عندما يصْطلحُ اداريا على تسمية الأماكن والمصبات العشوائية التي تتكدس بها أطنان من الفضلات المنزلية بانها «نقاط سوداء» فذلك ربما يكون من باب «التلطيف» والتهذيب حتى لا نقول من باب تسمية الاشياء بغير مسمياتها فهذه المساحات والاماكن القذرة التي انتشرت كالطاعون في «جغرافية» النسيج العمراني في المدن والقرى في كامل تراب الجمهورية وتحولت الى وصمة عار على جبين التونسيين جميعا وليس فقط على جبين مصالح الوزارات المعنية بشؤون النظافة والعناية بالبيئة مثل وزارات الداخلية والسياحة والبيئة اضحت تشكل خطرا جديا على صحة المواطن من جهة ومساسا بسمعة تونس وبصورتها التقليدية في عيون زائريها بصفتها بلد الاخضرار والياسمين من جهة اخرى .. وعلى الرغم من أن الحملة الوطنية الاستثنائية للنظافة التي وضعت تحت عنوان «تونس دارنا الكل» والتي انطلقت أول امس لتتواصل على امتداد ثلاثة ايام كاملة ربما تكون تأخرت نسبيا اعتبارا للواقع الكارثي الذي أضحت عليه بعض الاحياء والتجمعات السكنية بفعل تعمق ظاهرة انتشار أكداس الفضلات والزبالة وما ينجر عنها من روائح كريهة وتهديد بالاوبئة والامراض فان الامل يبقى معقودا في ان يكون لهذه الحملة مفعولها وان تكون لها نتائج تساعد على الأقل على الخروج بالوضع و»المشهد» من الصورة المقززة والمقرفة التي أضحى عليها.. والواقع أن ما أضحى عليه «المشهد» الوطني في جانبه المتعلق بنظافة المدن والأحياء من بؤس وانفلات مردّه عوامل عديدة ومختلفة... صحيح،،، ربما يكون هناك تهاون ما من قبل أعوان النظافة وتقصير من جانبهم.. وربما يكون هناك ايضا نقص في التجهيزات الموضوعة على ذمة البلديات والاعوان أدى بدوره الى اعاقة عمليات التدخل او على الاقل الحد من مردودها.. ولكن لا يجب ان ننسى ايضا ان للمواطن نصيبا من المسؤولية فيما آلت اليه الاوضاع فيما يتعلق بنظافة الاحياء والتجمعات السكنية.. فعندما لا يكون لدى هذا المواطن شعور بالمسؤولية واحساس بضرورة المساهمة من موقعه في المحافظة على نظافة حيه السكني او قريته او مدينته فلا يتقيد مثلا بمواعيد مرور شاحنات رفع الفضلات ويعمد الى اخراج فضلاته المنزلية في غير هذه المواعيد وتكديسها في غير الاماكن المخصصة فانه يكون قد ارتكب جرما بيئيا في حق نفسه وجيرانه. لا نريد أن نكتب انشائيا وبأسلوب أدبي في هذا الموضوع الهام والخطير لان «المسألة» لم تعد تحتمل الكلام وانما تستدعي الفعل.. لذلك نقول ان المطلوب اليوم لم يعد فقط يتمثل في أن تتحمل كل الاطراف المتدخلة مسؤولياتها وان تضطلع بدورها وتؤدي واجبها كاملا فيما يخص انقاذ الوضع البيئي والجمالي في المدن والقرى والتجمعات السكنية وانما ايضا في ان يكون هناك حزم اداري وحتى أمني أشد فيما يخص عمليات تحرير المخالفات ضد مرتكبي التجاوزات المتعلقة بالقاء الفضلات المنزلية وبقايا أشغال الهدم والبناء..