تونس/الصباح: ساعتان من الضحك المتواصل والانتقال السلس بين مختلف أبعاد المجتمع التونسي الاقتصادية والاجتماعية والرياضية وغير ذلك. ساعتان كانتا اكثر من كافيتين، كي يظهر خلالها الفنان نصر الدين بن مختار مجددا انه صاحب موهبة وقدرة لا يشوبها اي شك في تمكنه من صنع الاضحاك وأنه لا تعوزه شجاعة فضح الظواهر والتعليق عليها سخرية. الجمهور ايضا الذي ملأ مقاعد المسرح البلدي ليلة أول أمس، يبدو من خلال ضحكاته الطويلة والمسترسلة وتصفيقه المتكرر انه قد تجاوب مع صاحب العرض ومارس معه شيئا من التنفيس الضروري والمطلوب. وقد حاول نصر الدين بن مختار ان يكون مواكبا لبعض الظواهر والاشكاليات الجديدة التي استحوذت على اهتمام المجتمع التونسي خلال الاشهر الاخيرة على غرار الاسعار المشطة للأسماك ولزيت الزيتون والمحروقات وظاهرة افتقار السوق للكمية اللازمة من الحليب. كما عرج في عرضه ايضا على القيم الجديدة التي غزت الميدان الرياضي وعلى رأسها طغيان الهاجس المادي عند اللاعبين. بالاضافة الى اطلالات قصيرة خاطفة على الوضع العربي ومسألة الولاء للولايات المتحدةالامريكية ومأساة غزو العراق واعدام صدام حسين يوم عيد الاضحى.. الى غير ذلك من النقاط والاحداث والظواهر. فالعرض هو عبارة عن خليط او بتعبير مهذب فسيفساء تطل مرة على سقف الحريات ومرة على الرياضة ومرة على المجال الفني والثقافي ومرة اخرى على الأحوال المعيشية والظواهر القديمة الجديدة والجديدة في المجتمع التونسي دون أن ينسى ان يقحم مجلس الامن وكوفي عنان وجورج بوش وكل هذه المجالات طرحها نصر الدين بن مختار بشكل متداخل. ومثل هذا «التخليط» غير الممنهج فنيا وفكريا، جعل من الصعب الاقرار بوجود نص تتوفر فيه هوية النص وخصائصه المتمثلة في الوحدة وفي البناء وفي طبيعة الحياكة بالكلمات وبالصورة وبالرمز. وبغياب مثل هذه الخصائص يصبح ما قدمه لنا نصر الدين بن مختار اقرب ما يكون الى مشروع نص، بحاجة الى قلم محترف يرسم الهندسة اللازمة مع العلم ان مشروع النص المشار اليه لم يخل من نقاط ضوء ومن توفق صاحبه في اللعب باللغة وتوليدها وبالتالي انتاج بعض الاضاءات. كما أن غياب مخرج يوجه الممثل نصر الدين بن مختار ويشذب بعض «الثرثرة» التي علقت بالأداء كان واضحا، وهو ما أثر سلبا على المستوى الفني والجمالي للعرض. من جهة اخرى قام نصر الدين بن مختار ببعض التجاوزات المجانية عندما ذكر أسماء معروفة ومسها اخلاقيا بنعوت أقرب ما تكون الى الثلب ان لم يكن! بالاضافة الى أنه كان يُمعن الاطالة في مواضيع معينة تعاطى معها بمباشراتية وصور قبيحة، رغم أنه كان قادرا على الاكتفاء بالتلميح. في الحقيقة وكي لا نغبط صاحب العرض حقه، نقول انه كممثل كوميدي لديه «الضمار» المطلوب، ولكن من المهم ان لا يستسهل اجترار مواضيع مكررة والتعاطي مع الجرأة من زاوية سطحية او بذكر أسماء الأشخاص والحاق الأذى بها والكشف عن خصوصياتها. فالفن الكوميدي صعب ويحتاج الى خلفية واسعة والى صنع الضحكة من خلال النجاح في معالجة الفكرة والظاهرة والموقف لذلك فان رأس مال الضحك ليلة أول امس كان نصر الدين بن مختار كممثل قال كلاما اضحكنا اكثر منه تقديم عرض محترف تتوفر فيه كل مقومات العرض المسرحي الكوميدي، من نص محكم واخراج موظف.