تحول يوم أول أمس شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة وبمناسبة الاحتفالات باليوم العالمي للموسيقى في تونس, إلى ركح يشدو بالموسيقى والأنغام الهادفة التي كان الوطن والحرية والكرامة القاسم المشترك بينها. تحوّل الشارع بما يحمله من رمزية ودلالة لدى المواطن التونسي وتونس ككل إلى فضاء احتفالي غص بأعداد كبيرة ممن جاؤوا خصيصا للمشاركة في التظاهرة الاحتفالية أو من المارة ممن شدهم الحدث وجلبتهم أصوات الأنغام وصدى الموسيقى منذ ساعات مبكرة من الأمسية. فلم يبالوا بأشعة المشمس الحارقة ولا بالبقاء واقفين منذ الساعة الخامسة بعد الزوال بعد أن حولت مجموعة أحباء الشيخ إمام زاوية من ساحة الشارع المنتصبة أمام نزل الهناء الدولي إلى ركح شارك في الشدو مع عناصرها عدد من هواة الأغنية الهادفة الحاملة لهموم الشعوب العربية أو المصرية. كما هو الشأن في ساحة 14 جانفي حيث قدم كل من سفيان سفطة ومجموعته وأحمد الماجري وصلات من العزف والغناء. وكان الجميع في انتظار الموعد الكبير مع الحفل الضخم للفنانة أمال المثلوثي الذي شارك في تنظيمه أيضا إضافة إلى المندوبية الجهوية للثقافة بتونس المعهد الفرنسي للتعاون وسط الشارع بعد أن أخذت المجموعة الموسيقية المرافقة لها مكانا أمام المسرح البلدي لتحوله إلى ركح. فاكتظ الشارع بجميع جنباته بأعداد كبيرة من الجماهير الغفيرة من تونسيين وأجانب جاؤوا خصيصا للاستماع لهذه الفنانة ذات الصيت العالمي مثلما أكد عدد ممن حضروا من جنسيات فرنسية ومغاربية وأمريكية وغيرهم من أبناء تونس بالخارج. حادث عرضي أطلت الفنانة الثورية كما يلقبها البعض انطلاقا من الساعة السابعة والنصف مساء ترفل في ثوبها الأحمر وسط هتاف المتعطشين للفن الراقي والإيقاع الموسيقي الحالم. فلم تطل فترة جس النبض بين الفنانة والحاضرين إذ سريعا ما تحول الفضاء بمن فيه إلى رجع صدى للغة حضارة البشر ينطق أنغاما وتعبيرات التغني بالوطن والتوق إلى الحرية وترديد الأناشيد المناصرة للمواطنة الحرة والكرامة ومن ثمة الإنسانية وذلك بعد أن كان الشارع رمزا لحركية الكادحين والشغالين وعابري السبيل. فغنت أمال المثلوثي خلال هذه المناسبة بعضا من أغانيها القديمة وكأنها أرادت أن تذكر او تكشف للبعض أن نضال الفنان التونسي ليس جديدا وإنما كان خيارها الذي صدعت به زمن العهد البائد ونشطت فيه خارج حدود الوطن على اعتبار أن توظيف الفن ونضال الفنان ضد الفساد وسياسة القمع يعد أبلغ من خيار القوة والعنف في أحايين كثيرة. فغنت «وقت قبل» التي تعود إلى سنة 2007 من ألبومها القديم. ورغم رداءة التقنية الصوتية فقد كان العرض في مستوى الاحتفالية واستمتع الحاضرون على امتداد ما يقارب ساعة ونصفا بأغان نوعية من حيث المضمون وطريقة الأداء. فبدت الفنانة التونسية ذات الصيت العالمي في غنائها وأهاتها وحركاتها على الركح وهي تتأبط قيثارتها وتشارك الجمهور الرقص بمثابة حورية تعلقت بها همم الفنانين ومناصري هذا القطاع الذي يشهد حملة تبدو مغرضة وغير مسبوقة. فشاركوها الرقص والغناء خاصة أن أغلب من كانوا حاضرين يحفظون أغانيها على غرار «كلمتي حرة» و»ما بين الوديان» وغيرها من الأغاني ذات البعد الثوري والإنساني والوطني إلى درجة أن أغلبهم كان في الصفوف الأولى للمدافعين عن العرض بعد ان تم اختراقه من طرف أحدهم ( كان ملتحيا ) يبدو أنه اندس وسط الحضور وصعد على الركح وتهجم على الموسيقيين بالقول :» الغناء حرام أنتم تكذبون على أنفسكم» قبل أن يقع اخراجه من المكان. أمال المثلوثي كانت على قدر من الرصانة والثقة بالنفس ملفتة للإنتباه حيث دعت الجميع للتعايش والاستمتاع بتونس الجميع دون تفرقة وهي نفس الرسالة التي تراهن عليها في عملها الفني الملتزم. كان الحفل مناسبة أعادت للشارع نبضه وحيويته فأضفت على أضوائه مسحة من الحلم بأن تونس يمكن أن تكون بخير بعيدا عن أية دواع سياسية ومصلحية بحتة.