كان حفل اختتام الاحتفال بمائوية الأديب الراحل محمود المسعدي الذي انتظم نهاية الأسبوع المنقضي بقصر المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون «بيت الحكمة» بقرطاج في مستوى وقيمة المحتفى به. وهو تقريبا ما يحيل إليه البرنامج النوعي والمتنوع في هذه الأمسية التي تضمنت تقديم الكتاب المتضمن لأشغال ندوة :» محمود المسعدي مبدعا ومفكرا، جماليات الكتابة وأسئلة الوجود « قدمه الأستاذ مصطفى الكيلاني. إضافة إلى تقديم الأستاذ محمد آيت ميهوب للطبعة الثانية من الأعمال الكاملة لمحمود المسعدي. لتكون المحطة الاحتفالية الثالثة مع عرض لشريط وثائقي تخييلي طويل ( docu-fiction) بعنوان «المسعدي ساحر الوجود من إخراج مختار العجيمي. تفكانت المناسبة بمثابة مرحلة تذكّر وتذكير وإعلام على طريقة الأساتذة والأكاديميين الذين ساهموا في تفعيل أبرز محطات المائوية وذلك بالتوقف عند أبرز المراحل التي تواصلت على امتداد ما يقارب السنتين فضلا عن الكشف عن الظروف الحافة بالتحضير والعمل وتنظيم الأنشطة داخل تونس أو خارجها. وقد حضر هذه المناسبة التي أشرف عليها الأستاذ هشام جعيط رئيس المجمع عدد كبير من أهل الأدب والفكر والثقافة والفنون. لذلك اعتبر رئيس المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون مساهمة هذا الهيكل العلمي في مائوية الأديب الراحل اعترافا بما قدمه للفكر التونسي خاصة وللأدب العالمي والإنساني عامة نظرا لأنه فضلا عن تقلده مناصب وزارية مختلفة فقد سبق أن ترأس أشغال بيت الحكمة في الثمانينات. أما الدكتور محمود طرشونة الذي أشرف على الإعداد والتنسيق للأنشطة والتظاهرات التي أقيمت في ذات الإطار بكامل جهات الجمهورية أو في بلدان وتظاهرات دولية فقدم خلال هذه المناسبة مراحل وظروف المائوية التي انطلقت منذ منتصف سنة 1010 بعد أن تم تكوين لجنة للغرض ضمت 23 عضوا من مختصين في مجالات البحث والتدريس أو من وزارتي الثقافة والتعليم العالي. وكشف عن حقائق وصعوبات لم تزد الأديب التونسي الراحل إلا رفعة في المكانة كمفكر وأديب ومناضل وسياسي ساهم بطريقته ومن مواقع مختلفة في بناء الدولة الحديثة ووضع أسس الفكر الإنساني ومنظومة للتفكير والتربية والثقافة والعمل جعلت منه مثالا يحتذى وموضع درس وبحث على مستويات وطنية وإقليمية وعالمية. وبيّن أن اللجنة المعنية أعدّت برنامجا ثريا تضمّن ما لا يقل عن ثلاثمائة مشروع تتراوح بين ندوات ونشريات ومعارض وغيرها من التظاهرات الثقافية والأدبية والفكرية ولكنه اعترف خلال نفس المناسبة أن جزءا من هذا البرنامج لم ينجز لأسباب تنظيمية ومادية تتجاوز مهام اللجنة. كما اعتبر أن أهم تكريم للكاتب هو دراسة ما كتب لذلك وقع التركيز في برنامج الاحتفالية على تنظيم عدد هام من الندوات في تونس وخارجها. وبيّن أن ما يقارب 30 باحثا نصفهم من تونس والبقية من مختلف الأقطار العربية إضافة إلى مشاركة باحثين من بلدان أوروبية على غرار فرنسا وأنقلترا. وكان حرص اللجنة على اختيار باحثين متميزين بعد