بين الدولة والمجتمع صار مفقودا وحين يغيب التواصل تفتح إحتمالات عديدة لعل أهمها الإتجاه نحو العنف الأمر الذي قد يهدد عملية الإنتقال الديمقراطي فالعنف هو ألد أعداء الديمقراطية