لئن شاع اسم الرواية الليبية وانتشرت عربيا بفضل القاص والروائي إبراهيم الكوني حيث احتفى بخصوصية المكان الصحراوي الشاسع بتقاليده وأعرافه فإن أرض ليبيا أنجبت اسما لا يقل موهبة عن صاحب "نزيف الحجر" و"فرسان الأحلام القتيلة" وهو محمد الأصفر، القاص والروائي الذي امتطى صهوة الكتابة في سن السابعة والثلاثين. محمد الأصفر حل ضيفا مساء أول أمس بدار الثقافة ابن خلدون بإشراف كمال الرياحي صاحب صالون ناس الديكامرون للقاءات الفكرية والأدبية، بمشاركة كل من عدنان جدي وأيمن الدبوسي وإنصاف السلطاني وشوقي البرنوصي لمناقشة تجربته الروائية بمناسبة صدور أعماله الجديدة. من القصة إلى الرواية اللقاء كان في غاية الطرافة لما اتسمت به شخصية الضيف الليبي محمد الأصفر من جرأة في الكلام والخوض في أدق المسائل التي تعلقت بحياته اليومية بليبيا زمن نظام الكتاب الأخضر والاستبداد المطلق. فبعد أن بدأ كلاعب كرة قدم في نوادي مدينة بنغازي تحول إلى مجال التجارة متنقلا بين المدن والبلدان لتغويه الكتابة بسحرها وبهاء عباراتها ويقرّر التضحية من أجلها فبدأ بالقصة مستبطنا شخوصها ورؤاها المتعددة إلا أنها لم ترتق إلى طموحاته الكبيرة فارتمى في أحضان الرواية. محمد الأصفر تحدث خلال اللقاء عن رواياته "فرحة" و"ملح" و"شكشوكة" و"شرمولة" و"نواح الريق" و"عسل الناس".. وبين أن عناوين مؤلفاته وإن اقترنت بأسماء بعض الأكلات الشعبية وظهرت في شكل كتب للطبخ فإنها تهتم بمشاكل الإنسان الليبي البسيط المسلوب الإرادة. كما بين من خلالها أن الثورة تولد من رحم الأحزان، ليتنبأ في أعماله بالثورات العربية. إذ عمد محمد الأصفر إلى قراءة بعض الشواهد خلال اللقاء من رواية "ملح" ليؤكد نظرته الاستشرافية وقراءته الدقيقة للواقع الليبي. فأحداث الرواية تدور حول فرقة موسيقية تتكون من 1200 عازف جابت العديد من الأقطار لكنها فشلت في عروضها فدخلت أرض ليبيا وسمح لها بتقديم أعمالها بساحة الملح ببنغازي حيث أصدر قائدها صوتا حادا لتستجيب له باقي المدن الليبية. وفي ذلك إشارة حسب رأيه إلى مذبحة سجناء أبو سليم سنة 1996 حيث احتج 1200 سجين ليبي على أوضاعهم اللاإنسانية. "فرسان الأحلام القتيلة" من جهة أخرى لم يخف الروائي الليبي أن النقاد العرب اختلفوا بين مطر لها وبين متوجس من رواياته بل سماها البعض برواية اللارواية. وهو أمر لم يقلق محمد الأصفر وكان حافزا معنويا بالنسبة إليه لتكثيف أعماله الأدبية. كما بين في ذات السياق أن كتابة الرواية حسب رأيه لا يمكن أن تتجاوز الشهر لأن أعماله غالبا ما تكون مستمدة من عالم المهمشين في الحياة الاجتماعية وهو عالم يرى أنه مجال للإبداع ولا يمكن تأجيل وقائع الأحداث الحية. وقد أشار الروائي الليبي إلى أنه اعتمد التناصّ في أغلب أعماله وليس له مشكل في إلحاق مقتطفات من نصوص أخرى وتوظيفها في رواياته. تحدث كذلك محمد الأصفر خلال اللقاء عن إنجازات كل من الروائي الليبي إبراهيم الكوني والروائي المغربي محمد شكري صاحب الخبز الحافي. أما الروائي الأول فقد أكد ضيف صالون ناس الديكامرون أنه يمقت هذه الفئة الانتهازية والتي تعدّ من زمرة أشباه المثقفين المقدسين للكتاب الأخضر ثم إنه يرى أن إبراهيم الكوني يتوه في عالم الرواية إذا لم يتقيد بخصائص الصحراء والطوارق وهو "ما لاحظناه في روايته الأخيرة فرسان الأحلام القتيلة والتي تغنى فيها بالثورة الليبية. هذه الرواية لم تلق القبول من الليبيين لأن إبراهيم الكوني يعدّ من أزلام نظام القذافي حسب قوله فضلا عن الأسلوب المتدني المعتمد في هذا الأثر وهو أسلوب بعيد كل البعد عن أسلوب "نزيف الحجر" أو أعماله الأخرى.." كما لا يمكن أن نتصور محمد شكري حسب الكاتب الليبي محمد الأصفر, لا يمكن أن نتصوّره فيلسوفا أو روائيا كبيرا خاصة إذا ما أبعدناه عن عالم السيرة الذاتية ونقل مظاهر البؤس والشقاء في موطنه طنجة.