ان مكنتهم من انتاجات الأديب التونسي الراحل في طبعات فاخرة مثلما أكد ذلك المشرف على عمل اللجنة ومنسق مراحل العملية. الممكن في حلم المسعدي وتوقف محمود طرشونة عند الناحية الفنية على اعتبار أنها الحلقة الهامّة من منظور المشرفين على تنظيم مائوية المحتفى به. ذلك أن اللجنة حرصت على تحقيق حلم المسعدي الذي لطالما حلم بتحقيقه أو رغبته في أن يرى أحد أعماله يجسد فنّيا في عمل مسرحيّ أو سينمائيّ. وذكر أنه سبق أن التقى ذات جلسة عملية مع كل من عبد الرؤوف الباسطي ورجاء فرحات في الثمانينات وبحثوا جميعا إمكانية إخراج السد مسرحية لكن توقف المشروع بعد ان تبيّنوا أن التقنيات المتوفرة تحول دون إتمام ذلك. ولكنّ الراحل محمود المسعدي -كما أفاد المشرف على التنسيق للاحتفالية- ظنّ أنّ حلمه تحقق بعد أن أعرب المسرح الوطني على إنتاج مسرحية «حدّث» لتكون تجسيدا «لحدّث أبو هريرة قال» إلا انّه لم يرض عن العرض بعد أن رأى فيه تحريفا للأثر الذي كتبه. من جهة أخرى أكّد اتصال اللجنة المعنية بالمائوية بعديد الجهات والأطراف الرسمية والخاصة من أجل تحويل هذا الحلم إلى حقيقة لأنه رأى أن هذا الأديب التونسي حقيق بإنجاز أعمال ومبادرات تستجيب في جوانب عديدة لما يذهب إليه في الذائقة والفكر. وعبّر عن تفاؤله بإمكانية تحوّل الحلم إلى حقيقة بعد أن وجد الموافقة من إحدى الشركات للتكفل بالعملية. لكنه لم يخف أن اللجنة اصطدمت بعراقيل وصعوبات مادية بالأساس. وذكر محمود طرشونة أن تراخي سلطة الإشراف حال دون إتمام الوعد الذي قدّمه فريديريك ميتران وزير الثقافة الفرنسي بتقديم دعم مادّي قيمته تتجاوز 200 ألف دينار خصّيصا للاحتفاء بالمسعدي اعترافا بقيمة هذا المفكر والأديب وما قدمه للإنسانية. في المقابل عبر عن استغرابه عن تقديم بلادنا مبالغ مالية قيمة لجهات دولية في مناسبات احتفالية أخرى ولدعم أنشطة ثقافية ليست ذات قيمة تذكر. تحرر من النمطية والذاكرة المحاصرة خلال هذه المناسبة قدّم الأستاذ مصطفى الكيلاني مداخلة: «محمود المسعدي مبدعا ومفكرا، جماليات الكتابة وأسئلة الوجود « فكانت بمثابة تجنيح أدبي بالمحتفى به ومحاولة لإخراجه من دائرة التنميط والذاكرة المحاصرة. و اعتبر هذا الكتاب حدثا نظرا للمسعى الذي كرسه الكتاب والذي يهدف إلى تحرير محمود المسعدي من النظرة النمطية أو النمذجة خاصة لدى تلاميذة الباكالوريا بعد أن بدا وكأنه واحدي التفكير فخلق الأثر الأدبي الجديد توسعا داخل ثالوث :أدب، لغة، فكر. فكان التوسع حسب ما أكده مصطفى الكيلاني بالبحث في جمالية الكتابة واللغة والأسلوب إضافة إلى الذات الكاتبة وما تحيل إليها من أسئلة وجودية. الموعد مع الشريط الوثائقي « المسعدي ساحر الوجود» كان في وقت متأخرا من الأمسية ومكملا لأنشطة وبرنامج الاحتفالية نظرا لما تضمّنه من تصور وصور وشهادات حية واعترافات أخذها المخرج من تسجيلات تلفزية وإذاعية قديمة للأديب الراحل أو من عاصره أو عايش ونهل مما كتبه من أهل السياسة والفكر والأدب من تونس ومن العالم.