كان جمهور مهرجان الضحك بسوسة على موعد مع العرض الرابع في هذه الدورة التي قطعت مع مركزية العروض الفنية وجازفت ببرمجة عدة عروض كوميدية بمسرحي سوسة وصفاقس. سهر الجمهور الحاضر مساء الثلاثاء 26 جانفي والذي لم يكن عدده في مستوى الانتظارات بالنظر الى مكانة وقيمة نصر الدين بن مختار في المشهد الكوميدي التونسي، مع عرض «حي الأكابر» و مقضيا (هذا الجمهور) ساعة وأربعين دقيقة من الضحك المتواصل والذي وصل بالبعض الى حد الهستيريا. اعتراف له أكثر من معنى في لقاء جمعه ب «الشروق» لم يبد نصر الدين «تفلسفا مسرحيا» ولا ادعاء باستنساخ مناهج المدارس المسرحية العالمية بل اعتبر ما يقدمه من الشعب وإليه واصفا مسرحه بالشعبي القريب من مختلف الفئات الاجتماعية برؤية بعيدة كل البعد على الاستبلاه أو الاستخفاف بعقل المتفرج بل تجعله يضحك ويفكر في نفس الوقت معتبرا «حي الأكابر» جملة من المواقف وان كانت طريفة فانها متجددة وشبهها «بأخبار الساعة الثامنة» من حيث تقديم ما يطرأ من أحداث متجددة قد تكون وليدة الساعة او اللحظة والمهم حسن توظيفها على حد تصريحه. البداية الصعبة ! لئن قوبل نصر الدين بالتصفيق الحار من طرف الجماهير الحاضرة الا أن مفاجأة غير سارة كانت في انتظاره تمثلت في عطب فني متأت من الأجهزة الصوتية المركّزة بالمسرح فرغم تجريبه لمصدحه اللاسلكي قبل العرض الا انه لم يعط اي اشارة منذ بدايته مما جعله يرجع الى الكواليس ويحاول تعديل مصدحه ولكن اكتشف ان الخلل من الوحدات الصوتية وبذكائه الكوميدي» دعى احدهم الى تدارك الأمر فكان عرضا داخل العرض يشحن الجمهور أكثر للضحك وجمع بين التوتر الخفي والاضحاك الظاهر في شخصية نصر الدين والذي أثبت قوة بديهة وحسن تعامل مع الظروف الطارئة وسرعة اعادة للتركيز رغم الاصوات المزعجة المنبعثة من الوحدات الصوتية الاختلاف المتميز وتميز الاختلاف «أنا لا أشبه أحدا» هكذا صرّح لنا نصر الدين وما جسمه على الركح يؤكد اقراره هذا ولعل من هذا المنطلق يمكن ان نحلل عرض «حي الأكابر» الذي لا ينفصل عن خصائص نصر الدين واختياراته كلما قابل جمهوره مهما اختلفت المناسبات. يعتمد هذا العرض على فكرة افتراضية تقوم على قرار الاغنياء بتبديل حياتهم الاجتماعية مع الفقراء وتبادل ممتلكاتهم واحيائهم وتفرع نصر الدين من شخصية صاحب المطعم الشعبي الى شخصيات عديدة شكلت وضعيات متعددة الأبعاد وقد غطى نصر الدين بعض الاختلالات في حياكة بعض هذه الوضعيات (وخاصة في مستوى الربط والترتيب) بدقة متناهية في الاعداد والتحكم في آليات فن الكوميديا وخاصة في استثمار تفاعل الجمهور بدقة (الملاحظة وسرعة في البديهة وثقة في النفس) جعلته ثابتا على الركح رغم الارتباك الحاصل في مستوى اختيار الاكسسوارات والتي كان بعضها بعيدا عنه والبعض الآخر يتطلب دراسة اعمق. على مستوى الوضعيات والمواقف قاطع نصر الدين مع الابتذال وأثبت غزارة في مستوى الأفكار الجديدة وذكاء موظفا في اختيار المواقف محققا معادلة الاضحاك الهادف مست الجماهير الى حد لا يتوقع وادخلتهم في هستيريا من الضحك دون انقطاع صاحبه تفكير جسمته تعاليق وصلت الى مسامعنا «حي الاكابر» وان كانت نوعيتها تبقى في اطار خاص الا انها اثبتت طاقة ابداعية كوميدية اسمها نصر الدين بن مختار لا بد للمؤلفين والمخرجين وخاصة شركات الانتاج ان يستثمروها ويوظفوها التوظيف المناسب لانه قادر على تحقيق ما لم يحققه اخرون.