أرض الإنسان الأول.. حيث بدأ كلّ شيء ليست أثيوبيا مجرد بلد شرق إفريقي عادي، بل عالما مختلفا تماما عن العالم الذي نعيش فيه، فكل شيء هناك فريد من نوعه، ولا يتردد الأثيوبيون في مفاجأتك بأشياء جديدة كلما اعتقدت أنك تعرفت عليهم كفاية. لا يعيش الأثيوبيون في العام 2012، فالسنة الحالية بالنسبة إليهم هي العام 2004، إذ يؤمن السكان المحليون أنه قد مرّ على ميلاد المسيح أربع وألفا سنة فقط، حسب معتقدات المسيحيين المنتمين في أغلبهم للكنسية الأرثوذكسية (الكنيسة الشرقية). يعرف هذا التقويم بالتقويم الأثيوبي أو «تقويم تجيز» ويعتمد في أثيوبيا وإريتريا، ويعود أصل هذه الروزنامة إلى التقويم المصري القبطي. بذلك يبدو أن بقية دول العالم تسبق إثيوبيا بثماني سنوات. وإن كانت السنة مختلفة، فإن عدد الأشهر كذلك، إذ تتكون سنتهم من 13 شهرا، كل شهر يتكون من 30 يوما، في حين يضمّ الشهر الأخير ستة أيام فقط، لكن الأثيوبيين لا يدفعون بالرغم من ذلك راتبا إضافيا. تعد الديانة الغالبة في البلاد الديانة المسيحية الأرثوذكسية بالأساس لكن يوجد بأثيوبيا كاثوليك وبروتستان، ومسلمون أيضا حيث يمثلون نحو 40 بالمائة من الشعب الأثيوبي، ما يلفت النظر هو أن المساجد شبيهة بالكنائس في أثيوبيا ونقطة الاختلاف الوحيدة بينها هي الهلال أو الصليب، وحتى الصليب الأثيوبي يعدّ فريدا من نوعه ويختلف شكله عن شكل الصليب في بقية أنحاء العالم. للساعة الأثيوبية حسابات أخرى لا يعيش سكان أثيوبيا في سنتهم الخاصة فقط بل بتوقيتهم الخاص أيضا، ولا يتعلق ذلك بفروق التوقيت حسب خطوط الطول، ولكن أيضا بتحديد ساعات اليوم. فالساعة السادسة صباحا حسب ساعاتنا هي بالنسبة إليهم الساعة الثانية عشرة أما الساعة السابعة صباحا فهي الساعة الواحدة. أخبرنا شيميليس ميريسه صحفي أثيوبي أنه من الضروري أن نلتقي على الساعة الثالثة صباحا، فما كان منا إلا أن استغربنا ذلك. كنت أعتقد أن الإثيوبيين نشيطون جدا إلى درجة أنهم يستيقظون باكرا ويلتقون على الساعة الثالثة صباحا، لكنه استدرك فيما بعد قائلا إن التوقيت الأثيوبي مختلف، وأنّ لهم حساباتهم الخاصة. فالساعة الثالثة هي في الحقيقة التاسعة. إدمان «الإينجيرا» تنمو بذرة «التيف» في أثيوبيا ولا يوجد مثيل لها في العالم ومن دقيق هذه البذرة تحديدا يصنع الأثيوبيون خبزهم الخاص الذي يختلف لونه وشكله عن أيّ خبز آخر. الأمر الملفت في ما يتعلق بهذا الخبز أنه إذا بدأ الشخص في تناوله فهو لا يستطيع التوقف عن ذلك.. إذ يتحول الأمر إلى إدمان على الخبز الأثيوبي الذي كلما تناولت منه أكثر كلما رغبت في المزيد.. لقد كانت هناك عديد المحاولات لزراعة هذه البذرة خارج أثيوبيا، لكن الأمر لم يكن بتلك السهولة، كأن هذه البذرة تريد أن تحافظ على خصوصيتها الأثيوبية، لكن بعض التجارب في زراعتها في الولاياتالمتحدة بدأت تنجح، كما يخبرنا زميلنا الأثيوبي. وإن كان خبز الأثيوبيين مختلفا عن بقية العالم فلغتهم لن تكون أمرا هينا يتشاركون فيه مع الآخرين، إذ أن الأثيوبيين يتكلمون لغة «أمهاريك» وهي تنتمي إلى اللغات السامية. «لوسي» و«سلام» في المتحف الوطني الأثيوبي يرقد الهيكل العظمي الأكثر اكتمالا لأقدم إنسان في التاريخ، وقد أطلق عليه مكتشفه الفرنسي اسم «لوسي» ويعود إلى أنثى «أوسترالوبيثيكوس أفارينسيس» وقد عاشت منذ 3.2 مليون سنة خلت. إلى جانب «لوسي» وجد الباحثون جمجمة «سلام» لطفلة تعود إلى 3.3 مليون سنة وهي جمجمة يعتبر الخبراء أنها لكائن يتميز بخصائص الإنسان والقرد في ذات الوقت، وتسبق «لوسي» بنحو من 150 ألف سنة.. وقد كان عمر الطفلة ثلاث سنوات يرجح أنها لقيت حتفها جراء الفيضان. ويعد اكتشاف «سلام» الأبرز في تاريخ علم الإحاثة.. قد لا تنتهي قائمة الأمور المختلفة والفريدة في أثيوبيا «حيث بدأ كل شيء»، إلا أنّ أثيوبيا بالرغم من ذلك لا تختلف عن عدد كبير من بلدان إفريقيا الغربية حيث يمكن أن ترى في وجوه المتسوّلين على جانبي الطريق أو بين دكاكين الصفيح صورة لإنسان أول لم يمنحه القرن الحادي والعشرون مستوى العيش الأدنى بعد.. من مبعوثتنا الخاصّة: أروى الكعلي