عبر الفنان محمد الجبالي عن أسفه الشديد لتواصل ما أسماه بسياسة تهميش الفنان التونسي بعد سنتين على ثورة الكرامة والحرية وفي ظل وزارة ضمن أول حكومة أغلب أعضائها منتخبون بعد أن عانى من مثل هذه الممارسات في ظل النظام السابق. لذلك اعتبر القرار الذي اتخذته كل من نقابتي المهن الموسيقية والمطربين المحترفين ونقابة المؤلفين والشعراء لمقاطعة مهرجان قرطاج الدولي في هذه المرحلة بمثابة القطرة التي أفاضت الكأس رغم أن الفنان التونسي حسب رأيه لم يكن مغيبا من المهرجان في العهد البائد مثلما هو الحال الآن. واعتبر هذا القرار خطوة هامة في هذه المرحلة لأنها تتنزل في خانة الخيارات التي تطلبها الوضع لرد الاعتبار للفنان التونسي ومنحه هيبته ومكانته التي يستحق والتي استهدفت من جهات مختلفة وتحت دواعي عديدة بعد ثورة 14 جانفي واستفحلت ظاهرة التهميش في المدة الأخيرة حسب ما أفاد بذلك الفنان التونسي وعضو نقابة المطربين المحترفين. وعبر محمد الجبالي عن استغرابه من ردة فعل سلطة الإشراف والقرارات والمواقف المتكررة الصادرة عنها في مناسبات مختلفة وما تتسم به تلك المواقف حسب رأيه من لامبالاة بالفنان التونسي لا بل كانت كلها مواقف تكشف عن سبق إصرار على تهميش الميدان الثقافي بمختلف قطاعاته ومجالات ودرجات الإبداع فيه. وعلل محدثنا دواعي استغرابه بما لمسه في وزير الثقافة من تفهم وتحمس للمساهمة في النهوض بوضعية الفنان والأغنية التونسية وذلك أثناء لقائه به ضمن وفد من الفنانين. تالتنوع دون إقصاء وفي الوقت الذي عبر فيه محمد الجبالي عن تأييده للمواقف والآراء الداعية إلى ضرورة انتقاء عروض مهرجان قرطاج الدولي في أول دورة للمهرجان بعد الثورة فإنه لم يخف أنه فوجئ كغيره من الفنانين التونسيين إلى درجة الاستياء بعد الإعلان عن البرمجة نظرا لأن أغلب العروض لم ترجع للمهرجان هيبته مثلما تم الاتفاق على ذلك مسبقا أو كما روج لذلك المشرفون على التظاهرة الموسيقية والغنائية في حجمها الإقليمي والدولي. واعترف محمد الجبالي أنه لم يلاحظ أسماء جديدة ولم ير البديل الذي يدعو للسكوت. من جهة أخرى أبدى محمد الجبالي تأييده أيضا لضرورة أن تكون العروض متنوعة ولكن شرط أن تكون الأولوية للفنان التونسي. وندد بما يذهب إليه البعض من قول أن الفنان التونسي غير قادر على إنعاش خزينة المهرجان واعتبرها تعلات واهية لتبرير تمشي البعض في مسار تهميش الفنان والمثقف التونسي على حد السواء خدمة لأجندا تجارية تتحكم في تحريك خيوطها شبكة من أصحاب المصالح من مجالات مختلفة. ولم يقتصر تنديد محمد الجبالي بالمنحى والخيار الذي كشف عن نوايا بعض الأطراف والجهات لمواصلة تأزيم وتردي وضعية الفنان التونسي بل طالب بضرورة تحرك أهل القطاع والالتفاف حول مطلب حل مشكل الأغنية التونسية التي اعتبر مشكل مهرجان قرطاج المحرك الأساسي لها. كما استنكر غياب عديد الأنماط والألوان التي لاقت الإقبال والنجاح ما يجعلها حاضرة في برمجة أول دورة للمهرجان بعد ثورة 14 جانفي على غرار الأغنية الملتزمة التي برع فيها فنانون ومجموعات موسيقية كما هو الشأن بالنسبة ل"الراب" الذي يعتبره من أكثر الأنماط التي استقطبت اهتمامات مختلف الأجيال والشرائح الاجتماعية حسب ٍ ما أفاد بذلك محمد الجبالي الذي اعتبر المسرح وخاصة عدد من الأسماء والأعمال التي برزت في" الوان مان شو" أو الإنشاد وغيرها من الأسماء والأنماط المميزة للأغنية التونسية. وأوضح أن العشوائية أو غياب الرأي السديد في وضع برمجة المهرجان من العوامل التي أدت إلى هذه الأزمة وأضاف إن مهزلة الدورة القادمة لا تقتصر على إبعاد الفنان التونسي ومن ثمة عدم مراعاة الذائقة الفنية لنسبة هامة من التونسيين في وقت كان الجميع يسعى لتحقيق المصالحة مع الثقافة الوطنية على اعتبار إن الموسيقى والأغنية والمسرح إحدى روافدها بل أن غياب الأغنية المغاربية عن برمجة المهرجان بدوره يطرح أكثر من تساؤل لاسيما بالنسبة للأغنية الليبية التي يعيشها فنانونها وشعبها على وقع تداعيات الثورة. أما على مستوى شخصي فقد اعترف محمد الجبالي أنه قدم ملفا للجنة التي تم تكوينها لانتقاء عروض الدورة القادمة للمهرجان إلا أنه فوجئ بالمعاملة مع الفنان التونسي التي رأى فيها محدثنا من "الحقرة" والتعجيز ما يكشف عن تواصل سياسة التقزيم للمبدع التونسي بعد أن طالبه أعضاؤها بأن يقدم للجنة المذكورة ألبوم مسجل للأغاني التي أرفقها لملفه الذي يتضمن ما نسبته مائة بالمائة من العرض من أعماله الخاصة 50 بالمائة منها أغان يقدمها لأول مرة مثلما أفاد بذلك.