تونس - الصباح الأسبوعي هي صيحة فزع أطلقتها الغرفة الوطنية لرياض الأطفال مؤخرا حول انتشار المدارس القرآنية التي وصفتها رئيسة الغرفة السيدة نبيهة كمون التليلي ب»موضة السنة وبكونها تمثل خطرا على الطفولة». وفي اتصال ب»الصباح الأسبوعي»، أكدت رئيسة الغرفة أنّ انتشار المدارس والرياض القرآنية لا يمثل سوى مشكلا من جملة المشاكل التي يشكو منها قطاع رياض الأطفال مشيرة في هذا الإطار إلى مشروع وزارة التربية القاضي بتوحيد مناهج السنة التحضيرية. وأعربت السيدة كمون عن قلقها من عدم اجتماع المكتب التنفيذي للغرفة إلى اليوم بوزير التربية، الذي سبق ووعدهم بذلك منذ شهر ماي الماضي، للحسم في هذا الملف. وحول الرياض والمدارس القرآنية، فضلت السيدة نبيهة تسميتها بالرياض التي لا تقع تحت إشراف أي هيكل، قائلة: «نحن لسنا ضدّ القرآن وأصول الدين، وإنّما نعيب على هذه الهياكل أنّها لا تقع تحت إشراف وزاري مما يجعل باب نشر الفكر المتعصب مفتوحا، فلا بدّ من وجود برنامج تربوي يلتزم به باعثو الرياض القرآنية». واستنكرت بشدّة وجود بعض المدارس والرياض القرآنية التي تلقن الأطفال دروسا عن عذاب القبر وإقامة حدّ الحرابة وتلزم الطفلة بارتداء الحجاب.. قائلة: «عوض أن نعلم أبناءنا في هذه السن لعب الرياضة والموسيقى ومساعدتهم على تنمية فكرهم، نعلمهم مسائل تفوقهم سنّا». كما اعتبر عدد من مديري رياض الأطفال أنّ تنمية فكر الطفل علم كامل درسه الباحثون، في حين رأوا في المدارس القرآنية عدم استجابة لمناهجه خاصة أنّ رياض الأطفال تدرس القرآن. صمت وزاري! واستغربت رئيسة الغرفة الوطنية لرياض الأطفال صمت وزارتي التربية وشؤون المرأة إزاء انتشار هذه الرياض وسط غياب تام للمراقبة. كما رأت في انتشارها تعميقا لانقسام المجتمع وانتشار التعصب الفكري نظرا إلى وجود شقّ يتلقى تربية عادية وشقا آخر يتلقى تربية مختلفة، مما يؤدي إلى تضارب في مواهب الإدراك والتلقين. وحول هذه الانتقادات الموجهة إلى بعض الرياض القرآنية والتي أثارت تخوّف العديد من الأولياء وهياكل المجتمع المدني، اتصلت «الصباح الأسبوعي» بسميرة زعيم مديرة روضة قرآنية بمنطقة حي النصر التي أكدت مراعاتها لشخصية الطفل وحرصها على عدم اضطهاده، قائلة: «على العكس نحن حريصون على تمتيع الطفل بكامل حقوقه، وإذا ما تحدّثت عن نفسي فأنا لا أخالف القانون». وردا على الانتقادات القائلة بأنّ الرياض القرآنية لا تقع تحت إشراف أيّ هيكل، أضافت محدّثتنا قائلة: «على العكس هناك منشور وزاري يخوّل اختيار منهج معين، نحن اخترنا المنهج الإسلامي كأسلوب لتعليم الطفل». وعن الدروس الدينية المتعلقة بعذاب القبر، قالت السيدة زعيم: «ديننا ليس دين ترهيب وإنما هو دين تسامح ومحبة، ونحن حريصون على تدريب الطفل على أن يكون قائدا لأنّ الطفل هو لبنة المجتمع، وبإمكان أيّ شخص يشكّ في ما ذكرته أن يتولى زيارتنا ويتثبت من كلامي». جيل مائع!! من جهته، اعتبر ابراهيم الجميعي رئيس جمعية أشبال المجد لحفظ القرآن الكريم برادس أنّ تعليم الطفل مسائل دينية كعذاب القبر وأصول الدين هي مسائل سيتعلمها عاجلا أو آجلا، وتساءل محدّثنا قائلا: «لم يرفض البعض تعليم الطفل مسائل دينية على غرار الحشر والبعث، فذلك أمر عادي بما أننا مجتمع مسلم». واعتبر رئيس الجمعية أنّ عدم تعليم الأطفال هذه المسائل ساهم في خلق جيل مائع يتبع العلاقات الفاسدة ولا يحترم الكبير وغير ملمّ بأبسط ميزات المسلم». وحول فرض عدد من الأولياء على بناتهم اللاتي لم يبلغن بعد سنّ الخامسة ارتداء الحجاب، أشار السيد الجميعي إلى قول الرسول صلى الله عليه وسلم «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته». لكنه أدان بشدّة تعليم الأطفال المذهب الديني المتعصب داعيا إلى وجوب تعليم المذهب المعتدل الوسطي. وباعتبار أنّ المسألة تتعلّق بالطفل الذي يمثّل رجل الغد والذي سيساهم بدوره في خلق أجيال جديدة من شأنها الحفاظ على هوية المجتمع التونسي أو خلق هوية جديدة، اتصلّت «الصباح الأسبوعي» بالمختص في علم نفس الطفل صلاح الدين بن فضل الذي قال: «نحن لسنا ضدّ التربية الدينية ولكن شريطة أن توافق العلم». واستنكر في ذات الصدد التربية الدينية المبكرة نظرا لانعكاساتها السلبية على نمو الطفل، قائلا: «من شأن تعليم الطفل مسائل تتجاوز عمره أن يساهم في خلق جيل متطرف أكثر منه معتدلا». واعتبر الدكتور بن فضل أنّ في تلك التربية التي لا تخضع لأيّة رقابة اعتداء صارخا على نموّ الطفل، قائلا: «للأسف، هناك أطراف سياسية باتت تراهن على الطفل لكونه يمثّل مشروعا استثماريا تربويا وسياسيا، فهذه الأطراف تريد خلق أجيال تنتمي إلى تيار فكري معيّن مما يضمن لها البقاء في السلطة». وأمام تنديده بهذا الخطر، دعا المختص في علم الطفل وزارتي التربية وشؤون المرأة إلى الحسم في هذا الموضوع ووضع هذه المدارس والرياض القرآنية تحت إشرافها. إنّ إبقاء المجلس الوطني التأسيسي على الفصل الأول من دستور 1959 خير دليل على أنّ تونس دولة مسلمة، ولكنّ انتشار هذه الهياكل بصفة عشوائية في ظلّ عدم خضوعها لأي هيكل يجعل باب إنشاء جيل متعصب دينيا مفتوحا، ورغم إقرارنا بوجود جمعيات قرآنية تؤمن بحقوق الطفل وتؤكد حرصها على ترسيخ إسلام معتدل، من سيتولى حماية الأطفال والمجتمع من الرياض القرآنية التي يشرف عليها بعض المتعصبين دينيا؟